الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب المؤجّلة على الإرهاب

الحرب المؤجّلة على الإرهاب

21.07.2016
نادية عيلبوني ‏


الحياة
الاربعاء 20-7-2016
هل تحتاج الحرب على الإرهاب فعلاً إلى هذه الجيوش والأساطيل، وإلى صرف مئات المليارات من الدولارات لتحقق الغرض منها؟ وماذا حقق الذين يخوضون الحرب التقليدية على تنظيم "داعش" الإرهابي من نجاحات يمكن البناء عليها والقول إن العالم قد تخلص من هذه الآفة التي تتهدده؟ هل "داعش" هو ذلك الجيش الذي يحتل أجزاءً من سورية والعراق؟ وهل سيتحقق القضاء على "داعش" بمجرد تحرير المناطق التي يحتلها من وجوده العسكري؟
هذه الأسئلة وغيرها، يثيرها ما تمخض، وما تتمخض عنه الحرب التي تقودها أكثر من قوة إقليمية ودولية ضد الإرهاب، فعلى رغم كل النجاحات العسكرية التي تتحقق في العراق، نلاحظ أن تنظيم "داعش" أصبح يطال العمق ويصل في عملياته الإرهابية مرحلة نوعية من حيث الأهداف الجديدة التي يضربها في أماكن حيوية على امتداد خريطة العالم.
يهزم جيش "داعش" وتنظف جيوبه العسكرية في الفلوجة، وفي أماكن أخرى من العراق، ليوجه ضربات قاسية ونوعية في دول أخرى، وفي أماكن حيوية مفترض أنها محصنة جيداً من الناحية الأمنية. تتقدم القوات العراقية لتحرر مواقع ومدناً عراقية جديدة، فيضرب إرهاب "داعش" وسط بغداد في عملية نوعية يذهب ضحاياها ما لا يقّل عن ٣٠٠ قتيل. تشن قوات التحالف غارات مكثفة على مواقع "داعش" في العراق وسورية، وتضرب خلاياه في بروكسل وباريس وتحقق أهدافها، فما معنى هذا كله؟
ربما كان من الصعب تصديق الاعتقاد الشائع الذي يروج لفكرة أن تنظيم "داعش" يتصرف على هذا النحو غير المسبوق من العنف "من حلاوة الروح"، أو تفسير هذه العمليات على أنها مؤشر إلى لفظ أنفاسه الأخيرة نتيجة تراجعه العسكري في غير مكان، خصوصاً أن من يقومون بتلك العمليات الإرهابية النوعية التي ضربت أكثر من بلد، هم في كل الأحوال ليسوا من جنود "داعش" الموجودين على الأرض، سواء في أفغانستان أو العراق أو سورية، بل هم جنوده غير المرئيين وغير المعروفين، والذين يستحيل التعامل معهم وفقاً لخطط عسكرية ميدانية أو قصفهم بالطائرات، أو محاصرتهم بالوحدات العسكرية والجيوش.
جيش "داعش" الأساسي، كما تؤكد كل الوقائع، هو جيش غير مرئي للقوات العسكرية، وهو بالتأكيد سيبقى عصياً على الاكتشاف إذا ما اتبعت معه فقط العقلية الأمنية والعسكرية، ذلك أنه يحتاج الى عقلية أخرى يبدو أنها غير متوافرة لدى أولئك الذين يخوضون الحرب على الإرهاب.
ترى ألا يعني شيئاً لدعاة الحرب التقليدية على الإرهاب الحقيقة القائلة إنه مع كل هزيمة ل "داعش" على أرض المعركة، يستقطب مريدين جدداً، ويستحوذ على متطوعين جدد؟ وهل تعني شيئاً لهؤلاء نتائج الدارسات التي تؤكد أن ٧٠ في المئة من المنضوين تحت راية "داعش" هم من أبناء الطبقات الميسورة والمتوسطة ومن المتعلمين.
لا نكشف سراً بات معروفاً للذين يتابعون الحرب على الإرهاب، ألا وهو تعامي كل هؤلاء المحاربين عن سر قوة الإرهابيين الحقيقية، والمستندة في الأساس إلى التعبئة الروحية والفكرية والأيديولوجية التي عمل ويعمل أصحابها ودعاتها منذ زمن طويل، من دون كلل أو ملل أو انقطاع، على نشرها في أوساط الشباب والشابات في كل أنحاء العالم، هذا الخطاب الأيديولوجي الذي باتت مفرداته ومرجعياته محددة ومعروفة، يبدو أنه مستثنى في هذه الحرب. فهل لدى من يقودون الحرب قوة فكرية موازية ومضادة، قادرة على تفكيك الخطاب الأيديولوجي الذي يتم الترويج له علناً وسراً ويستقطب يومياً شباباً مستعدين للموت، ويعتبرون الأرض وما عليها ومن عليها، داراً للفناء ينبغي كراهيتها ولفظها، وأن الحياة الحقيقية والمثالية هناك في فضاءات أخرى بعيدة من هذه الارض؟
حرب فكرية يجرؤ أصحابها على الخوض في النصوص التي ينشرها "داعش" وفقاً لرؤيته، باتت أكثر ضرورة ملحة، وهي السلاح الأنجع، إذا ما أراد العالم إحراز أي تقدم ملموس وحقيقي لاستئصال تلك الآفة التي باتت تهدّد وجوده وأمنه. لا بد من التقدم أكثر لخوض مواجهة من نوع آخر، مواجهة فكرية تستهدف تقويض كل الأسس والأيديولوجية التي فرخت هذا العدد الهائل من الإرهابيين، وهي مواجهة تحتاج أكثر ما تحتاج الى أصحاب الفكر والمعرفة، فهم عماد الجيش المؤهل أكثر من غيره لخوض المعركة الحقيقية على الإرهاب، ومن دون هذه المعركة، فلا أمل يرتجى من كل تلك الجيوش ومعاركها التي ثبت بالملموس فشلها.
* كاتبة فلسطينية