الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الحوار السعودي الإيراني… نحو الإقرار بالمعادلات الإقليمية الجديدة

الحوار السعودي الإيراني… نحو الإقرار بالمعادلات الإقليمية الجديدة

18.05.2014
محمد الخليفي


القدس العربي
السبت 17/5/2014
تشهد منطقة الشرق الأوسط مخاضا عسيرا ومؤلما، يتجسد في حزمة من العقد والأزمات الحادة التي تحتل حيزا كبيرا جدا من جغرافيته، حيث أضحت التفجيرات والاقتتال والدمار والفوضى والنزوح واللاجئين والعطش والجوع… من المفردات الرئيسية والمألوفة التي تؤثث المشهد اليومي لهذا الشرق الحزين، هذا من دون أن ننسى حالة الاستقطاب الحاد والاصطفاف الطائفي والمذهبي والتأزم الفكري والحضاري، التي تشكل ملمحا نمطيا لهذه المنطقة، وإذا كانت هذه الصورة القاتمة والمؤسفة لا تعد استثناء في المسار التاريخي لمنطقة الشرق الأوسط المتربع على موقع جيوسياسي غاية في الأهمية، والزاخر بثروات كبيرة جدا، فلطالما كان مسرحا للصراعات والحروب والاحتلالات منذ أزمنة ضاربة في التاريخ، حيث أن الاستيلاء على هذه المنطقة يعد مفتاحا أساسيا للتحكم في العالم، وإيذانا بتشكل إمبراطوريات مترامية الأطراف، فإن حالة الترهل والفوضى هاته قد تكرست بشكل كبير في الآونة الأخيرة في شكل مجموعة من الملفات الساخنة، لعل أبرزها الأزمة السورية إضافة لأزمات أخرى.
صحيح أن مجريات الأمور في المنطقة لا يمكن عزلها عن المتغيرات والحركية الواسعة التي يشهدها النظام الدولي ككل، حيث أننا نكاد نكون على أعتاب نظام دولي جديد، إلا أن الصحيح أيضا أنه بالنظر لحالة الترهل والضعف والتبعية التي توجد عليها معظم أنظمة المنطقة، فإنه دائما ما يكون التدخل واللعب في ساحات الشرق الأوسط أكثر شراسة ودمارا وكلفة على حساب دول وشعوب المنطقة. ففي الشرق الأوسط لاعبون كثر من الكبار والصغار يمارسون لعبتهم في الدفاع عن مصالحهم الإستراتيجية والقومية، كما أن هناك أيضا قوى إقليمية تصارع بكل إمكانياتها من أجل فرض الحد الأدنى من سيادتها ومصالحها، وبين هذا وذاك إما أدوات تعمل مخلصة لتنفيذ أوامر أسيادها، أو مجرد بيادق يتم تحريكها في كل الاتجاهات وبِذلٍ مثير للشفقة والغثيان في آن واحد، وفي هذا السياق فإنه بات معلوما أن المنطقة وصلت إلى مرحلة باتت فيها المعدلات الإقليمية والدولية واضحة المعالم ولا يمكن القفز عليها أو الرهان على سيناريوهات من وحي المكابرة والعناد والسذاجة من أجل تغييرها، وعليه فإن منطق التفاهم والحوار والتفاوض بات يطرح نفسه وبشكل جدي، من أجل حل شامل لمجموع قضايا المنطقة المؤرقة، وفي هذا الإطار تأتي دعوة وزير الخارجية السعودي لنظيره الإيراني لزيارة الرياض في أي وقت تراه طهران مناسبا، مبديا استعداد بلاده للتفاوض، حيث تشكل هذه الدعوة تحولا جوهريا في المواقف السعودية تجاه العلاقة مع جارتها إيران، هذه الأخيرة التي نفت توصلها بأي دعوة كتابية رسمية إلا أنها أكدت أن الزيارة مدرجة على لائحة برنامجها، ومهما يكن من أمر فإن قراءة متأنية في سياق وتوقيت هذه الدعوة السعودية لابد أن يلاحظ ما يلي:
الدعوة تأتي في سياق المفاوضات النووية بين إيران والدول الست، التي قطعت أشواطا كبيرة في اتجاه تسوية الملف بشكل نهائي، مما يعني رفع العقوبات عن إيران وفتح مجالات واسعة للتجارة والتعاون الدولي والإقليمي أمامها.
إن القرب من حل شامل للملف النووي الإيراني ترافق مع خطوات مدروسة وغير مستعجلة وثابتة في اتجاه التقارب الإيراني- الأمريكي، وما قد يشكله من هلع لدول الخليج، خاصة على المستوى الأمني وملء الفراغ الذي يحدثه الانسحاب التدريجي لأمريكا من المنطقة.
مراوحة مجموعة من قضايا المنطقة الساخنة في مكانها، فلا حل حاسما وشاملا على المدى القريب ولا حتى إمكانية لمحور الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بتحقيق شيء ذي بال، خاصة أمام الواقع الميداني الذي يميل أكثر فأكثر لصالح محور روسيا وحلفائها وصلابة موقفهم.
حالة الاستقطاب الحاد والجمود السياسي التي تعرفها المنطقة والتي ساهمت في خلق بيئة مثالية لاستفحال الإرهاب الذي بات يهدد الجميع بدون تمييز.
عموما فإن الدعوة السعودية لإيران بقدر ما تنم عن تحول سعودي كبير في الموقف من الجمهورية الإيرانية، بقدر ما تعكس نوعا من الصرامة الأمريكية تجاه حليفتها الإستراتيجية في المنطقة من أجل الإذعان للواقع المر والابتعاد عن المشاكسة والمكابرة الخاوية من المضامين، فقضايا المنطقة لا تحتمل هذا المنطق الذي من شأنه أن يحرق الجميع بدون استثناء، كما أن زعامة المنطقة وملء الفراغات لا تكون بالصراخ والخواء الفكري والعلمي، بل تكون بالقوة العلمية والعسكرية والسيادة، ويبدو أن هذا الأمر استوعبه الخليجيون أخيرا، كما أنهم قد استمعوا إليه بشكل أو بآخر أكثر من مرة، ولكن هذه المرة بشكل صارم من قبل بلاد العم سام، خاصة أن التسوية الإيرانية – الأمريكية يتم طبخها على نار هادئة ووفق الرؤية الإستراتيجية والمصلحة القومية لكلا البلدين بعيدا عن الانفعالات وسياسة انعدام التصور القومي الإستراتيجي، الذي تتميز بها أنظمة الخليج، ومهما يكن من أمر فإن من شأن أي تقارب سعودي- إيراني أن ينعكس إيجابا على كل قضايا المنطقة، سواء تعلق الأمر بسوريا والعراق ولبنان واليمن والبحرين أو على مستوى حل القضايا الخلافية بين إيران ودول المنطقة برمتها، كما أن هذا التقارب سينعكس حتى على أزمات المغرب الكبير خاصة في ليبيا.
خلاصة القول ان التسوية السعودية – الإيرانية تعتبر فصلا آخر من فصول الإقرار بالمعادلات الإقليمية والدولية الجديدة، وهي انعكاس حتمي لتسوية أكبر وأضخم بين إيران وأمريكا، هذه الأخيرة التي أضحت تكرر اكثر من مرة بأن هذه التسوية لن تكون على حساب أمن الخليج، ومهما يكن فإنه من شأن أي تقارب بين دول المنطقة أن يرطب أجواء التوتر المتصاعدة في المنطقة ويفتح آفاقا أرحب للتعاون والتكامل بدل منطق التنازع والاقتتال .
‘ كاتب مغربي