الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجرح الفلسطيني الغائر من تل الزعتر الى مخيم اليرموك

الجرح الفلسطيني الغائر من تل الزعتر الى مخيم اليرموك

01.02.2014
أيمن أبولبن



القدس العربي
الخميس 30/1/2014
لا شك بأن الفصائل الفلسطينية أخطأت عندما وقعت في فخ استدراجها للوقوع في المستنقع السوري، كان عليها أن تنأى بنفسها عن الخوض في هذه النزالات دفاعاً عن النظام أو حتى دفاعاً عن الثورة السوريّة، ولا شك أيضاُ بأن قيادات هــــذه الفصائل ‘السياسية’ تتحمّل جزءاً من المسؤولية تجاه ما يحـصــــل للاجئين الفلسطينيين في سوريا، حيث كان عليهم أن يدركوا أن أي موقف سياسي يتخذونه سواءً مع أو ضد النظام، سينعكس على أهــــل المخيمات، ولكن المسؤولية الأولى وتبعيّة ما يحصل حالياً من قتل وتجويع وحصار، يقع على عاتق الحكومة السورية والنظام الســـياسي في البلد ، ولا أقصد هنا المسؤولية الأخلاقية فقط، بل المسؤولية المدنيّة والجنائية والدولية، حسب الأعراف والمواثيق المتفق عليها، ولوائح حقوق الانسان، فأي دولة في العالم مسؤولة بأن تحافظ على حياة الانسان على أراضيها، وكرامته وكرامة عيشه ، ضد أي اعتداء ، سواءً من الأجهزة الحكومية والرسمية، أو حتى من الجهات الخارجية المتواجدة على أراضيها.
النظام السوري على مدار العقود الماضية استغل ضيافة الفصائل الفلسطينية على أرضه للضغط على أبو عمار ومنظمة التحرير لتبني رؤيا النظام السوري الخاصة في المنطقة، وللاحتفاظ ببعض الأوراق السياسية المهـــمة، كي يبقى لاعباً مهماً ورقماً صعباً في أي حوار أو حل مستقبلي في المنطقة، واستطاع اقنــــاع هذه الفصــــائل أن منظمة التحرير قد تخلت عن ثوابت القضية وعن مبادىء الثـــورة الفلسطينية، ولكنه في نفس الوقت احتوى هذه الفصائل ومنعها من القيام بأي عملية عسكرية أو أية مناوشات من أراضيه، تطبيقاً لشعاره ‘المقاومة والممانعة عن بُعد ‘ ، وعندما تخلت عنه هذه الفصائل أو بعضها ، لم يعد للقضية الفلسطينية ولا حتى للانسان الفلسطيني لديه أي أهمية، وبدأ رحلة انتقام شرسة، تماماً كما فعل في تل الزعتر من قبل. وقد قالها مسؤولو النظام علناً أن بعض الفصائل الفلسطينية ناكرة للجميل، وأن هذه الفصائل -ومن ينتمي اليها- قد عضت اليد التي مُدّت لها.
النظام السوري يستخدم اليوم ذات الأعذار القبيحة، التي أستخدمتها الأنظمة القمعــــية والاسـتعمارية في المنطقة من قبل، ويتذرع بوجود مُسلّحين داخل مخـــيم اليرمــــوك، في محاولة لتحميل المسؤولية لهم ولأهالي المخيم فيما يحصل من حصار وقتل وتجويع، ولكن الحقيقة أن النظام السوري يقـــوم بفرض عقاب جماعي على كل قاطني المخيم، لأن أحداً منهم تجرأ على الوقوف ضده، وهذا ليس مستغرباً من نظام فاشي مثل النظام الســوري، عاقب أبناء شعبه ونكّل بهم لا لشــيء، سوى أنهم طالبوا بـ’شويّة كرامة’ ، والأنكى من ذلك أن السلطة الفلسطينية، لم تكتف بالتخلي عن كل مسؤولياتها أمام اللاجئين الفلسطينيين بل كررت نفس الاسطوانة المشروخة وأتهمت الفصائل الفلسطينية على لسان رئيس السلطة محمود عبّاس بالخيانة والعمالة؟! ممثلو السلطة الفلسطينية يأتون الى دمشق لزيارة الأسد وأعوانه والشد من أزرهم ، بدلاً من التوجه الى المخيم لنجدته.
لا أدري كيف يقوم بعض المثقفين وأبواق النظام السوري بالترويج لهذه الشعارات والترهات الفارغة، وينسون أن النظام نفسه ارتكب الخطيئة الكبرى عندما أغمض عينيه عن كل الحقائق في بداية الحراك الشعبي، وأغلق آذانه عن كل النصائح بل والاستجداءات بأن يأخذ المطالب الشعبية مأخذ الجد ، ويتبنى مشروع اصلاح حقيقي ‘سياسي’ بدلاً من تبني الخيار العسكري ولولا هذه الخطيئة لما وصلت البلاد الى ما وصلت اليه اليوم.
ما يحدث حالياً في مخيم اليرموك، يرقى الى مستوى الفصل العنصري، والابادة الجماعية، وجرائم الحرب وقتل المدنيين، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية توثيق هذه الجرائم ، ومطالبة المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الانسان ، بالقيام بواجبها ليس فقط في وضع حد لهذه الجرائم بل بالقصاص من جميع المسؤولين ‘السوريين وغيرهم’ المتورطين في الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري عامةً واللاجئين الفلسطينيين في المخيمات.
مخيم اليرموك، عرّانا أمام أنفسنا، أصبحنا نستحي من وجوهنا حين ننظر الى المرآة، مأساة مخيم اليرموك حركت شعور العجز والنقص فينا، فطفت على السطح وأصبحت بادية للعيان على ملامحنا، صور الضحايا وهم يحتضرون جوعاً أيقظت في داخلنا عقدة الضحية، وأعادت الى الأذهان مأساة النكبة فالنكسة ، و ذكريات مخيمات برج البراجنة وصبرا وشاتيلا !!!
من العار علينا كشعــــوب أن لا نمــــلك ســوى الصوت والقلم والدعاء، فهل هــــذا يكفي لمواجهـــة أبشع الأنظــــمة، وأبشع المؤامرات في هذا الزمــــن الـــرديء ؟! من العــــار على حكامنا العرب، أنهم عجزوا عن ايجاد حل عربي للقضية السورية عــــلى مدار 3 سنوات، بل انهم زادوا الطين بلّة عندما تخلوا عن مسؤولياتهم واكتفوا بتمويل كل من يرغب في القتال، اعتقاداً منهم أنه أيسر وأقصر الحلول.
أستذكر في هذا المقام قصيدة د. غازي القصيبي رحمه الله ، عندما خاطب مخترع ‘الفياغرا’ قائلاً :
يا سيدي المخترع العظيم’
يا من صنعت بلسماً’
قضى على مواجع الكهولة’
وأيقظ الفحولة
أما لديك بلسم’
يعيد في أمتنا الرجولة؟