الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحل الممكن في سوريا: واقعية أم تفريط؟ (1)

الحل الممكن في سوريا: واقعية أم تفريط؟ (1)

16.05.2016
وائل مرزا


المدينة
الاحد 15-5-2016
ماذا لو قدّمت المعارضة السورية (بديلًا) حقيقيًا لبشار الأسد؟ منذ لحظة (الثورة) الأولى وإلى اليوم، يعرف كل من اقترب، عمليًا، من دوائر السياسة الدولية المتعلقة بسوريا أن (كلمة السر) في الموضوع كانت تتعلق دومًا بالإجابة على هذا السؤال.
ندرك أن المعنى الحقيقي المتعلق بكلمة (البديل) يشمل جملةً من القضايا الحساسة والخطيرة التي يتطلب الحديث فيها، فضلًا عن تنفيذها، موازناتٍ هي أشبه بالمشي على حد السيف على المستويين النظري والعملي. وأن الأمر سيكون عرضةً لاتهامات ومزاودات على جميع المستويات. لكن ثمة حوارات وأفكارا وطروحات تتداول في الساحة السورية خلال الشهور الأخيرة، بين أطراف العلاقة فيها، ساسة وعسكراً ونشطاء ومثقفين، بل ومن جمهور السوريين، بشكلٍ حذرٍ وخجول وسري، ربما ينفع أن تخرج إلى الضوء، وأن تُناقش بشكلٍ علني.
فمثل هذا الحوار الصريح يضمن أمرين: الوصول أولًا إلى ما هو أقرب للصواب، بحكم إمكانية مشاركة شريحةٍ واسعةٍ من السوريين في مناقشته، وبشكلٍ يضمن تكامل وجوه الرؤية من زوايا مختلفة. والأهم من هذا، ألا نستيقظ يومًا لنُفاجأ بحل سريٍ مطبوخ في الغرف المغلقة، تنفرد به مجموعة ضيقة من السوريين، ثم يُفرض عليهم جميعًا بحُكم الأمر الواقع.
من هنا، يطرح المقال جملةً من الأفكار لمناقشة الموضوع على سبيل فتح الملف علنيًا، وأمام السوريين جميعًا، بكل ما له وما عليه. ربما على طريقة (تعليق الجرس) التي يجب القيام بها عاجلًا أو آجلًا.
هل يأتي هذا الطرح وفق مقولة (أولوية حقن الدماء) بغض النظر عن كل شيء، الساذجة والسائدة أحيانًا؟ هل يدخل في إطار مشاعر (اليأس) من إمكانية استمرارية الثورة وانتصارها؟ هل هو مقدمة وتسريب (خبيث) لمؤامرةٍ يجري تحضيرها؟ نأمل أن يجيب المقال بجزئيه عن هذه الأسئلة.
منذ اللحظة الأولى للثورة، أدرك الأسد أن المفصل في استمرار حكمه يكمن في إقناع العالم بأن بقاءه (وظيفيٌ) بحت. ومع أحداث السنوات الماضية، عرفَ أنه لم يعد ثمة سياسيٌ في هذا العالم يرغب في وجوده في موقع الرئاسة حبًا أو إعجابًا بشخصه. فالرجل عمليًا نموذجٌ للإحراج السياسي والأخلاقي يندر مثيله في التاريخ المعاصر، حتى في نظامٍ دولي يفتقد للمبادئ ولا يخجل من النفاق. لكنه استطاع، حتى الآن، اللعب على تلك الازدواجية بين المبادئ والمصالح، وترسيخ مقولة غياب البديل له، من خلال التأكيد على قضايا محددة يناور في تفاصيلها: محاربة الإرهاب والتطرف، حماية الأقليات، تأمين مصالح روسيا، ثم القضية الأكثر حساسيةً: استمرار حالة (اللاحرب) مع إسرائيل.
لنناقش هذه القضايا، وننظر في إمكانية تقديم المعارضة لبديلٍ يتعامل مع هذه القضايا بتوازناتٍ دقيقة، تأخذ الواقع السوري والإقليمي والدولي بعين الاعتبار من ناحية، وتحاول، مع ذلك، القيام بعملية أرباح وخسائر تتعلق بتحقيق ما يمكن تحقيقه من أهداف الثورة، وفق الأولويات من جهة، وبناءً على حسابات مستقبلية على المدى المتوسط والطويل من جهةٍ أخرى. مع التأكيد من البداية بأن المقال لا يفترض بالضرورة إمكانية هذا الأمر، نظرًا للوضع العملي والفكري والنفسي السائد بين السوريين، وإنما يحاول طرح الأسئلة المتعلقة بتلك الإمكانية بصراحة وتحديد، بدلًا من بقائها تُناقشُ بفوضوية في الظلام.
بكل شفافية يتطلبها الموضوع، تتضمن قضية (محاربة الإرهاب والتطرف) محورين، أحدهما مُعلن يتمثَّل في التعاون مع النظامين الإقليمي والدولي في مواجهة (داعش) و(النصرة). وهذا أمرٌ ثمة إجماعٌ عليه بين السوريين، بما في ذلك الفصائل الإسلامية التي حسمت رأيها تجاه الأولى، وهي في طريقها إلى الحسم تجاه الثانية، نظريًا بالاجتهادات الفقهية، وعمليًا من خلال التجربة التي أدركت من خلالها نية الجبهة لالتهامها جميعًا في نهاية المطاف. المحور الثاني حساسٌ أكثر، ويتمثل في عدم رغبة النظام الدولي في وجود جهةٍ عسكرية قوية بصفةٍ إسلامية في مستقبل سوريا نهاية المطاف. من المعروف أن كل الفصائل الكبرى غادرت مواقع الوهم القائل بإمكانية (إقامة دولة إسلامية) في سوريا، لكن السؤال هنا: هل يمكن أن تصل الفصائل الإسلامية إلى رؤيةٍ تستطيع التعامل من خلالها مع (الفيتو) المذكور أعلاه؟ مثلًا، بتبني برامج وطنية حقيقية تحقق مصالح السوريين، جميعًا، من خلال هوية محافظة تستبطن قيم الإسلام ومقاصده؟.
أما فيما يتعلق ب(حماية الأقليات)، وبغض النظرعن دلائل (النفاق العالمي) المتعلق بها، فالأرجح أن تكون، بحكم الترتيبات العملية الواقعية في حال الانتقال من نظام الأسد، أمرًا لا يصعب التعامل معه. ورغم المشاعر الجياشة الآن، فإن في رصيد السوريين الديني والثقافي والاجتماعي من جهة، وفي حتمية وجود آليات العدالة الانتقالية تجاه المجرمين من جهةٍ أخرى، ما يُظهر إمكانية تحقيقه كأمرٍ واقع.
في الجزء التالي من المقال نُعالج العنصرين الأخيرين في المعادلة، ونتحدث عن إمكانيات المعارضة السورية، بوضعها الراهن، على تقديم بديل، والتحديات والملابسات والأسئلة الأخرى المتعلقة بالموضوع.