الرئيسة \  تقارير  \  الخبز والنفط: كيف سينشر غزو أوكرانيا الجوع في الشرق الأوسط وأفريقيا؟

الخبز والنفط: كيف سينشر غزو أوكرانيا الجوع في الشرق الأوسط وأفريقيا؟

15.03.2022
الإيكونومست


تقرير خاص – (الإيكونوميست) 8/3/2022
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
الغد الاردنية
الاثنين 14/3/2022
من خلال رفع أسعار الغذاء والوقود، ستتسبب حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا في زيادة البؤس والاضطراب في الشرق الأوسط.
* *
دبي، جوهانسبرغ، وباريس- في المرة الأخيرة التي رفعت فيها مصر أسعار الخبز، كان الاتحاد السوفياتي ما يزال قائماً. ومنذ العام 1989، قدمت المخابز المدعومة 20 رغيفًا من “العيش البلدي”، وهو خبز عربي يمثل الغذاء الأساسي للبلاد، مقابل جنيه مصري واحد. وفي ذلك الوقت، كان هذا المبلغ يساوي دولارًا واحدًا تقريبًا. واليوم تبلغ قيمته حوالي ستة سنتات، أي أقل من عُشر تكلفة إنتاج الخبز.
والآن، تنفق الدولة 45 مليار جنيه إسترليني (2.9 مليار دولار) سنويًا لتعويض الفارق؛ أي أكثر من نصف إجمالي فاتورة دعم المواد الغذائية. ولم تجرؤ أي حكومة على العبث بهذا الترتيب السخي والمكلف. والخبز هو المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية لملايين العرب، وهو بالتالي من أكثر القضايا حساسية في السياسة. وفي العقود الماضية، أدى ارتفاع الأسعار إلى احتجاجات وأعمال شغب في مصر والأردن والمغرب وتونس وأماكن أخرى.
ولكن، قد يجبر الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، الحكومات العربية، على التفكير في ما كان غير قابل للتفكير فيه. وسيؤدي ثمن القمح الباهظ إلى إرهاق الميزانيات في الشرق الأوسط، وربما يؤدي إلى خفض الدعم بحيث يُترك المواطنون جائعين. وفي جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إجهاد الميزانيات التي تعاني سلفاً عبء تفاقم الديون.
كل هذا قد لا يعني المشقة فحسب، وإنما قد يعني الاضطراب أيضاً. كان الرئيس أنور السادات قد حاول إلغاء دعم الخبز المصري في العام 1977. لكنه سرعان ما تراجع عن قراره في غضون أيام، بعد أعمال الشغب التي قام الجيش بقمعها. وجاءت ثورة إثيوبيا في العام 1974 في أعقاب صدمة أسعار النفط، التي شهدت خروج سائقي سيارات الأجرة إلى الشوارع للاحتجاج. وساعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية في العامين 2008 و2009 على اندلاع ثورات الربيع العربي، والاحتجاجات التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس عمر البشير في السودان في العام 2019. وقد رفضت العديد من الحكومات العربية والأفريقية الإعراب عن دعمها لأي من الجانبين في الصراع الحالي في ذلك البلد، بحجة أن ما يجري هناك ليس حربهم. لكنهم سيشعرون قريبًا بآثاره.
ولنبدأ بالقمح، الذي تعتبر روسيا وأوكرانيا، على التوالي، أكبر وخامس أكبر مصدريه في العالم. في الواقع، أوقفت الحرب الشحنات القادمة من البحر الأسود. كما أنها قد تعرض للخطر موسم الزراعة الربيعي في أوكرانيا، الذي من المقرر أن يبدأ في نيسان (أبريل). وهذه أخبار مأساوية لمصر؛ أكبر مشتر للقمح في العالم. وتحتاج مصر إلى 21 مليون طن كل عام لإطعام 102 مليون شخص، لكنها تنتج أقل من نصف هذه الكمية. وتأتي حوالي 86 في المائة من وارداتها من روسيا وأوكرانيا.
افترضت ميزانية مصر لهذا العام أن الواردات ستكلف 255 دولارًا للطن الواحد. لكن الأسعار في أسواق العقود الآجلة أصبحت تدور مسبقاً حول 400 دولار. ويمكن أن يضيف ذلك ما لا يقل عن 1.5 مليار دولار (0.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) إلى فاتورة الواردات المصرية. وقد ارتفع سعر الخبز غير المدعوم، الذي غالبًا ما يكون أفضل جودة من المنتجات المخفضة، بنسبة 50 في المائة في بعض المتاجر في الأيام الأخيرة.
لم يكن عبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري المستبد، معجباً أبداً بدعم الخبز. وقال العام الماضي: “من غير المعقول بيع 20 رغيفا من الخبز بسعر سيجارة واحدة”. وسوف تعطيه الأسعار المرتفعة ذريعة لمحاولة تغييرها. لكنه قد لا يحب رد الفعل الشعبي أيضاً. يعيش ما يقرب من ثلث المصريين تحت خط الفقر الرسمي المتدني للغاية البالغ 857 جنيهاً في الشهر. وبسبب سنوات من الضرائب المرتفعة والتخفيضاتفي دعم الطاقة، فإن المصريين ليسوا في وضع يسمح لهم بإنفاق المزيد على طعامهم الأساسي.
