الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الجبير" ومستقبل سوريا.. حين يفرض القرار المستقل نفسه

"الجبير" ومستقبل سوريا.. حين يفرض القرار المستقل نفسه

21.09.2015
وائل مرزا



المدينة
الاحد 20/9/2015
«الجبير» ومستقبل سوريا.. حين يفرض القرار المستقل نفسه مرةً أخرى، تُثبت الوقائع أن عملية (عاصفة الحزم) كانت بداية صفحةٍ جديدة ومختلفة على كثيرٍ من المستويات، ليس عسكريًا فقط، بل في المجال السياسي الأهم، وتحديدًا في مسار العلاقات الدولية. نُذكرُ هنا خاصةً بأن القرار المتعلق بالعملية تم أخذهُ في الرياض، وفي استقلاليةٍ تامة، ورغم (تحفظاتٍ) كانت عليه من هنا وهناك.
لم يحصل هذا من باب المعاندة السياسية، كما هو الحال عند بعض من يعتمد تلك العقلية في اتخاذ القرارات. لم يأتِ القرار بعيدًا عن مشاوراتٍ إقليمية ودولية. رغم ذلك، تم اتخاذ القرار، بعد تلك المشاورات، وفقًا لحسابات تتعلق بالمصالح العامة، ليس للمملكة فقط، بل للعرب بأسرهم في هذه المرحلة.
ومع الأيام، ظهرت دقةُ الحسابات، وبانَ صوابُها. فاختفت التحفظات، وغابت أصوات التشكيك أيًا كانت خلفيتها وأسبابها.
هذا نموذجُ حسمٍ في الإرادة السياسية المبنية على توازنات دقيقة: معرفة حجمك الحقيقي وإمكاناتك الفعلية، تركيزك على تحقيق المصالح العامة هدف نهائي لاتخاذ القرار، قيامك بالحسابات وفق قواعد الواقعية السياسية بمعناها الشامل. هذا يتضمن استفراغ الجهد لامتلاك أقصى ما يمكن من (أوراق) في جميع المجالات، لكن من (الواقعية) أيضًا ألا تقف عند ما يعتقد كثيرون، خاصةً في منطقتنا، أنها (حدود) يُصابون بالذعر من مجرد التفكير بتجاوزها.. ألاﱠ تقف بسلبيةٍ بالغة واستسلامٍ مطلق، وإنما بتحفزٍ وانتباهٍ ويقظةٍ ومتابعةٍ لكلّ متغيّر. فتلك الحدود ليست صلدةً على الإطلاق، بل تتصف بكثيرٍ من المرونة، ويمكن لها أن تتغير وتتبدل على الدوام.
أما أن تُختزل الواقعية في الدعوة للوقوف عند الحدود (المتموهمة).. فإنه مدخل الهزيمة النفسية والعملية، لأنه يُحيلُ إلى معنى (العجز) في لَبوسٍ مزيف ليس له علاقةٌ بالواقعية.
الواضح أن السعودية ماضيةٌ، وبحزمٍ مرةً أخرى، في تطبيق هذا الفكر السياسي الخلاق حيث تتحقق المصلحة العامة الوطنية والقومية، لها، ولعالمٍ عربي يحتاج لقيادةٍ بهذا المنطق الفعاَّل.
فمنذ بضعة أيام، جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بخصوص القضية السورية، لتؤكد هذه الحقيقة. في التصريحات المذكورة، قال الجبير بكل صراحةٍ ووضوح: «عاجلًا أم آجلًا سوريا بلا بشار الأسد الذي انتهى فيها... بشار الأسد فاقدٌ للشرعية، ولا مستقبل لسوريا بوجوده». ورغم تأكيده لأفضلية الحل السياسي إلا أنه أضاف: «إن لم يستجب الأسد للحل السياسي، فإنه سيُبعدُ عن طريق حلٍ عسكري.. إذا لم يحقق الحل السياسي المبني على مبادئ جنيف 1 أهدافه الساعية إلى إنشاء مجلس انتقالي يهيئ سوريا لمستقبل أفضل بدون بشار الأسد، فإن الحل سيكون عسكريًا. ولمرة ثالثة في التصريح أكد قائلًا: «الخيار العسكري لا يزال قائمًا والمعارضة السورية ما زالت تواجه الأسد بفاعلية أكبر مع مرور الزمن».
هنا أيضًا، لم يُطلق الوزير السعودي التصريحات المذكورة على سبيل ردود الأفعال العابرة. هنا أيضًا، كانت وستكون هناك مشاوراتٌ وحسابات تتمحور حول المصلحة العامة للسعودية والعرب. وهنا أيضًا، ستكون هناك (تحفظات) وملاحظاتٌ تُنشر على سبيل التشويش والتشكيك. وهنا أيضًا وأيضًا، سيتم اتخاذ القرار بما يُحقق تلك المصلحة، وبإدراك الوزن الحقيقي للسعودية، ولدورها الأساسي في المنطقة، ومعرفتها أن (الجميع) سيتقبلون الممارسات المتعلقة بذلك القرار أيًا كانت.. فبغض النظر عن (التهويش) يُدرك (الجميع) أنه، حين يتعلق الأمر بقضايا إستراتيجية تمسﱡ الوجود، لا مجال للتراجع على الإطلاق.
تبقى إشارةُ الوزير إلى (دور السوريين) في الموضوع. وهو أمرٌ يجدرُ بهم الانتباه إليه بجديةٍ وحساسية. ثمة وقائع وإشارات على بدء ممارساتٍ إيجابية تصب في خانة التنسيق والعقلانية السياسية في الأسابيع الماضية، لكن تصريحات الجبير يجب أن تكون دافعًا للعمل بجهدٍ أكبر في هذا المسار