الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجهاد الطائفي والزمن الديمقراطي!

الجهاد الطائفي والزمن الديمقراطي!

06.02.2014
إبراهيم بن سليمان المطرودي


الرياض
الاربعاء 5/2/2014
    الخطاب النقدي الناهض اليوم في وجه من يدفعون بالشباب إلى سورية، ويحضونهم على القتال فيها، يتكئ كثيرا على شبابنا ومجتمعهم، ويتوارى عنه الحديث عن مصلحة الشعب السوري نفسه، فهو لا يتخذ من حال السوريين، وما جرّته عليهم هذه الفوضى، وستجرهم إليه مستقبلا، وما أوقعتهم فيه هذه الإرساليات من بلاء، وستوقعهم فيه في مقبل الأيام، وهو بلاء دفع وسيدفع ثمنه الشعب السوري وحده، ولن يكون لهؤلاء الذين يرسلون بالشباب، ويرمون بهم في أتون هذه المعركة، حين يرون الأضرار العظيمة _ وقد رأوها رأي عين _ إلا أن يقولوا: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرناه ما كان هذا الذي كان؛ لكنه قول، لا ينفع السوريين، ولا تبرد به أكباد المكلومين منهم ومنا، ولا يحل شيئا مما نزل بهم!.
المستقبل الذي يرسمه السوريون، ويطمحون إليه، بعد هذه الدماء الكثيرة، والأشلاء المتناثرة، والنفوس الملتاعة، مستقبل يضمن أول ما يضمن عدم العودة إلى صورة هذا الماضي المظلم، والزمن السيئ الذكر، والمرحلة البئيسة، والضامن لهذا _ في عصر ازدهار المذهبيات وطوفان الطائفية _ هو الديمقراطية وحدها، ولن يكون هذا المستقبل المروم على أيدي هؤلاء الطائفيين الذين يتقاتلون الآن
والحق أنني حين تأملت المعركة الدائرة هذه الأيام، واستمعت إلى تلك المقابلات الساخنة، وجدت لقراءتي لها ثلاثة مداخل، كلها تؤيد الرأي الذاهب إلى تجريم الدفع بالشباب إلى سورية، وعده ذنبا في حق السوريين أولا، والشباب الخليجي وغير الخليجي ثانيا، وأن على من يقف وراء هذا أن يعتذر عنه، ويعترف به، وهو رأي كنت تفوهت به منذ ما يقارب السنة تقريبا.
وأول هذه المداخل يدور حول الشعب السوري نفسه، ومستقبله الذي ينشده، وثانيها يدور حول دول الخليج وأنظمتها السياسية، ومجتمعاتها، وثالثها يركز على ثقافة هؤلاء المحرضين للقتال في سورية، ويستلّ من تصوراتهم السائدة، ويختطف من ثقافتهم ما يجعلهم أمام تناقض صارخ في دعوتهم، وازدواج جلي في سعيهم؛ وإن كان الحماس يؤزهم، فليس بحماس الأفراد _ وإن كثرت جماهيرهم _ تُحلّ القضايا، وتُطفئ المشكلات.
منذ البدء أعلنها السوريون دولة ديمقراطية، ومجتمعا مدنيا، تجتمع فيها الأطياف، وتنضوي تحت رايتها الأديان؛ فلا فرق فيه بين مسلم وغير مسلم، ولا تفاضل بين سني وغيره؛ فالجميع أمة واحدة، هدفها إقامة العدل، ونشر المساواة، وكبح شبح الاستبداد؛ أياً كان سببه، وأيّاً كان الداعي إليه.
من الواضح أن بعض وعاظ الخليج، ومن يماثلهم من السوريين، يعيشون بعيدا عما يراد لسورية أن تكونه في المستقبل القريب. لقد اختار السوريون النظام الديمقراطي الذي يضمن لأفراد الشعب، أياً كان دينهم ومذهبهم، الحق في أن يصيروا إلى ما أهلته لهم مقدرتهم، وسمحت لهم به كفاءتهم، ومن غير المقبول في ظل تداعي السوريين إلى نظام ديمقراطي، يدير الحياة، ويذر لكل إنسان حريته في التدين أن يتم إلباس ما يجري لبوس الجهاد! فهذه إشكالية تواجه الذين يرون في الديمقراطية آلية مناهضة للدين؛ إذ من الصعب القبول بخلطة سرية، تبدأ بالجهاد، وتنتهي بالديمقراطية، ويكون شعارها الجهاد الديمقراطي، وهم الذين ما زالوا يُحاربونها، ويرونها حكماً بغير ما أنزل الله _ تعالى _ إلا إن كانت القضية كلها في تجييش الناس، والزج بهم في القتال، تحت مفهوم الجهاد الذي يفعل بالمسلمين اليوم فعل السحر؛ لأنهم يرون فيه وحده سبيل العزة، وطريق النهضة، ودرب العودة إلى سالف أمجادهم!.
