الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب السورية واتفاق جنيف

الحرب السورية واتفاق جنيف

09.10.2013
باسكال بونيفاس


الاتحاد
الثلاثاء 8/10/2013
القرار 2118 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في الثامن والعشرين من سبتمبر الماضي ينص على تأطير تدمير الترسانة الكيماوية السورية، كما ينص على عقوبات في حال لم يف النظام السوري بالالتزامات التي قطعها على نفسه. غير أنه في حال حدوث انتهاك، سيتعين استصدار قرار جديد «تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة»، الذي يرخص اللجوء إلى القوة ضد الدولة التي لا تحترم التزاماتها الدولية.
سيرجي لافروف أشار إلى أنه قبل الحديث عن أي عقوبات، لا بد من أن تكون مسؤولية سوريا عن الانتهاك «ثابتة 100 في المئة». وفضلاً عن ذلك، فإن حقيقة أنه إذا لم يحترم الأسد القرار، سيتعين استصدار قرار آخر، تترك مزيداً من المساحة لروسيا.
مجلس الأمن الدولي أشار أيضاً إلى أنه يرغب في أن يخضع المسؤولون عن الهجمات الكيماوية للمحاسبة عن هذا الانتهاك السافر للمعاهدات الدولية. وفي هذه الأثناء، من المنتظر أن يحل خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيماوية محل مفتشي الأمم المتحدة الذين مازالوا في سوريا، حيث من المرتقب أن يقوموا بتحقيقات جديدة، كما طالب المجلس جميع الأطراف في سوريا بالتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة، والسماح للمفتشين التابعين لهما بالوصول إلى المناطق التي يرغبون في تفتيشها.
هذا القرار يعد ثمرة الاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف قبل أسبوع بين الروس والأميركيين حول الأسلحة الكيماوية، والذي يعطي الأسبقية للمسار الدبلوماسي على الخيار العسكري.
غير أن كل ذلك - على أهميته - لا يحل المشكلة السورية. فصحيح أن احتمال توجيه ضربات عسكرية لسوريا صار مستبعداً الآن، ولكن الحرب الأهلية مازالت مستمرة، مع ما ينطوي عليه ذلك من مآس ومعاناة بالنسبة للسكان.
وإذا كان قد تسنى التوصل لتوافق، فلأن الروس والأميركيين يرون أنهم خرجوا منه جميعاً منتصرين، ذلك أن أوباما تجنب خطر تصويت سلبي في الكونجرس ورؤية زعامته تتضرر نتيجة لذلك، كما تجنب الانخراط في عملية عسكرية جديدة كان متردداً بشأنها أصلاً، ذلك أنه كان سيذهب إليها مكرهاً ومضطراً بعد أن وقع في فخ تصريحاته السابقة له حول الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تخطيها.
غير أن موسكو خرجت فائزة أيضاً، وذلك لأنها جنَّبت حليفها السوري ضربات عسكرية، وأظهرت أن دبلوماستيها لا تتلخص فقط في عرقلة مبادرات الآخرين. وهكذا، تخلى بوتين ولافروف عن لقب «السيد لا» الذي طالما التصق بهما، وأعيد التأكيد على الدور المركزي لروسيا بعد أن تحدثت موسكو مع واشنطن بكل ندية حول موضوع استراتيجي رئيسي وفي إطار ثنائي.
وهذا كله يمثل ربحاً كبيراً بالنسبة لروسيا، حيث بات باستطاعة بوتين الآن أن يقول للرأي العام في بلده إنه استطاع القيام بما عجز يلتسن عن القيام به في كوسوفو عام 1999.
والواقع أن الاتفاق، يتضمن إشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في حال عدم تنفيذ سوريا لالتزاماتها بخصوص التخلص من الأسلحة الكيماوية، ولكن ذلك لا يعني اللجوء بشكل أتوماتيكي إلى القوة. فموسكو ستظل حرة في صوتها.
غير أنه إذا تم تنفيذ الاتفاق، فإن ذلك سيشكل انتصاراً أيضاً لقضية نزع التسلح المتعطلة، وذلك بعد أكثر من عقدين من الزمن على نهاية الحرب الباردة، والتي لم تحقق تقدماً كبيراً منذ تجديد معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 1995.
على أن الأسد خرج فائز أيضاً، نظراً لزوال احتمال الضربات العسكرية، التي صحيح أنها ما كانت لتخلعه، ولكنها كان يمكن أن تُضعف قدراته العسكرية بشكل مهم.
وفي هذه الأثناء، تجد فرنسا الحاضرة في الملف السوري منذ صيف عام 1912، والتي كانت الأولى التي وضعت الخيار العسكري على الطاولة، نفسها معزولة إلى حد ما، وذلك بعد أن اعتذرت بريطانيا، وغابت ألمانيا وإيطاليا، وجعل أوباما من تدخل عسكري للولايات المتحدة في سوريا رهيناً بقرار من الكونجرس بدون أن يقلق كثيراً بشأن باريس، قبل أن ينحاز لاحقاً إلى المقاربة الثنائية بين كيري ولافروف. وقد كان «أولاند» على صواب حين قال إنه ليس من غير المناسب الارتباط بأوباما (مقرنة مع وضع كان يمكن أن يكون قائماً مع وجود جورج دبليو. بوش في البيت الأبيض)؛ غير أن الدبلوماسية الأميركية تجد دائماً صعوبة في النظر إلى حلفائها باعتبارهم شركاء متساوين. وعلى كل حال، لا بد من الاعتراف بأن من حسنات اتفاق جنيف أنه يجنِّب باريس الوضع المجهول، والذي لا يمكن التنبؤ به الذي كانت ستفضي إليه ضربات عسكرية ضد سوريا، ويسمح لها في الوقت نفسه بالقول إن صرامتها والتهديد بتلك الضربات، هو الذي دفع موسكو ودمشق إلى التراجع وإظهار بعض المرونة.
وإذا كان الاتفاق قد تم في إطار ثنائي، فإن تعددية الأطراف أعيد لها الاعتبار مع إحالة الملف إلى الأمم المتحدة. وبالنسبة لفرنسا، التي تقتضي مصلحتها تعزيز دور مجلس الأمن الدولي ودعمه، فيمكن القول إن الاتفاق يمثل أفضل حل ممكن.
وخلاصة القول إن المشكلة السورية لم تحل. وكل ما هناك هو وقفة أو استراحة، فالحرب الأهلية متواصلة، ومازلنا لم نر بعد ملامح حل سياسي. غير أنه للتوصل إلى ذلك، يجب ألا يُستبعد أي طرف من أطراف هذا النزاع، مهما كان مثيراً للاشمئزاز.