الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجربا: أولوية الثورة تسليحها

الجربا: أولوية الثورة تسليحها

29.07.2013
محمد ولد المنى

الاتحاد
الاثنين 29/7/2013
مثلت القاهرة وباريس ونيويورك خلال الأيام الماضية الأخيرة، محطات لبعض الأنشطة والاتصالات المهمة من جانب رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربا، ربما تؤذن ببداية عودة الائتلاف إلى ساحة الاهتمام الدولي مجدداً، بينما تمر المنطقة بمتغيرات جديدة وحاسمة، وبعد أشهر من الخلافات الداخلية التي أضعفت الائتلاف، فيما كان نظام الأسد يحقق مكاسب عسكرية متتالية على الأرض. ففي القاهرة استوثق الجربا من موقف السلطة الجديدة هناك، ومن استمرار الدعم المصري للثورة السورية، وحصل على تعهد بإلغاء فرض التأشيرة على السوريين في أقرب وقت ممكن. وفي باريس لفت نظر المراقبين أن الجربا حظي باستقبال بروتوكولي يشبه استقبال رؤساء الدول من جانب أولاند عند بوابة قصر الإليزيه. أما في نيويورك فقد التقى الجربا في مقر الأمم المتحدة بممثلي الدول الخمس عشرة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، بمن فيهم روسيا، أبرز حليف لنظام الأسد، والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي الدول الثلاث التي تعتزم تسليح المعارضة السورية.
ومعلوم أن الجربا كان المشرف على ملف التسليح داخل المجلس الوطني السوري المعارض، وكثيراً ما شدد في لقاءاته الإعلامية على أن نظام الأسد لن يرحل برمي الأقلام والزهور عليه، بل بقوة السلاح وحدها ولا شيء آخر غير ذلك. وبعد انتخابه في السابع من يوليو الجاري رئيساً لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أعلن أن تزويد «الجيش السوري الحر» بالأسلحة اللازمة لإكمال النضال، يأتي على رأس مهماته كرئيس للائتلاف. لكن من أين قدِم الجربا إلى ذلك الموقع؟ وما الظروف والسياقات التي جاءت به زعيماً للمعارضة السورية؟
قبل انتخابه رئيساً لائتلاف المعارضة السورية لم يكن الجربا شخصية معروفة على نطاق واسع للرأي العام السوري ووسائل الإعلام العالمية، بل ربما كان انشغاله بملف دقيق وحساس مثل ملف التسليح، يجعله مقلاً في الظهور الإعلامي. لكنه انخرط في الثورة السورية منذ بدايتها، حيث عمل في مجالات الإغاثة وتقديم الدعم الإنساني، ثم انضم إلى «المجلس الوطني السوري» ممثلاً عن العشائر السورية.
وقد ولد أحمد عاصي الجربا عام 1969 في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة، حيث درس المرحلة الابتدائية والثانوية من تعليمه هناك، قبل أن يلتحق بجامعة بيروت العربية التي حصل منها على شهادة في القانون عام 1993. وخلال السنوات اللاحقة أصبح للجربا نشاط سياسي في الداخل والخارج؛ كونه ابناً لأحد مشايخ قبيلة شمر المتواجدة في العراق والسعودية والكويت، وشمال شرق سوريا. ولذلك فقد لعب دوراً أسياسياً في التواصل بين العشائر والمعارضة. وبسبب مواقفه المناهضة للنظام، تم اعتقاله بين عامي 1996 و1998 رفقة المعارض البارز رياض سيف وناشطين آخرين، وأعيد اعتقاله في مارس 2011 أثناء إرهاصات الانتفاضة الشعبية ضد نظام الأسد.
