الرئيسة \  تقارير  \  الحرب العلنية بين إسرائيل وإيران

الحرب العلنية بين إسرائيل وإيران

08.06.2022
رونين بيرغمان


يديعوت أحرونوت
رونين بيرغمان
الغد الاردنية
الثلاثاء 7/6/2022
ضابطان كبيران، صديقان روحيان الواحد للآخر في الوحدة السرية للغاية في الحرس الثوري، مهندسان جويان للطائرات والصواريخ، يعملان في مكانين مختلفين، وعالم نووي واحد: كلهم توفوا بشكل غامض في غضون أسبوع ونصف. إضافة الى ذلك، جاءت من إيران تقارير عن هجمات سايبر حادة على بنى تحتية مهمة في الدولة، وهجمة حوامات على منشأة عسكرية سرية. بالتوازي، نشرت في وسائل الإعلام الدولية وثائق سرية من الأرشيف النووي الإيراني والتي كانت تعد حتى الآن سرية للغاية، ورئيس الوزراء بينيت فتح ملفا في غوغل درايف بعد يومين من ذلك وأودع فيه الوثائق ودعا العالم لأن يراها.
القاسم المشترك لكل هذه الأهداف، من أشخاص، وثائق أو منشآت، إذا ما كانت التقارير صحيحة -يتعلق بقلب حرب الظلال التي بين إيران وإسرائيل: المشروع النووي، إنتاج وإطلاق الحوامات، تطوير الصواريخ المتطورة والشبكات العملياتية في أرجاء العالم.
لكن هذه المرة، بخلاف الماضي، يبدو أنه في التردد بين شعاري تصنف أسرة الاستخبارات الإسرائيلية نفيها في ضوئهما -“بدهاء تصنع لك حربا” و”درع لا يرى”- قرر أحد ما الأخذ بالأول بقدر أكبر والثاني بقدر أقل. في الأسابيع الأخيرة ظهر تعظيم في منشورات في أرجاء العالم لما يوصف كأحداث سرية في إيران، تحرج النظام، منشورات تخدم إسرائيل وكفيلة بأن تؤثر دوليا.
لقد نبع القرار بتغيير الاتجاه من الاعتراف بأن الحرب في القرن الواحد والعشرين تجري أيضا في العالم العلني المكشوف. الرئيس بايدن ومسؤولون آخرون كشفوا على مدى الأيام التي سبقت الاجتياح الروسي لأوكرانيا المعلومات السرية للغاية التي حصلت عليها أسرة الاستخبارات الأميركية، وذلك لاستبعاد مؤامرات واستفزازات بوتين. من خلال هذه الشفافية نجحوا في تشكيل ائتلاف دولي موحد وناجع والإيضاح للعالم.
يتعرض النظام الدكتاتور في إيران لضربات حادة للغاية، تعرضه، في نظر أناسه أيضا، كعديم الوسيلة. يحاول النظام القتال ضد ذلك، لكنه يقوم بذلك في الغالب بشكل فج. قناة التلفزيون “إيران الدولية” نشرت نبأ وثقت فيه في فيديو تحقيقا أجراه رجال العمليات في الموساد في داخل إيران، بحق شخص يدعى رسولي اعترف بأنه جند للقيام باغتيالات للإسرائيليين.
بعد وقت قصير من نشر الشريط المحرج وبالتأكيد بضغط السلطات في إيران، حرر الرجل شريطا من جانبه ادعى فيه بأن الاعتراف نزع منه بالقوة.
ما كان للحرس الثوري ألا ينشر أمر وفاة الرجل الذي في إسرائيل واثقون بأنه جند رسولي لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل -لكنهم أحاكوا له سيرة ذاتية مختلفة تماما عن تلك التي تحدث فيها الإسرائيليون عنه. ليس نائب قائد وحدة 840 الذي يرتبط بمخططات قتل الإسرائيليين في تركيا بل رجل نقليات ومسيرات عمل في سورية.
ادعت إيران بأن هذه كانت حادثة عمل فقط تلك التي مست بالمنشأة في برتشين، لكن لقب “شهيد” الذي ألصق بالمهندس الذي قتل في ذاك الحدث ألمح بأن الحديث يدور عن شيء ما آخر. عن موت العقيد إسماعيل زادا الذي دفن بسرية في جنازة يستحقها الخونة فقط، إيران لم تقل شيئا: الى أن نشرت قناة التلفزيون “إيران الدولية” نبأ غير موقع “من مصادرنا في إيران” بأنه بعد أن اشتبه به بالتجسس، ألقى به رجال الحرس من سطح المبنى. في إيران نشروا جملة روايات، من حاجز متهالك استند إليه المسكين وحتى الانتحار المرتبط بعلاقاته المهزوزة مع زوجته.
