الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجحيم الذي اندلع الآن!

الجحيم الذي اندلع الآن!

22.06.2013
إبراهيم جابر إبراهيم

الغد الاردنية
السبت 22 /6/2013
رواية "القوقعة" لكاتبها السوري مصطفى خليفة، هي تعريف الألم، بحذافيره.
الرواية كُتبت، وقرأتُها، قبل الثورة بسنوات، وهي قصة شاب عاد من دراسته في أوروبا ليقاد من المطار إلى التحقيق، وبعد أن يقضي شهوراً من التعذيب الذي لا يوصف في عدة مخافر، يقاد للسجن حيث يقضي فيه ما يقارب العشرين سنة، بتهمة الانتماء لـ"الاخوان المسلمين"؛ دون أن يكلّف واحد من المحققين نفسه عناء الانتباه له وهو يصرخ "يا سيدي انا مسيحي.. شوف هويتي"!!
 في الرواية وصف دقيق لما يمكن ان تصل اليه مخيلة الجلاد، من ابتكار طرق جديدةٍ للألم.
فمن يتخيل مثلاً أن يسجن العجوز المسنّ وأولاده الثلاثة معاً، ثم يعرض عليه أن يختار واحداً منهم لإعدامه في اليوم التالي!
ومن يتخيل طفلاً لم يبلغ الرابعة عشرة يهرب من تحت حبل المشنقة المنصوب في ساحة السجن فيركض وراءه السجّانون ليعيدوه للحبل ويعلقوه وهو يبول على نفسه!
وأي عقل جهنمي تخطر في باله فكرة مثل فكرة التعذيب بالخبز؛ فحين يشتكي السجناء مراراً من حصّتهم القليلة من الخبز، تقرر إدارة السجن أخيراً أن تخصص لكل واحدٍ منهم عدة أرغفة، شرط أن لا يعود منها شيء، وان لا يخرج من الزنزانة خبز فائض. ولا ينتبه السجناء للفخّ. بل يبتهجون بالخبز الذي سرعان ما يتراكم. ثم تضيق به الزنزانة. ثم يصير اكواماً ضخمة. ثم لا يعود هناك متسع للنوم. فينام السجناء واقفين. ثم يجتمعون لمناقشة الأمر فيتوصل البعض لاقتراح اذابة الخبز بالماء وتصريفه في ماء (الحمّام)، وينقسم السجناء هنا الى تيارين، فكلاهما من الجماعات الاسلامية لكنهم يصطدمون حول فكرة الخبز، وحرمة أن يذاب في ماء الحمّام!
يتحدث خليفة كيف يصطدم المجتمع ببعضه في زنزانة ضيقة، ويقوم أفراده بدور السجّان، نيابة عنه، وكيف ينسى السجناء عدوّهم المشترك فينشغلوا بخلق اعداء آخرين داخل الزنزانة الواحدة!
الرواية تسجيلية، توثيقية، حقيقية بالكامل، ليس فيها كلمة واحدة من الخيال، وكل حفلات الإعدام التي يرويها المؤلف شاهدها بأم عينه من ثقب صغير في باب الزنزانة يطلُّ على ساحة السجن!
المهم في الأمر انه بعد كل سنوات السجن المريرة يكتشف خليفة ان تهمته كانت انه ضحك يوماً ما وهو يدرس في الخارج على نكتةٍ قيلت عن الرئيس؛ لم يقل هو النكتة ولكنه لسوء حظه ضحك عليها، بوجود صديقٍ مخبر!
هذه الرواية راجت الآن، بعد الثورة، ربما لأن أحداً لم يكن ليجرؤ للحديث عنها فضلاً عن تداولها، وهي شاهد على الخراب العظيم الذي كانت تداريه حفلات الولاء والتصفيق داخل البلد "القوقعة"؛ وهي شاهدةٌ أيضاً على أسباب هذا الجحيم الذي اندلع الآن!
ibraheem.jaber@alghad.jo