الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثورة بين "داعش" والنظام: متى يشتغل السوريون في السياسة؟

الثورة بين "داعش" والنظام: متى يشتغل السوريون في السياسة؟

06.03.2014
يامن حسين


الحياة
الاربعاء 5/3/2014
بات واضحاً من ردود فعل السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في الظاهر أو في مضمر النقاشات أن خوفهم من داعش وشبيهاتها وعداء بعضهم لها أشد من عدائهم للنظام نفسه.
ذلك ان الناس ترى النظام عجوزاً مترهلاً وصدئاً، مبنياً على أسس آيلة للسقوط ولو بعد حين. فهي أسس قديمة ومهترئة، كالقومية والممانعة والاشتراكية، وفي الشعارات الثلاثة لم يقدم النظام شيئاً ذا فائدة للعامة في حياتهم وعيشهم، وهي أسس وشعارات نبذتها الناس لكثرة استهلاكها ولصدئها وتقادمها، حتى باتت الممانعة سبة مثيرة للسخرية حتى في أوساط المؤيدين انفسهم، كما هي "اشتراكية" أموال رامي مخلوف، و"نضال" سيرياتل مع الفلاحين والعمال.
يضاف إلى ذلك أن النظام بالنسبة الى الثائرين عليه واضح ومتوقع في مكامن قوته وضعفه، وكيفية الالتفاف عليه، في حين يبدو الخوف العام من داعش وشبيهاتها أكبر لأنها ديكتاتوريات "حديثة" وغير واضحة المعالم أو مكامن القوة والضعف، فلا مؤسسات وركائز مؤسسية واضحة يمكن للثائرين مهاجمتها وهدمها لتنهار بسهولة. ويبدو بلاؤها الأشد أنها مبنية على أسس تقارب المطلق، الذي يخيف الاقتراب منه وانتقاده، وهو "الله" أو "الإسلام"، فهي وكيلته الحصرية وممثلته على الأرض، وهي تخالف حتى أحكامه المكتوبة في القرآن والسنة لتثبيت "حكمه"، كما جرى من قطع رؤوس الجرحى في حلب، حيث قطع رأس أحد جرحى "حركة أحرار الشام" في معركة خاضها الفصيلان معاً ضد جيش النظام، بعدما شك مقاتلو الدولة في أن الجريح من "حزب الله".
لذا فإن الكثيرين من الثوار يخافونها أكثر من النظام ويرونها شراً أكبر منه، ويزيد الموضوع خطورة بالنسبة الى الثوار أن مناطق اشتباك النظام مع الثائرين واضحة جغرافياً، في حين أن مقاتلي الدولة أو أشباهها هم بين الناس وفي المناطق التي تسيطر عليها قوى المعارضة.
وكنوع من الدفاع عن أنفسهم في موقفهم من "داعش"، يلصق الثوار، مقتنعين أو غير مقتنعين، "داعش" وشبيهاتها بالنظام، إذ هي في وعيهم أو لا وعيهم أشد وأعتى من النظام نفسه أو أنها تدانيه.
الخلل بين جمهور الثوار وعدم اتضاح الرؤية لدى غالبيتهم، وضياعهم في أواخر السنة الثالثة للثورة السورية، يتأتى من سؤال: "من أين نبدأ؟" أو "مَن أولاً: الدجاجة أم البيضة؟". فكلاهما، النظام و"داعش"، سبب للآخر وداعم لقوته وشرعيته بين جمهوره وبين الصامتين في الطرفين.
فبعد كل مجزرة للنظام تميل الكفة في الهوى العام لدى جمهور الثورة لمصلحة "داعش"، وبعد كل مجزرة لـ "داعش" تميل كفة الصامتين وما يدعى بالتيار الثالث من المعارضة لمصلحة النظام، أو في أضعف الإيمان للتصالح معه خوفاً من الخطر الداعشي. وكأن كليهما، "داعش" والنظام، يعمل لمصلحة من يفترض أنه ضده.
أفقر ما يمكن فعله في كل هذا هو ما فعلته القوى السياسية خلال السنوات الثلاث من عمر الثورة، بالتفرج وعدم الوضوح والتردد والكيدية تجاه ذواتها وتجاه قوى المعارضة الأخرى، وبات أغلبها " دكاكين" مفلسة لا تملك قرارها، ولا قدرة لها على إنتاج ما يمكن بيعه في أسوأ الأحوال.
إن قدر السوريين هذا في السنوات الثلاث الثورية يحتم على الشعب الثائر داخل سورية أن يفعل ويشتغل بالسياسة وألا ينظر اليها كشتيمة أو اتهام، وهو ما كان سائداً في أوساط الشعب الثائر. فلا يترك تلك الدكاكين تعيد بيع ما بيع سابقاً. وأن لا يكتفي بالانتصار على "داعش" عسكرياً في حلب أو إدلب كما هو حاصل حالياً، إذ ثمة دواعش ستزهر وتظهر طالما لا يوجد عمل سياسي يجاري العسكري.
والمتابع لعلاقة التيارات السلفية الجهادية بالناس يلاحظ مثلاً أن "جبهة النصرة" انكفأت عن التدخل بحياة الناس في عدد من المناطق. أوضح مثال على ذلك يبرود، فهي تتموضع خارج المدينة ولا تفرض على مسيحييها أو مسلميها ما كانت تفعله في مناطق أخرى، ويأتي هذا بعد أن رأت ما حصل لتوأمها "داعش" وانتفاض الناس عليها. إلا أن الجبهة وشقيقاتها لن تتوانى عن فرض نفسها بالقوة وحكم الناس بالقمع طالما لايوجد بديل داخلي سياسي وعسكري يردعها.
إن ايجاد السلفية الجهادية السورية في النصف الثاني من الثورة، لا قبلها ولا في بدايتها، ساهم ربما في زيادة التطرف، لكنه ينقلب الآن عليها. فظاظتها وعدم عمقها وعدم تجذرها في المجتمع تساهم في انقلاب الناس عليها حتى من أوساط مؤيديها.
لقد أتت السلفية السورية كتركيب ركيك على المجتمع، مستغلة عنف النظام وعدم وجود البدائل، وإن وجدت البدائل فضعيفة وغير متينة ولا متسقة، إضافة إلى انحياز الناس البسيط الى الديني وقت الشدائد. إنها تشبه، في ما تشبه، فرض السوفياتات الشكلية (الإلحاد وقمع الفلاحين وتحويلهم الى عمال بالقوة) على مجتمعات كانت بحاجة إلى الثورة لكنها تختلف بالعمق مع رؤية هؤلاء للثورة.
فجدار برلين السوري سقط في حلب وكذلك في دوما، وسقوطه يعني أن يثور المسلم الطبيعي على المسلم المصطنع.
وهذه الثورة حية لكنها متعَبة. التسويات والهدنات الأخيرة الحاصلة في برزة ومعضمية الشام هي ظاهر تعبها وبداية لعمل سوريي الداخل في السياسة، اتفق الناس مع نتائجها أم اختلفوا، و ما جرى في إدلب وحلب، وما سيجري في دوما ووادي بردى هو جوهر حيوتها... ولا بد لتمكين هذه الحيوية واستمرارها من أن يعمل السوريون في الداخل بالسياسة أكثر مما فعلوا، مهما تعثروا.