ولدى قيام «المجلس الوطني السوري» المعارض، أصبح الجربا عضواً في أمانته العامة، وهو منظمة سياسية سورية ضمت بعض أطياف المعارضة، مثل «الإخوان المسلمين» و«إعلان دمشق» و«المؤتمر السوري للتغيير» ومستقلين، وقد أُعلن عن تشكيله في إسطنبول في أكتوبر 2011، وترأسه برهان غليون قبل أن يستقيل ويحل محله عبدالباسط سيدا في الفترة بين يونيو ونوفمبر 2012 حين انتخبت الأمانة العامة للمجلس جورج صبرا رئيساً للمجلس خلفاً لسيدا.
لكن قوى سياسية عديدة بقيت خارج المجلس، مما أضعف أداءه وأداء المعارضة السورية ككل، فكان لا بد من إنشاء كيان جديد يضم المجلس وباقي قوى المعارضة الأخرى، فتشكل «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، بالدوحة في نوفمبر 2012، فضم إلى جانب «المجلس الوطني السوري» نفسه، قوى أخرى عديدة مثل: «الهيئة العامة للثورة السورية»، «لجان التنسيق المحلية»، «المجلس الثوري لعشائر سوريا»، «رابطة العلماء السوريين»، «تيار مواطنة»، «هيئة أمناء الثورة»، «تحالف معاً»، «الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية». وخلال تلك التحولات العاصفة داخل المعارضة السورية، انضم الجربا إلى «الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية» بزعامة ميشيل كيلو، ومن خلالها دخل الأمانة العامة لـ «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية».
وعمل الجربا في الائتلاف تحت قيادة الداعية معاذ الخطيب، إمام المسجد الأموي في دمشق، الذي انتخب رئيساً لائتلاف المعارضة، كما انتُخِب كلٌ من رياض سيف وسهير الأتاسي نائبين للرئيس، ومصطفى صباغ أميناً عاماً. لكن الخطيب غادر منصبه في 22 أبريل 2013، ليكلف نائبه جورج صبرا بمهام رئاسة الائتلاف لحين انتخاب رئيس جديد.
وحين انتخب الائتلاف هيئاته الرئاسية الجديدة في السابع من يوليو الجاري، فاز الجربا بمنصب الرئيس لحصوله على 55 صوتاً في الهيئة العامة، متقدماً بثلاثة أصوات على منافسه رجل الأعمال مصطفى الصباغ الذي يقال إنه مقرب من قطر. وهي النتيجة التي اعتبرها المراقبون انعكاساً لسقوط حكم «الإخوان المسلمين» في مصر، ودخول قوى مدنية إلى «الائتلاف الوطني السوري»، حيث شعر العلمانيون أنهم في موقف أفضل، لاسيما بعد توسيع الائتلاف بضم 22 شخصية علمانية و14 من الحراك الثوري و15 من «الجيش الحر»، وقد صوت معظمهم لمرشحي «الكتلة الوطنية الديمقراطية» بزعامة كيلو، وعلى رأسهم الجربا.
وفي بيان أصدره الائتلاف عقب انتخاب الجربا، أثنى على نشاطه الدبلوماسي والسياسي كعضو في الأمانة العامة للمجلس الوطني، وكعضو مؤسس في الائتلاف منذ تشكيله، ونقل عنه القول إن من أهم أولوياته الآن متابعة مستجدات الوضع الداخلي في سوريا، وبخاصة في حمص، وإن الجهود يجب أن تنصب على هذا الجانب.
وكان الجربا، والمعروف أيضاً بقربه من السعودية، قد حصر اهتمامه خلال الأشهر الأخيرة في إقناع الجهات الداعمة للثورة بتمكينها من التزود بالسلاح في مواجهة نظام الأسد. وقال في مقابلة تلفزيونية أجريت معه في يناير الماضي، إن النظام السوري قوي بسلاحه، متسائلاً: «هذه الترسانة القوية كيف نجابهها؟ هل بالأقلام؟ علينا أن نأتي بالسلاح، وهذا ما نفعله». وانطلاقاً من هذه النظرة ذاتها، شرح الجربا لممثلي أعضاء مجلس الأمن الدولي في نيويورك، يوم الجمعة الماضي، ضرورة الوصول إلى نقطة الحسم العسكري لإنهاء الصراع في سوريا، وهو ما يتطلب تسليح المعارضة ومدها بالمعدات العسكرية اللازمة.