الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحكومة السورية المؤقتة نقلةٌ في عمل المعارضة

الحكومة السورية المؤقتة نقلةٌ في عمل المعارضة

14.04.2013
د. وائل مرزا

كل المعطيات تشير إلى أن غالبيةً كبرى من أهلنا في الداخل ومن القوى الإقليمية والدولية أدركت الخيار الصحيح وتبنّتهُ في هذه المرحلة الحساسة، لكن تسارع الأحداث قد يسبب الغبش عند البعض بحيث يفوتهم القطار
المدينة
الاحد 14/4/2013
الحكومة السورية المؤقتة نقلةٌ في عمل المعارضة
من الممكن جداً أن يكون تشكيل الحكومة السورية المؤقتة نقلةً هامة على طريق تحقيق أهداف الثورة السورية.
ثمة مؤشرات عديدة على أن هذا الأمر في وارد الحصول، رغم الشكوك التي يطرحها البعض هنا وهناك.
يبدأ الأمر وينتهي دائماً بالشعب السوري في الداخل، وبقراره الذي يكون الفيصل في نهاية المطاف.
نقول هذا لأن هناك تفاوتاً كبيراً بين (الخطاب) و(الرواية) السائدين في الداخل فيما يتعلق بالحكومة العتيدة، وبين بعض خطاب الخارج وروايته في هذا الموضوع.
ففي حين لايزال هذا البعض يدندن حول جملةٍ من الشبهات والدعاوى التي تناولناها في المقال السابق عن الحكومة، تُثبت الزيارات المتكررة التي قام بها رئيس الحكومة المكلف إلى الداخل السوري أن المواطنين في وادٍ آخر ليس له علاقةٌ بتلك الدعاوى. ويبدو فعلاً أن ثمةً هوةً تتسع بين اهتمامات وأولويات بعض المعارضين السياسيين وبين الحقائق والأولويات الموجودة على الأرض، وأن على هؤلاء الانتباه إلى هذا الموضوع بشكلٍ أكبر..
التقى رئيس الحكومة بالعديد من قادة الجيش الحرّ، بل كان في حمايتهم طوال الوقت.. واجتمع برؤساء وأعضاء المجالس المحلية في العديد من المدن والبلدات والقرى، وتحاور مع المئات من المواطنين. كان هؤلاء بمجموعهم ينتمون لشرائح متنوعة من الشعب السوري ثقافياً وسياسياً ودينياً، لكنهم كانوا جميعاً يجمعون على ضرورة وجود الحكومة وعلى أهمية تكاتف الجميع لمساعدتها على القيام بدورها.
لم يكن ثمة حديثٌ يُشكك في شرعية الحكومة أو عملية انتخاب رئيسها، ولم يتطرق أحدٌ من قريبٍ أو بعيد لنسب المحاصصة والتمثيل في المعارضة، ولم تكن هناك أي إشارات تتعلق بدعاوى سيطرة فصيل دون آخر عليها.
لم يكن كل هذا جزءاً، ولو صغيراً، من اهتمامات أبناء الشعب السوري والقيادات العسكرية والمدنية على الأرض السورية. وإنما كان المطلوب واضحاً: أهلاً بكم حيث يمكن أن تثبتوا أخيراً أهليتكم لخدمة هذا الشعب، وقدرتكم على ذلك عملياً بالأفعال والمشاريع وبعيداً عن التنظير والبيانات والشعارات.
إن التواصل المكثف مع المواطنين على الأرض السورية يُظهر درجة الوعي السائد في أوساطهم بطبيعة المرحلة وأولوياتها. وهو وعيٌ يأتي من العيش في قلب الأحداث، بدلاً من رصدها عن بعد، والتفاعل معها عبر تقارير الإعلام وصفحات الفيسبوك والتغريدات التويترية التي تخلق واقعاً افتراضياً يتعلق بالثورة السورية قد يكون في جانبٍ منه مضللاً إلى حدٍ كبير.
مامن شكٍ أن وسائط الاتصال الحديث خدمت وتخدم الثورة السورية في كثير من المجالات، وستبقى تخدمها في المستقبل. لكن الرصد والتحليل الهادىء للظاهرة يؤكد أن الجزء (الافتراضي) من الثورة السورية يُرسم أحياناً بما تُفرزه حواراتٌ ونقاشات يمكن القول أنها (مترفةٌ) فكرياً، وهي تغرق في البحث عن معادلات مرسومةٍ بمساطر هندسية منها مالايمتُّ للواقعية بصلة ولايُعبّر عن الحقائق الملموسة على الأرض، ومنها مايتناقض مع بعضه الآخر بشكلٍ واضح.
