الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الثور الأعمى لـ"داعش".. يدوسنا جميعاً!

الثور الأعمى لـ"داعش".. يدوسنا جميعاً!

14.07.2015
خالد الحروب



الشرق القطرية
الاثنين 13/7/2015
القوة التي تفتقد إلى عقل مفكر يسيطر عليها ويقودها تصبح قائدة ذاتها، وتتحول إلى ثور يتصف بثلاث صفات: أعمى، وأهوج، وممسوس بالجنون. لنتخيل حركة وطاقة هذا الثور صاحب هذه السمات وما هي النتائج التي تخلفها حركته الهوجاء على الأرض وفي المحيط الذي يجاوره؟ "ثورنا" الأشم يتفجر طاقة، يراكمها بلا انقطاع ولا يعرف كيف يصرفها، ولا يدري بطبيعة الحال كيف يحولها إلى قوة بناء. لهذا، نراه يركض ويجري على الدوام دون توقف، يترنح يمينا ويسارا ويدوس على كل ما يأتي في طريقه غير عابئ بـ"المُداس" وفيما إن كان صديقا أم عدواً. في الحقيقة لا يهتم الثور الهائج أصلا بإيجاد دوائر أصدقاء أو محايدين. أحد جوانب العبقرية الغبية في ممارسته اليومية تكمن أساسا في تكثير الأعداء ومضاعفة أعدادهم وكأن هذا ما يعتاش عليه. الثور الأهوج يورط كل السذج الذين يظنون أن بإمكانهم الاستفادة من طاقته الرعناء وتوظيفها ولو عن بعد، انعطافاته الحادة وجنونه المركب ومفاجآته المدهشة التي لا ينطبق عليها منطق أو عقل أو تنبؤ، تهزأ بأي طرف يتورط في الرهان عليه. هل يمكن الرهان على ثور أعمى وأرعن ومجنون، ثقيل الوطأة بالغ الوزن، لكن في الوقت نفسه لا يكف عن الحركة في كل الاتجاهات دون هدف؟
داعش اليوم هي أحدث طبعة من فصيلة الثيران العمياء التي إن حلت في منطقة ما جلبت عليها الوباء والدمار والدماء. أول من تدوسه هذه الثيران هم من تزعم أو تظن بأنها تدافع عنهم. مثلاً، البلاء الذي تجلبه داعش اليوم لكل المناطق السنية وللسنة الذين تزعم أنها تريد أن تحميهم وتقيم خلافة على رأسهم ليس مسبوقاً. ينطلق عناصرها مُقادين بالغباء ليس إلا، فيحتلون هذه المحافظة السنية أو تلك في العراق أو غيره، فيستفزون الحكومة (التي يعادونها لأنها طائفية ويتهمونها بالعداء للسنة) فيدفعونها للتحرك بسرعة، كي تثبت أنها ذات السيادة على كل المحافظات، فتسيطر هي ومليشياتها على مناطق السنة التي حررتها داعش...(من من)؟ بسبب العمى المطبق لا يبصر ثور داعش من هو الصديق ومن هون العدو: كل الذين يحيطون بالثور الأعمى والهائج هم أعداء له، وهو لا يملك وسيلة للتعامل معهم سوى البطش الدموي وجلب الموت لهم. قوائم الثيران التي اندرجت في ثلاثية العمى والرعونة والجنون طويلة ودائمة التجدد. القرن العشرون لوحده يحفل بقائمة مذهلة تضم عشرات غير هتلر ستالين وبول بوت وعيدي أمين وهيلا سيلاسي وموبوتو سيسيكو.
عربيا يحتل صدام حسين الموقع الأول ممن امتلكوا القوة لكنهم اتصفوا بالعمى المطلق الذي دمرهم ودمر بلدهم ومن جاورهم.
نظرية الثور الهائج هي التي تلتقط حال داعش اليوم، كما التقطت حال القوة المنفلتة من أي عقل أو تفكير في تجارب تتجاوز العد في تاريخ البشرية. داعش تخلف عن القاعدة التي اندرجت في نفس المسار والنظرية، وخبطت في كل الاتجاهات وتسببت في حروب أفغانستان والعراق. تنظيمات الثور الهائج الداعشية والقاعدية تهيج اليوم بتفاهة بالغة وتنشر الإرهاب البشع باسم الدين، وهي تدمره وتدمر صورته وتدمر أتباعه وتحاصرهم بالعنصريات وردود الفعل في كل مكان. في هذه الأيام الدامية لوحدها قتل الثور الداعشي الهائج أبرياء ومدنيين في مساجد مسلمين في السعودية والكويت، وقتل أبرياء في العراق وفي ليبيا وتونس ونيجيريا، وهدد بتحرير "غزة من حماس" (لا إسرائيل)، وهدد مسيحيي القدس كي يغادروها (ولم يهدد إسرائيل التي تحتلها!).
هناك مسوغات كثيرة يسوقها الثور الهائج ولا يزال لتبرير هيجانه وولوغه في الدم البريء، الوحيد منها الذي يستحق النقاش والتوقف عنده، رغم أنه أقلها استخداما من قبل الثور الهائج، هو التدخل الغربي المستمر في المنطقة وما يتسبب عنه.
الثور الجديد كان تيارات التطرف الإسلامي التي تلقفت "الراية" كتلميذ فاشل لا يقرأ التاريخ ولا يفقه السياسة، وهي التيارات التي بقيت تنتج ثورا في كل مرحلة حتى أوصلتنا إلى داعش. واحدة من مشكلات الثور الهائج والأعمى في كل مكان وزمان تكمن في إرادوية صنع التاريخ على هواه، والبداية من حيث بدأ من سبقوه وفشلوا. وذلك كله، في منطقتنا، كأنما يحبسها في قدر محتوم على المجتمعات والبلدان فيه أن تداوم الانخراط في دورات تطوف واحدة تلو الأخرى، تبعا لنوع ولون التيار المتطرف الذي يصحو على نفسه ويكتشف "النضال" أو "الجهاد" ثم يشرع ببلاده مذهلة في تطبيق "مشروعه" الخاص، ضاربا بعرض الحائط كل التجارب الماضية والقريبة وخلاصتها، وكأن التاريخ والعالم والحياة بدأت معه ومع اكتشافاته.