يقع العديد من جيران مصر في مأزق مماثل. وتقول فاضلة رابحي، وزيرة التجارة التونسية، إن إنتاج الخبز الفرنسي (الباغيت) المدعم الذي يباع بـ190 مليم (0.06 دولار) يكلف في الحقيقة 420 مليمًا. والدولة غير مجهزة للتعامل مع فاتورة الدعم المرتفعة. وهي تعاني عجزا ماليا يبلغ حوالي 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتقف مدفوعات خدمة الدين السنوية عند المستوى نفسه تقريبًا. وفي لبنان، الغارق منذ العام 2019 في أزمة مالية طاحنة، ارتفع سعر كيس الخبز اللبناني المسطح بالفعل بأكثر من 400 في المائة في العامين السابقين للحرب. كما دُمرت صوامع الحبوب الرئيسية في لبنان في انفجار ميناء بيروت في العام 2020، ما ترك البلد قادراً على تخزين ما يكفي من القمح لشهر واحد فقط؛ واقتصر عمل وزير الاقتصاد على استجداء الدول الغنية لتمويل واردات القمح التي تكلف 20 مليون دولار في الشهر.
والقائمة تطول. قد يؤدي انخفاض شحنات الذرة من أوكرانيا، رابع أكبر مصدر في العالم، إلى الإضرار بمصر، التي تحصل على 26 في المائة من وارداتها من الذرة من هناك. ولأن معظمها يستخدم في علف الحيوانات، فإن ارتفاع أسعار الذرة سيؤدي إلى ارتفاع تكلفة اللحوم في مصر، وإلى رفع كلفة عصيدة الذرة في جنوب إفريقيا، حيث تعد غذاءً أساسياً. كما أصبح زيت الطهي أيضًا أكثر تكلفة لأن أوكرانيا هي أكبر مصدر لزيت عباد الشمس في العالم. وتنقل هذه الأسعار المرتفعة الناس إلى البدائل مثل زيت النخيل، وهو عنصر غذائي أساسي في غرب إفريقيا، ما يؤدي إلى زيادة تضخم أسعار الغذاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا. في كانون الثاني (يناير)، لامس مؤشر سعر الزيوت النباتية الذي تعده الأمم الأمم المتحده أعلى مستوى له على الإطلاق، بينما سجل سعر زيت النخيل مستويات قياسية في أسواق العقود الآجلة هذا الشهر.
كما ستصيب الاضطرابات في أوكرانيا أيضاً بعض البلدان الأفريقية الأسرع نموًا، والتي عانى الكثير منها مسبقاً ارتفاع معدلات التضخم. ويشكل الغذاء عبر أفريقيا جنوب الصحراء حوالي 40 في المائة من سلة أسعار المستهلك. وبدأ تضخم المواد الغذائية، الذي وصل إلى حوالي 9 في المائة سنويًا في 2019-2020 في جميع أنحاء المنطقة، في الارتفاع قبل عام ليصل إلى حوالي 11 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) بسبب ارتفاع أسعار النقل والزيوت والأسمدة والاضطرابات التي أصابت الزراعة بسبب الوباء. وسيكون أول من يتأثر بارتفاع أسعار القمح بلدان أمثال غانا وكينيا، حيث يمثل هذا العنصر من الغذاء الأساسي حوالي ثلث استهلاك الحبوب، أو نيجيريا، حيث تلتهم العائلات الحضرية الفقيرة الكثير من المعكرونة سريعة التحضير.
تضر أسعار المواد الغذائية المرتفعة بفقراء المناطق الحضرية أكثر من أي أحد آخر لأنهم لا يميلون إلى زراعة حاجاتهم منها بأنفسهم. وهذا مهم للاستقرار السياسي. فسكان المدن أكثر كثافة وأقرب إلى مقر الحكومة من أبناء عمومتهم في الريف. ولذلك، يمكن أن تطيح أعمال الشغب في المدن بالحكومات.
قد يستفيد سكان الريف -نظرياً- من أسعار المواد الغذائية الأعلى، لأن العديد منهم يبيعون الطعام كما يأكلونه. ويمثل مزارعو الكفاف نسبة أعلى من السكان في أفريقيا جنوب الصحراء مقارنة بالشرق الأوسط، وهم لا يعتمدون بشكل خاص على واردات الغذاء. ولكن، حتى هؤلاء المزارعون سيتضررون من ارتفاع أسعار الأسمدة ووسائل النقل. وقال وانديل سيهلوبو من جامعة ستيلينبوش في جنوب إفريقيا، إن تكلفة الأمونيا، أحد المدخلات الرئيسية لصناعة الأسمدة، ارتفعت بالفعل بنسبة 260 في المائة بين كانون الأول (ديسمبر) 2020 وكانون الأول (ديسمبر) 2021. وسيؤدي انخفاض الشحنات من روسيا وبيلاروسيا، وكلاهما من كبار المصدرين، إلى المزيد من ارتفاع الأسعار.