وفي بعض الأحيان، يبدو جلياً أن الجزء (الافتراضي) من صورة الثورة السورية أصبح ساحةً لتصفية الحسابات الشخصية وتلبية الطموحات والتطلعات السياسية، وبناء تحالفاتٍ (سيّالة) تدور وتتنوع مع تنوع الظروف والأحوال. والخطير في الأمر أن يقوم البعض من أصحاب هذه الطموحات والمصالح والتطلعات بتشويه قاماتٍ اعتبارية وشخصية إقليمية لاترضى أبداً أن تقبل بتوظيفها في مثل هذه المعارك الهامشية العبثية. والأرجح أن يكون لها موقفٌ حاسمٌ من تلك الشريحة لو أنها علمت بحقيقة الأمور التي يجري (طبخها) باسمها في بعض الغرف الجانبية هنا وهناك.
وفي حصيلة الأمر، يُصبح مفهوماً في الجزء (الافتراضي) المذكور كيف ولماذا يتم تضخيمُ البسيط، وتشويه الواضح، وتكبير الصغير، وخلط الأوراق، وقلب الحقائق، وغير ذلك من الممارسات التي لايمكن لها إلا أن تحصل في واقعٍ افتراضي.
أما إذا تجاوزنا معطيات الحقائق على الأرض السورية، فإننا نجد أيضاً أن المجتمع الدولي بدأ يُدرك حقيقة النقلة التي قامت بها المعارضة السورية حين قامت بتشكيل الحكومة المؤقتة. حيث تبيّنَ للقوى الإقليمية والدولية أن المعارضة انتقلت إلى مرحلةٍ متقدمة من المأسسة المتمثلة في توزيع الأدوار، وأنها أدركت ضرورة وجود جسمٍ تنفيذيٍ محترفٍ ومؤهل يتفرغ لإدارة احتياجات الناس وترسيخ قوة الحاضنة الاجتماعية الشاملة للثورة والثوار، فضلاً عن زرع بذور الدولة السورية الجديدة إدارياً وثقافياً.
من هنا، جاءت الحوارات المعمّقة التي دارت في لندن بين وفد الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة وبين مسؤولين ومتخصصين وخبراء في جميع المجالات من أكثر من عشرين دولة هي الأكثر اهتماماً بالشأن السوري، والأكثر تأثيراً خارجياً فيه، من أمريكا إلى السعودية، مروراً ببريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وتركيا وقطر والإمارات ومصر واليابان وغيرها.
وقد كان واضحاً من الأسئلة المركزة والنقاشات الموسّعة عن الحكومة المؤقتة ودورها ورؤيتها وطبيعة عملها، ومن الإجابات التفصيلية على تلك الأسئلة، وردود الفعل الإيجابية عليها، أن ثمة اهتماماً بالغاً بهذا التطور في الأداء السياسي للمعارضة السورية.
وهو اهتمامٌ يجب أن يعرفه ويُدرك دلالاته الجميع، وبدرجةٍ عاليةٍ من الانتباه.. على الأقل لتجنب الوقوع في مطباتٍ غير محمودة. لايُعقل مثلاً أن يُسرّب بعض الهامشيين لوسيلة إعلامية عربية محترمة خبراً مزيفاً يدفعها لتُعلن رفض الخارجية البريطانية استقبالَ رئيس الحكومة المؤقتة عشية زيارة وفد الائتلاف والحكومة إلى لندن، وأن تخرج وسائل الإعلام بعد أقل من اثني عشر ساعة وفيها صور الوزير هيغ يصافح رئيس الحكومة في مقر الوزارة.
مرةً أخرى، من المؤكد أن كلّ العقلاء في المعارضة السورية مطالبون بمزيدٍ من الانتباه والدقة والجدية في قراءة التطورات. فالاجتماعات المتعلقة بالموضوع السوري ستكون كثيفةً للغاية في الأيام القادمة، ولن يكون غريباً أن يسمع السوريون بتطوراتٍ مهمة في أكثر من مسار، وعلى مدىً زمني قد يكون أقصر مما يتصوره الكثيرون.
ثمة خيارٌ كان ولايزال وسيبقى مفتوحاً دائماً في كل مايتعلق بالثورة السورية. فإما أن يكون المرءُ جزءاً من الحلّ أو يكون جزءاً من المشكلة.
كل المعطيات تشير إلى أن غالبيةً كبرى من أهلنا في الداخل ومن القوى الإقليمية والدولية أدركت الخيار الصحيح وتبنّتهُ في هذه المرحلة الحساسة، لكن تسارع الأحداث قد يسبب الغبش عند البعض بحيث يفوتهم القطار.