الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الجولاني: الرقص على حبلين

الجولاني: الرقص على حبلين

03.06.2015
نائل حريري



الحياة
الثلاثاء 2/6/2015
لا يبدو قائد "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني مقنعاً وهو يدعي عدم اهتمامه بالغرب أو بالقوى الخارجية المتدخلة في الساحة السورية، بل إن ظهوره التلفزيوني التاريخي يكاد لا يوحي إلا بالعكس تماماً. لا يتضح من حديثه القديم الجديد سوى الدفاع عن جبهته في مواجهة تلك الصورة التي يعتبرها "مقحمة" على كيانه الوليد و "تحاملاً" على رسالته وقضيته.
تنصب الجهود على التأكيد أن "النصرة" ليست "داعش" ولذلك لا يجب وضعها معها في سلة واحدة. ويتم ذلك بأسلوب إعلامي "باهت" يتناوب فيه كل من الجولاني ومحاوره الدفاع عن هذه النظرية، فيستعرضان "معاً" الإنجازات العسكرية والمدنية والاجتماعية لجبهة النصرة، ويسوقان "كلاهما" الحجج على رقي الجبهة في التعامل ومبدئيتها الصارمة وعدالتها الاجتماعية.
لكن من الجانب الآخر، لا يبدو الجولاني أقل تخوفاً أو تقية من جمهور باقي القوى الإسلامية ومن يدعمها، فهو ما زال الناطق باسم الشعب السني، وما زال المنافح والمدافع عن المآسي التي يتعرض لها جمهور السنة، ولا يستغرب في هذا السياق توقيت هذا اللقاء بحلقاته المتسلسلة إذ إن ثمة لاعباً آخر يقوم بجولاته الإعلامية والسياسية بكثافة هذه الأيام هو زهران علوش، الذي لا يدخر هو الآخر أي جهد إعلامي في تسويق نفسه على أنه قائد السنة وعرابهم الأكبر وإن كان هذا التسويق أكثر التصاقاً بالثورة السورية بمفهومها العريض. بالتالي فعلى المنطقة والعالم بأسره أن يتنبه تماماً إلى أن ثمة خيارات أخرى لقيادة السنة في البلاد، وتلك ثاني أهم الموجبات لهذا الظهور الإعلامي.
لكن ما يحاول اللقاء إخفاءه كلياً هو مدى تقارب "الجبهة" و "داعش" في المنظور الكلي للدولة الإسلامية التي ينشدانها. في حين يدافع المحاور عن الجبهة ويؤكد الخلاف "الأيديولوجي" بينها وبين الدولة الإسلامية، لا نراه يغوص إطلاقاً في تفصيل ذاك الخلاف الذي يتضح أنه ليس أيديولوجياً على الإطلاق بقدر ما هو "لوجستي" بحت. يتمسك الجولاني بما هو موجود هنا والآن، ويعيد مراراً وتكراراً أنه "حتى الآن" لم يفرض أي ضرائب، ولم يقم "حتى الآن" بجباية جزية، ولم يحدث "حتى الآن" أن قام بالاعتداء على أي طائفة أو معتقد مغاير أو أباد مجموعة ممن يراهم خارجين عن الملة بإجماع فقهاء السنة الذين يتبناهم.
هنا بالضبط يكمن الخلاف اللوجستي مع "الدولة الإسلامية"، إذ تتبنى النصرة تأجيل كل ما في جعبتها من ممارسات "داعشية" إلى حين إقامة ركائز دولتها الإسلامية، في حين أن "الدولة الإسلامية" تعتبر هذه الممارسات خطوة واجبة وضرورية لفرض إقامة شرع الله في أرضه، ولا تقوم ركائز الدولة الإسلامية إلا بعد المباشرة في تطبيقها. هذا كل ما يمثله الخلاف بين "جبهة النصرة" وشقيقتها التوأم المنشقة عن رحم "القاعدة"، وكل ما عدا ذلك ليس إلا أجراساً وصفارات.
أما المسوغ الأكبر للظهور الإعلامي للجولاني في هذا التوقيت، فهو رسالة "السلم" التي حملها الجولاني على لسان قائده الظواهري، والتي لا تخلو من تهديد مبطن بأن "القاعدة" ما زالت مستنكفة عن استهداف الغرب في هذه المرحلة، وأنها تمد يدها بالسلام مقابل إيقاف العدوان عليها ضمن الأراضي السورية، وأن هذا العرض محدود المدة ولن يدوم إلى الأبد، وعلى الغرب استغلاله قبل أن يقع في ما لا تحمد عقباه. وفي هذا السياق تعتبر "جبهة النصرة" آخر المنضمين إلى قطار التهديد هذا، بعد أن سبقها إليه تنظيم "الدولة الإسلامية"، ومن قبله كانت ثمة تهديدات شهيرة أطلقها الشيخ مفتي سورية أحمد حسون محذراً الغرب من هجمات انتحارية تلاحقه إلى قلب أراضيه الآمنة إن استمر بتدخله في الشأن السوري.
وإن كانت هذه التهديدات تدل على شيء، فهي تدل على مدى جدية "القاعدة" وتمسكها بالساحة السورية اليوم، والمراهنة عليها في مقابل تضخم الابنة المارقة التي تتوسع في العراق وسورية معاً. يلمح الظواهري اليوم باباً موارباً يربطه بمصلحة مشتركة مع الغرب تتمثل في محاربة "داعش"، وهي المصلحة ذاتها التي تجمع النظام السوري مع التحالف الغربي، وهي ذاتها التي قد تتفق عليها الولايات المتحدة مع روسيا في موضع ما، ومع إيران وحزب الله في موضع آخر. لذلك يبدو خلف دعوة السلم وتبطين التهديد إلماحاً بالفائدة المشتركة، وهو إلماح لا يخدم "جبهة النصرة" اليوم، بل يكاد يقوي مآخذ "الدولة الإسلامية" ضد "القاعدة"، ويزيد من اشتعال الحرب "الأيديولوجية" ضدها في أوساط التطرف الإسلامي التي تتقاسم المنطقة.