الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحرب على سوريا في انتظار الكونجرس!

الحرب على سوريا في انتظار الكونجرس!

07.09.2013
ستيفن كارتر



الاتحاد
5/9/2013
في عام 1907، ابتدع الرئيس "تيودور روزفلت" خطة تقضي بإرسال الأسطول الحربي الذي أطلق عليه الاسم المحبب إليه "الأسطول الأبيض العظيم"، ليجوب بحار العالم، وليثبت بأن الولايات المتحدة أصبحت قوة بحرية عظمى لا تُجارى. وعندما انتشر هذا الاسم في الأوساط السياسية، امتعض الكونجرس منه وهدد بوقف التمويل المالي لهذا العمل الذي لا يرمي إلا إلى التبذير وهدر المال العام. وكان رد روزفلت على هذا الموقف بأنه يمتلك حق تأمين الأموال اللازمة لتنفيذ خطته، ثم أضاف عبارة تنطوي على التهديد والوعيد عندما قال: "أعيدوا الأسطول إلى الوطن وسترون ما أفعله بكم".
والآن، تتوارد هذه القصة إلى أذهاننا عقب القرار غير المتوقع الذي اتخذه أوباما بطلب الحصول على موافقة الكونجرس قبل البدء بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. ووفقاً لما ورد في العديد من التقارير، فلقد أدهش أوباما حتى أقرب المقربين إليه عندما أخبرهم بأنه لا يفضّل العمل إلا بناء على تفويض قانوني، وهذا ما أثار سيلاً جارفاً من الانتقادات لطريقته في الأداء.
وليس طلب موافقة الكونجرس على قرار الحرب بجديد بالنسبة لرؤساء أميركا. ففي عام 1991، طلب الرئيس جورج بوش (الأب) موافقة الكونجرس على القيام بعمل عسكري لطرد قوات صدام من الكويت. ومن بعده كرر بوش الابن الطلب نفسه عام 2001 للحصول على موافقة الكونجرس لغزو أفغانستان. ويُذكر أيضاً أنه سبق للرئيس "ليندون جونسون" أن ذهب إلى الكونجرس عام 1964 للحصول على تفويض بنشر أسطول بحري في "خليج تونكين"، وهو العمل الذي تطوّر فيما بعد إلى ما يُعرف بالحرب الفيتنامية.
ومن المهم الإشارة إلى أن كلاً من جونسون وبوش الأب والابن، أبدوا اهتماماً بموافقة الكونجرس انطلاقاً من وضع سياسي قوي نسبياً كانوا يتمتعون به. فلقد كانوا يدركون حق الإدراك الحقائق الماثلة على الأرض (أو التي يؤمنون بها على أقل تقدير) والتي تجعل من المستحيل على مجلسي الشيوخ والنواب رفض طلباتهم حول طريقة معالجتها.
وأما روزفلت، فلقد فضل التصرف بطريقة أخرى إبان الخلاف الذي نشب حول خطة نشر "الأسطول الأبيض العظيم" حين فرض على "الكابيتول هول" سياسة الأمر الواقع. وعندما أعلن عن تحديه الكبير، استند في ذلك إلى السلطة التشريعية التي يتمتع بها باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة والتي تمنحه صلاحيات مطلقة لإرسال الأسطول البحري إلى أي مكان يريد من دون الحاجة لموافقة الكونجرس.
ويبدو موقف أوباما اليوم مختلفاً. ومن المرجح أن يوافق الكونجرس على طلبه. ولكن، لو أن أعضاءه عارضوه، فسيبدو الأمر كما لو أن الرئيس عجز عن استخدام قوّته التي يمنحها له القانون لحملهم على الموافقة. وإذا فشل الكونجرس في الموافقة على طلب أوباما، فسوف يبقى في الموقف نفسه الذي يواجهه الآن.
وقال أوباما يوم السبت الماضي محذراً: "لا يمكننا أن نُنشئ أطفالنا في عالم لا ننفذ فيه ما نقول". وكان يشير بذلك إلى تحذير أطلقه العام الماضي للأسد من أنه سيواجه "تداعيات خطيرة" لو أنه تجاوز "الخط الأحمر" باستخدام الأسلحة الكيميائية. وبهذا يمكن القول إن أوباما يطالب الكونجرس بدعمه في مواجهة التهديد الشخصي الذي يتعرض له.
وأضاف أوباما: "أنا أدرك أنني أمتلك سلطة القيام بهذا العمل من دون الحصول على موافقة الكونجرس، إلا أن هذه الموافقة تجعل أميركا تبدو بمظهر أقوى، وسيكون العمل أكثر فعالية". وبالطبع، هذه الطريقة تختلف عن أسلوب روزفلت عندما هدّد أعضاء الكونجرس بقوله: "أعيدوا الأسطول وسترون ما أفعله بكم".
واتهمت الانتقادات التي ضجّت بها الصحف وتناقلها الرأي العام أوباما بالتنصّل من مسؤولياته التي يكفلها له القانون، وتساءل المراقبون والمحللون عما إذا كان الحلفاء وخصومهم على حد سواء هم الذين يقررون ما إذا كان على الولايات المتحدة أن تتصدى للتهديدات التي تتعرض لها. وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة ستفقد القدرة على إجراء عملية الربط بين القول والفعل بعد هذا الجدل الذي يتّصف بالبطء الشديد وعدم الاستعجال.
وتغمز انتقادات أخرى إلى أن قرار أوباما الذهاب إلى الكونجرس يمثل إشارة إلى ضعف شخصي ألمّ به كقائد أعلى للقوات المسلحة. ولست متأكداً مما إذا كان هذا الحكم صحيحاً أم لا، ولكنني أرى أن هناك ما يبرر لأوباما ما فعل، ومن ذلك طلب بوش الابن موافقة الكونجرس على استخدام القوات المسلحة عام 2001 عقب أحداث سبتمبر بالرغم من أن إدارته كانت تعلم تماماً أن قانون "سلطة استخدام القوات المسلحة" كان يمثل إجازة شرعية لها لغزو العراق. وها هي إدارة أوباما تعتمد الطريقة نفسها للحصول على الموافقة لشن الحرب بعد أن تعهدت بأنها لن تعمد إلى توسيعها.
وسبق لي القول بأن نقل سلطة إعلان الحروب من الجهاز التشريعي إلى الجهاز التنفيذي خلال القرن الماضي كان يمثل أمراً مخيفاً في النظام الجمهوري للولايات المتحدة. وكان خطأ الكونجرس يكمن في أنه لم يكن قادراً على حماية امتيازاته في هذا المجال.
ولا شك أن قرار أوباما بطلب موافقة الكونجرس على التدخل في سوريا لن يغير من هذا الواقع كثيراً. كما أن رفضه العمل من دون موافقة الكونجرس لن يؤدِّ إلى إضعاف مواقف الرؤساء الذين سيخلفونه. بل على العكس من ذلك: فإذا رفض الكونجرس طلبه، فسوف يعمد الرؤساء المقبلون إلى اتخاذ القرار الشخصي بالحرب متحدين بذلك المشرّعين بنفس الطريقة التي أوقفهم بها روزفلت عن التدخل في قراره الحاسم.