الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "الحل" الأخير

"الحل" الأخير

11.01.2016
علي نون



المستقبل
الاحد 10/1/2016
لم يخطئ، لا في العموميات ولا في الجزئيات، ولا في العناوين ولا في التفاصيل، من افترض منذ اللحظات الأولى لاندلاع الثورة السورية، أن بشار الأسد مؤهل أو قابل أو قادر على شيئين كبيرين: الأول، هو التراخي في مواجهة الواقع المستجد الذي انفجر في وجهه. والثاني هو الانخراط بنجاح في عملية تسووية سياسية قابلة للحياة.
لم يحكم آل الاسد سوريا بالديموقراطية. ولم يصلوا الى ما وصلوا اليه عبر صناديق الاقتراع. وليس معروفاً عنهم أخذهم بنكتة "المشاركة" مع غيرهم في السلطة.. أو التزام أي إطار يمكن ان يدفع الآخرين الى توهّم ذلك. كما لا يستطيع بشري واحد الادعاء بأنهم توقفوا، قليلاً أو كثيراً، عند خبريات "حقوق الإنسان" أو احترام الأطر "الدستورية" للدولة وتركيبتها ووظائف كل "مؤسسة" فيها.. أو العمل وفق "القوانين" التي تحكم بين الناس وتنظم علاقاتهم العامة والخاصة على حدٍّ سواء.
ذلك في مجمله لم يكن مرّة وارداً في كتاب السلطة الأسدية، لا من قريب ولا من بعيد. سوى أن حنكة الأسد الأب فاقت بأشواط رعونة الأسد الابن. وهذه مكنته من المناورة بنجاح في مرحلة المواجهة الصعبة مع "الاخوان المسلمين" التي بلغت ذروتها في حماة في ذلك الشباط من العام 1982! بحيث تمكن من تحييد العائلات الكبيرة في المدن الرئيسية، وفي مقدمها دمشق، بل واستمالة الجزء الأهم منها من خلال توليفة ناجحة تدمج بين حفظ مصالحها و"استتباب الأمن" الذي يعني الانصياع التام للسلطة القائمة.
اعتمد الأسد الأب، على حنكته وواقعيته، لكنه، قبل الاثنتين وبعدهما وفوقهما وتحتهما، اعتمد على الأساس الذي هو إظهار قوة مدمّرة، لا ترحم ولا تتردد.. والاستعداد التام لاستخدامها في المواجهة، أياً كانت الأكلاف والتبعات. وهو في ذلك، ظل أميناً لـ"الفكرة" الأولى التي أوصلته الى قمة الهرم: العنف الضاري. ولا شيء غيره! أما مطوّلات التنظير "البعثي" وأدبياته، فتلك كانت ستارة تحجب خلفها كل "نقيصة" أخرى وأولاها الخلفية الفئوية التي على أساسها وحدها بنى كل مقومات حكمه وسلطته.
افتقد بشار الأسد تلك الخصال وما هو أكثر منها. وأظهر منذ اللحظات الأولى إشارات إلى نزق خطير في شخصيته وأحكامه، مثلما أظهر خفّة لا تليق بأي صاحب مسؤولية، أو سلطة.. حرص على أن "يبدو" ذكياً أكثر من حرصه على ان "يكون" ذكياً. وذلك تبدّى، عند معظم الذين التقوه في مراحله الرئاسية الأولى: يتسرع في اتخاذ قرار ثم يندم بالسرعة نفسها! والانطباع العام أمكن اختصاره بجملة مكثفة تقول، إن طبيب العيون المزعوم مصاب بقصور خطير في النظر!
ذلك تجلّى مع بداية "أحداث" درعا في آذار من العام 2011، حيث يعرف كثيرون، انه لم يبقَ طرف على تواصل معه، إلا ونصحه باتخاذ "بعض الإجراءات الإصلاحية" الموضعية اللازمة لامتصاص غضب الناس في المدينة ومحيطها.. فأبى وتكبّر. إلى أن تدحرج الوضع باتجاه الثورة الشاملة.
غير أن حصر الأمر بالطبائع الشخصية له، لا يتناسق تماماً مع الواقع، بل ربما العكس هو الصحيح: ما افترضه بشار الأسد وأركان سلطته في بداية الثورة في درعا، هو ذاته الذي افترضه الأسد الأب في نزاعه المرير مع "الإخوان" في أواخر سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي: هذه السلطة الفئوية المركزية لا تتحمل أي خلل "إصلاحي". تماماً مثل السد المائي الذي لا يمكن أخذ حجر واحد منه من دون تعريض بنيانه كله لخطر التدمير التام!
اختلفت الطرق التي اعتمدت من قبل أرباب هذه السلطة لمواجهة التحديات التي واجهتهم، لكن الأصل كان ولا يزال واحداً: إما كل شيء، أو لا شيء! وذلك الأصل لا يزال في مكانه حتى اليوم، عشية انطلاق ما يسمى بالعملية السياسية الباحثة عن تسوية للنكبة السورية!
لذلك (وربما) يمكن النظر جدياً، الى "خريطة الطريق" التي سربها الأميركيون قبل أيام، طالما أنها تلحظ "خروجاً" للأسد من الحكم في آذار العام 2017. فهي، حتى وإن كانت "محاولة"، تقارب المنطق تماماً: لا حل في سوريا "مع" الأسد وإنما من دونه.. وذلك، في كل حال، يؤكد (نظرياً حتى الآن) مقولة أن من استدعى الروس لحمايته سيدفع الثمن الأكبر والأخير لذلك الاستدعاء!