المستقبل الذي يرسمه السوريون، ويطمحون إليه، بعد هذه الدماء الكثيرة، والأشلاء المتناثرة، والنفوس الملتاعة، مستقبل يضمن أول ما يضمن عدم العودة إلى صورة هذا الماضي المظلم، والزمن السيئ الذكر، والمرحلة البئيسة، والضامن لهذا _ في عصر ازدهار المذهبيات وطوفان الطائفية _ هو الديمقراطية وحدها، ولن يكون هذا المستقبل المروم على أيدي هؤلاء الطائفيين الذين يتقاتلون الآن، ويُشجعهم على التقاتل وعاظ في بلاد الخليج، كانوا وما زالوا يشعلون فتيل الفوضى، ويحرقون بأحاديثهم بيئات بعيدة عنهم.
الدولة التي يتطلّع إليها السوريون دولة ديمقراطية، ومثل هذا النموذج من الدول من شروطه أن يختفي مفهوم الولاء والبراء من هيكل الدولة؛ إذ هي دولة للشعب، وليست دولة لدينٍ وأهله، وهذا ما لا يستطيع محاربو الديمقراطية فهمه، ولا القبول به؛ ما يعني في نهاية المطاف أن هذه المجموعات التي يُرسلها هؤلاء، ويدفعون بها إلى أرض سورية، ستكون شجاً في حلق السوريين أنفسهم، وأشواكاً في طريق مجتمعهم المنتظر، وما من شك عندي أن الممثلين للقاعدة في سورية، داعشيين أم نصريين، سيكونون أول الرافضين لمثل هذه الحكومات، وأول المقاتلين لها، ولا يبعد حينها أن تنتقل عدوى الصومال _ وليس فقط العراق _ إلى سورية، فنشاهد في سورية صورا؛ كتلك التي نشاهدها من عقود في الصومال؛ خاصة أن سورية فيها مطامع دولية، ليست كتلك التي في الصومال؛ لكن كثيرا ممن يُجيش الشباب لا يخطر بباله _ وهو الذي يتحدث كل حين عن المؤامرة _ أن الدول ذات النفوذ الكبير، هي التي ستُمسك بخيط الأحداث هناك، وليس ذلكم الواعظ الذي يصرخ أمام جمهور من المصلين، ويتباكى خلف شاشات التلفزة، وغاية ما يملكه لاقط في يديه، لا يدري كيف صُنع، ولا ممَ يتكون؟!
ولندعْ عنا قليلا التفكير في الصراع الطائفي؛ فليس هو كل شيء في نظري؛ إذ ثمة صراع سيحتدم حالما يختار الشعب السوري نمط الحكم الديمقراطي الذي يحلم به، والذي تقتضيهتضحيات هذا الشعب، وتدفع بالسوريين إليه، فحين تصبح سورية ديمقراطية سيتبخر حلم دولة الخلافة، ولن يقبل بهذا كثيرون من وعاظنا الذين يحلمون بتلك الدولة! ولنضعْ تحت هذا المصطلح خطوطا حمراء؛ فهذا الذي نراه اليوم من دفع للشباب، وتحميس له، يتخذ من شعار إقامة دولة الإسلام المأمولة مسوغا له، وهي دولة بلا ريب لن تكون دولة ديمقراطية؛ لأن الديمقراطية ستجهض أحلام هؤلاء الذين ما زالوا يعيشون على صورة الدولة القديمة، ويجعلونها هدفا من أهداف الإسلام العظمى!؛ لأنهم يُخططون في المستقبل القريب أن يُعيدوا الماضي بحذافيره!.
وحين أنظر إلى القضية من خلال المدخل الثاني، وهو دول الخليج ومجتمعاتها، أجد فيها تجاوزا للأنظمة، ومبارزة لسياسة تلك الدول؛ فهذه الدول هي المسؤولة عن السياق الخارجي، وعن علاقة مجتمعاتها به، وإذا كانت دول الخليج تُفسح صدرها للمعارضة الداخلية، وتسمح بها، فلا أظن من مصلحة المعارضة أن تضع نفسها في هذا الموضع، ويبلغ بها الأمر أن تتجاوز المعارضة القولية إلى الفعلية.