إذا كان إسماعيل زادا بالفعل جاسوسا إسرائيليا، فالأمر هو حرج هائل للحرس الثوري، من حيث أن الموساد نجح في تجنيد شخص رفيع المستوى بهذا القدر في صفوفه. من جهة أخرى، كفيلة لهذه أن تكون ضربة قاسية للموساد، إذا كان الرجل عمل فعلا في صفوفه، توقف لضخ المعلومات منه كفيل بأن يمس بقدرة الموساد على إحباط العملية التالية للوحدة.
نشر أول من أمس موقعان صغيران نبأ عن أمر الموت الغامض لعالمين إيرانيين. ونشرت “إيران الدولية” نبأ غير موقع من “مصادرنا في إيران” يروي بأن واحدا منهما على الأقل سمم من قبل شخص نجح في الفرار من الدولة.
جملة كل هذه الأحداث، والتصريحات القاطعة من جهة بينيت ولبيد تظهر بأن ذلك الأمر إياه الذي حذر منه قادة أسرة الاستخبارات في الماضي، وبسببه تستخدم الرقابة العسكرية صلاحياتها منذ سنوات طويلة “بأننا لن نزق لهم إصبعا في العين” تحول من الأمر الذي يخاف منه الجميع -الى موضوع مرغوب فيه بل وربما متصدر في المواجهة.
يدور الحديث بلا شك عن سلسلة عمليات تثبت أن الموساد في عهد دافيد برنياع يواصل فكر مئير داغان ويوسي كوهن إذ يدور الحديث ليس فقط عن جهاز استخبارات، بل وأيضا، إن لم يكن أساسا، عن جسم استخبارات وقائية دوره ليس فقط جمع المعلومات بل القيام بأعمال تكبح مخططات الخصم. ما كان يمكن لحملة كهذه أن تخرج الى حيز التنفيذ دون مصادقة من بينيت ولبيد. هذه مصادقة تحتاج الى شجاعة وجسارة لا بأس بهما، وما يزال -هذه الحملة تطرح تساؤلات وملاحظات عدة.
الأولى- محافل في إيران تطالب بالثأر، والآن، فهل لدى إسرائيل قدرة على منعها؟ هل أُخذ رد إيراني كهذا بالحسبان؟
الثانية- هل محق أولئك الوزراء الكبار ونواب الكنيست ممن كان ينبغي أن يطلعوا على الأمر ممن يدعون بأنهم لم يعرفوا أو على الأقل لم يفهموا كامل حجم الحملة؟
الثالثة- ما الهدف؟ هل ضرب عناصر معينة لمنظومات النووي أو الصواريخ أو الحوامات والضرب بما يكفي لأجل إبطائها أو تعطيلها؟ أم أنها يفترض أن تضعف النظام بشكل عام؟ محاولات سابقة لعمل الأخير -فشلت.
الرابعة: مؤكد أن سياسيين كبارا مثل بينيت ولبيد، حتى وإن كانوا مشغولين فقط بشؤون أمن الدولة ومصلحة الدولة، ليسوا عميانا وطرشانا تماما للمساعدة السياسية والجماهيرية المهمة التي يمكن لأرواح إيرانيين أشرار موتى أن تغدقها عليهم.
الخامسة– حان الوقت لأن يتذكر أحد ما بأن إسرائيل هي الدولة الأخيرة في العالم الغربي التي تستخدم الرقابة قبل النشر وأنه الى جانب أمر الدولة، فإن قيم الشفافية، حرية المعلومات والرقابة الجماهيرية على الحكومة هي الأخرى تساوي شيئا ما، ولا سيما اذا كان باقي العالم بات يعرف الأمور.
والسادسة- ليس كل من هو فنان في مجال ما يفهم دوما في كل مجال آخر. أساتذة العمليات السرية لا يجب أن يخرجوا من نقطة افتراض أنهم يعرفون أيضا كيف يقومون بعمليات وتحايلات في عالم الإعلام.
كما أنه ليس كل محلل يكتب عن عمليات سرية يعرف بالضرورة كيف ينفذها وكيف وإذا كان ينبغي أن ينشر عنها. صحفيون كثيرون اختلفوا حسب سؤال واحد: لو كانوا يعرفون المعلومات والمنشورات لكانوا بالطبع معها. إذا لم يحصلوا -فقد قالوا فورا إن الحديث يدور عن منشورات رهيبة تضر بأمن الدولة. وهكذا نتج أن الصحفيين الذين ينبغي لهم بالذات أن يكونوا هم الأوائل مع النشر، قادوا خطا حازما بالضبط في الاتجاه الآخر. وقد بالغ أحدهم، وهو محلل محترم كانت له ذات مرة مصادر جيدة، هاجم حتى الرقيب، بأنه رقيق جدا وكان ينبغي أن يشطب أكثر بكثير. مع صحفيين كهؤلاء -من يحتاج الى رجال الرقابة؟