الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحربان الأهليتان و"الثورة"

الحربان الأهليتان و"الثورة"

15.04.2014
وسام سعادة


المستقبل
الاثنين 14/4/2014
كانت الحرب الأهلية اللبنانية، التي مرت ذكراها التاسعة والثلاثون بالأمس، سلسلة حروب متتالية تخللتها وفصلت فيما بينها فترات هدنة، كما أنّ مناطق عاشت لسنوات عديدة في حالة تقترب من "السلم الأهلي" في عزّ الإقتتال في مناطق مجاورة لها.
ومع أنّ الإحتجاج المناصر للمقاومة الفلسطينية، أو المتخذ وجهة اجتماعية، اتخذ منحى "ثورياً" بين نهاية الستينيات وبداية السبعينيات، الا أنّ سردية "الثورة اللبنانية" لم تلفّق من الأساس، وتحللت العناصر المرشّحة لتلفيقها بشكل سريع، لتنحصر المبارزة بين من يراها حرباً أهلية تجد حيويتها في تناقضات "الداخل" قبل كل شيء، وبين من يراها حرباً مفروضة على مجتمع لم يكن لينحدر اليها لولا "الخارج".
رغم كل الرطانة الثورية في عقد السبعينيات الا أنّ سردية "الثورة اللبنانية" وئدت في مهدها. هذا مع أنّ صراع البرامج لم يكن هامشياً. الى حد كبير جرى خوض الحرب بين قائل باسقاط النظام الذي كان قائماً قبلها في مقابل الاحتفاظ بنموذج الدولة المركزية، وبين من خيّر خصمه خطابياً بين الحفاظ على نموذج الدولة المركزية بشرط الحفاظ على النظام اللبناني كما هو قائم، والحفاظ على الغلبة الطائفية التي يقوم عليها، واما الانتقال الى نموذج الدولة الاتحادية.
ضربت الحرب الأهلية سريعاً أي نزوة لتصويرها كثورة. مع ذلك، كانت الحرب الى حد كبير "ثورة". ثورة ديموغرافية وعمرانية مثلاً. وسط العاصمة تدمّر، لكن بلدات عديدة صارت مدناً خلال الحرب، وبيروت نفسها انسابت في ضواحيها التي شهدت طفرة عمرانية بالتوازي مع تداولها لمساحات ومواقيت الاحتراب الأهلي. الانتشار المسيحي في المناطق الطرفية اضمحل، وفي المقابل قوي التمركز المسيحي في قلب الخارطة اللبنانية. ثوّرت الحرب المجتمعات الطائفية المختلفة. النموذج الأكثر جذرية لذلك هو الحالة التي هندسها "حزب الله" في الضاحية الجنوبية نهاية الثمانينيات.
كانت الحرب أيضاً في بعد من أبعادها صراع أجيال. مثقفون شباب دفعهم الانشطار الاهلي الى الواجهة. "قادة محاور" تحولوا في سنوات معدودات الى "قادة تاريخيين". لم تكن الحرب لعبة افتراضية بين مجموعة من أمراء الحرب. كان لها طابع ثوري بحكم أنها حرب جماهيرية.
في مقابل كل هذا، الحرب الأهلية السورية اليوم من طبيعة مختلفة. لم تعرف هدنة ولا وقف اطلاق نار، ولا "وثيقة دستورية" ولا "خطة بيروت الكبرى" ولا "اتفاقاً ثلاثياً". ظلت اتفاقيتا جنيف والمراقبون الدوليون بلا اثر يذكر. كثيرون يرددون بأنه في نهاية المطاف سينتهي المتحاربون الى "طائف سوري" أسوة بـ"الطائف اللبناني". لكن الهدنة الكبرى بعد الحرب اللبنانية كانت الى حد ما تتمة لحالات الهدنة التي تخللتها وفصلت بين مراحلها. وفي المقابل، فان سردية "الثورة اللبنانية" التي لم تخصّب بشكل جدي عام خمسة وسبعين، لا تقارن بسردية "الثورة السورية" التي تستمد شرعيتها من أمر واحد وبسيط: استمرار نظام بشار الأسد بشكل أو بآخر.
في لبنان، كان ثمة من ينكر على الحرب "أهليتها" من موقع أنها "مفروضة" من الخارج. في سوريا، من ينكر على الحرب "أهليتها" يريد في الغالب انقاذ سردية الثورة من الحرب نفسها. أيّاً يكن من شيء، ليس هناك "قانون ثورات" في التاريخ يحكم على هذه الأحداث أو تلك بأن تجمع تحت مسمّى ثورة. الثورات هي أيضاً سرديات واستعارات. انما هناك سرديات تنجح في أن تقصي أو تلحق بها السرديات الأخرى .
في لبنان، اندثر أي وهم حول "الثورة" مع اندلاع الحرب الأهلية. في سوريا، سردية "ثورة" يفرضها استمرار النظام الدموي رغم تمادي الحرب الأهلية، لكنه نظام من النوع الذي يربط استمراره باستمرار الحرب الأهلية نفسها، أي باستمرار الثورة عليه بمعنى آخر.