وإذا كان كثير منا يرى في الصراع الطائفي، والتنابز بين الأطياف، سبباً من أسباب التدخل في المجتمعات، ونافذة من نوافذ قابليتها لهذا الداء، فمن اللازم لنا أن ننظر إلى تجاوز الأنظمة السياسية، والعمل بعيدا عن أذنها، بهذه النظرة نفسها، فنقصر دون ذلك، ونحسب لمثل هذا ما يليق به من حساب؛ لأن مبارزة الأنظمة على كل صعيد تخرم جدار المجتمع، وتهيئه لمن يستهدفه، ويطلب التدخل فيه. 
وثالث المداخل هو ثقافة هؤلاء الداعين إلى ذهاب الشباب، ونظرة هذا الفريق إلى العالم، المحيط بهم، وبأمة الإسلام؛ فهم لا يفتأون يتحدثون كل حين عن مؤامرة، تحيكها حولنا الدول، وتُدبّرها بنا الأمم؛ لكن هذه القضية التي يُكثرون عنها الحديث غابت عنهم في المسألة السورية؛ مع أنهم أول من يعلم أنهم لا يملكون في إدارة الحدث السوري نقيرا ولا قطميرا، ويدركون من حالهم قبل غيرهم أن غاية ما يصنعونه هو الرمي بهؤلاء الشباب خارج حدود بلدانهم؛ فهلا حضرت المؤامرة، ومنعتهم من أن يُشاركوا في إذكائها، ووضع الخيوط في أيدي نُسّاجها!
ومما يؤمن به هؤلاء، ويعتقده غيرهم، أن كل أهل بلد أدرى بشعابه، وأعلم بهضابه، وهم الذين ينقلون عن السوريين أنهم لا يريدون الرجال، وإنما ينتظرون الدعم والمساعدة؛ لكنهم تركوا رأي السوري في نفسه، وجعلوا أنفسهم أدرى منه، فجنوا عليه، وهم ما راموا إلا نفعه!
ولا أنسى، وأنا أتحدث عمن يدعو الشباب إلى الذهاب، ويحثهم عليه، أن ألمح إلى مقابلة الدكتور محسن العواجي، تلك المقابلة التي لم يستطع فيها أخي محسن أن يدفع التهمة عن نفسه، ويحميها من الملامة؛ إذ بدا لي مكشوف المخبوء، غير قادر على المحاماة عن شخصه؛ لأنه أولا أكثر من الحديث عن الجهاد، وأطال القول فيه، وكل ذلك كان منه موجهاً إلى غير السوريين قطعا؛ لأن السوريين لم ينتظروا إشارته، ولم يرهنوا ثورتهم، ومقاومتهم للنظام، به، فكان حديثه ذاك، وترغيبه في الجهاد، موجها إلى مواطني دولته، ودول الخليج المجاورة لها.
وأما الأمر الثاني الذي يدل على عدم مقدرته على المحاماة عن نفسه، فهو جوابه عن سؤال سائله حين قال له: ما دمتم منعتم الشباب، ونهيتموهم عن الذهاب، فما الذي دعاهم لمخالفة هذا، والعمل بضده (هذا معنى السؤال، وليس نصه)؟ فكان جوابه: أمة الإسلام ما زال فيها خير كثير!! فقد شهد بجوابه على أن الذهاب خير، بل عدّ الذهاب _ وهو الذي ينهى عنه _ أمارة من أمارات بقاء الخير في الأمة الإسلامية، والدكتور لو انساق مع منعه الشباب، ونهيه لهم، لم يثنِ على مخالفتهم قوله، وخروجهم عن نصحه؛ لأنه ما قال ذلك، ولا ذهب إليه، إلا لأن الدين يؤيده، ويحث عليه، وهكذا أخلص إلى أن من الخير لكل من دفع بالشباب إلى سورية أن يعترف بفعله، ولا يترفع عن الاعتذار للسوريين أولا، ولدولته ومجتمعه ثانيا، وإذا ما كان له في عون السوريين، وتطلعهم في مستقبلهم القريب والبعيد، هدف عتيد، فليكن تحت إمرة دولته، ووفق نظرتها؛ فاجتماع الأيدي، وتعاضد الأذهان في عون هذا الشعب، سبيله الأسرع للخلاص، وطريقه الأقصر في النجاة، ولن تزيده الخلافات بين الدول وشعوبها، والأنظمة ومواطنيها، إلا ضعفاً في الموقف، وتشتتاً في الجهود.