النفط في هذا الخليط
يشكل سعر النفط الخام نعمة ونقمة للشرق الأوسط. بالأسعار الجارية، يجب أن تكون جميع البلدان المصدرة للنفط في المنطقة، باستثناء الجزائر، قادرة على إدارة فوائض الحساب المالي والجاري. وقد خفضت العديد من الحكومات الخليجية دعم الوقود في السنوات الأخيرة -يدفع سائقو السيارات في الإمارات العربية المتحدة 3.23 درهم (0.88 دولار) للتر الواحد من البنزين هذا الشهر، وهو سعر قياسي -ما سيخفف الضربة التي ستلحق بميزانيات الدولة. وبالنسبة للمستوردين، بطبيعة الحال، ليس هناك ما يحتفى به. فقد ارتفعت أسعار البنزين في لبنان بنسبة 17 في المائة منذ أواخر شباط (فبراير)، ويبلغ سعر 20 لتراً من البنزين الآن نحو ثلثي الحد الأدنى للأجور الشهرية.
وتوجد الصورة أسوأ في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث 38 من أصل 45 دولة هي مستوردة صافية للنفط. وسيكون ارتفاع الأسعار بمثابة صدمة سلبية “كبيرة للغاية”، كما يحذر أبيبي إيرمو سيلاسي، مدير قسم أفريقيا في صندوق النقد الدولي. وحتى في أفضل الأوقات، تكافح معظم البلدان الأفريقية لتصدير ما يكفي ليجعلها قادرة على تغطية تكلفة وارداتها. وستؤدي الزيادة الهائلة في أسعار النفط إلى مشاكل حقيقية في ميزان المدفوعات في جميع أنحاء القارة. وقبل أن تبدأ الأسعار في الارتفاع بفترة طويلة، كان البنزين يمثل بالفعل حوالي 20 في المائة من الواردات في كينيا وغانا.
إحدى النتائج المباشرة ستكون ارتفاع معدلات التضخم. وكانت أسعار النقل مسبقاً السبب الأكبر للتضخم العام (الذي يشمل الغذاء والطاقة) في كينيا وغانا ورواندا العام الماضي. وفي نيجيريا، حيث يبلغ معدل التضخم السنوي ما يقرب من 15 في المائة، تشكل تكاليف النقل والغذاء، وكلاهما يرتفع بشدة، 57 في المائة من مؤشر التضخم.
تقف البلدان الأفريقية القليلة التي تنتج النفط، مثل نيجيريا وأنغولا، في موقف يجعلها تستفيد. ومع ذلك، قد يكون أداؤها أقل جودة مما كان متوقعًا، على الأقل في المدى القصير. ويدعم كلا البلدين أسعار البنزين للمستهلكين. وسوف تتضخم فاتورة هذا الدعم مما ينال من عائدات الحكومة ويترك أموالاً أقل للإنفاق على التعليم والصحة. وقد يكلف دعم الوقود الآن حكومة أنغولا ما يعادل نحو 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مرتفعاً من 1.4 في المائة متوقعة. وفي نيجيريا، قد يصل أيضًا إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعًا من حوالي 0.8 في المائة العام الماضي. وسوف تتراجع خطط نيجيريا لإصلاح دعمها للبنزين، الذي تم تعليقه مسبقاً بسبب ارتفاع الأسعار وضغط النقابات.
ربما تأتي أخبار أفضل على المدى المتوسط فقط. فأوروبا تنخرط في مسعى يائس للبحث عن النفط والغاز غير الروسيين. وتتطلع الجزائر، التي لديها خطوط أنابيب تمتد إلى إسبانيا وإيطاليا، إلى الاستفادة من ذلك. ويأمل المنتجون الأفارقة الآخرون في جني الأموال عن طريق شحن المزيد من الغاز الطبيعي المسال، وستكون الجائزة الكبرى هي الدعم الأوروبي لإنشاء واحد من خطي أنابيب للغاز يمكن أن يربط أحدهما، مع الوقت، بين نيجيريا والمغرب ويمضي إلى أوروبا، أو أن يمتد من نيجيريا إلى الجزائر عبر الصحراء. وقد يجعل إنهاء الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي الأمر الذي كان حلماً بعيد المنال ذات مرة ممكناً فجأة.
سعى الرجال الأقوياء العرب على مدى سنوات إلى توثيق العلاقات مع فلاديمير بوتين. وبينما كانت أميركا تحاضر فيهم حول حقوق الإنسان، حث بوتين هؤلاء الرجال الأقوياء على أن يظلوا أقوياء. وعندما زار القاهرة في العام 2015، لأول مرة منذ عقد من الزمن، قدم بوتين بندقية كلاشينكوف هدية للرئيس السيسي، الذي قدم له بدوره العشاء في مطعم يطل على النيل (مع الكثير من الخبز على الطاولة). والآن، يواجه هؤلاء الرجال الأقوياء أنفسهم موازنات مفلسة ومواطنين غاضبين -من باب المجاملة من السيد بوتين.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Bread and oil: How the invasion of Ukraine will spread hunger in the Middle East and Africa