الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخسائر الأمريكية الأضخم أمام التحالف الروسي

الخسائر الأمريكية الأضخم أمام التحالف الروسي

27.11.2017
مصطفى السعيد



الاهرام
الاحد 26/11/2017
رغم أن معارك التحالف الأمريكى فى سوريا والعراق لم تسفر عن خسائر بشرية أو مادية ذات قيمة، إلا أنها كانت الأضخم على الصعيد الجيوسياسي، وانحسار النفوذ الأمريكى لصالح الحضور الروسى والإيرانى الآخذ فى البروز، لأن الخسائر كانت تتمثل فى ظهور خريطة جديدة للجغرافيا السياسية والعسكرية، سيكون لها نتائج خطيرة على موازين القوى الإقليمية والعالمية، وأهم هذه النتائج ترابط جغرافى لأول مرة يمتد من موسكو إلى طهران وبغداد ودمشق وبيروت، فقبل ظهور داعش على الحدود السورية العراقية كان الوجود العسكرى لأمريكا فى العراق يمنع هذا التواصل، وقبله كان نظام صدام حسين المعادى لكل من إيران وسوريا يشكل جدارا يمنع هذا التواصل، وقبل صدام حسين كان شاه إيران حليف أمريكا القوى هو حارس المصالح الأمريكية، واللافت أنه قبل تحرير البوكمال التى تشكل عقدة المواصلات بين سوريا والعراق جرى عقد اتفاقية ممر النقل "شمال جنوب" بين روسيا وأذربيجان وإيران للربط البرى بين الدول الثلاث، ليصبح بالإمكان الوصول من موسكو إلى سوريا برا. هذا المتغير الجيد فى الجغرافيا السياسية سيكون له تداعياته الواسعة، فالشاحنات والأفراد والقوات والأسلحة ستكون أمامها ممرات سهلة وآمنة بين هذه الدول، وسيكون لسوريا عمق استراتيجى يمتد من العراق إلى إيران وحتى موسكو، وسيكون بمقدور إيران أن ترسل أسلحة نوعية وثقيلة إلى سوريا أو لبنان، لم يكن من السهل نقلها بالسفن المرصودة أو الطائرات العسكرية المحدودة، فمن السهل تحريك بطاريات الصواريخ المضادة للطائرات المصنوعة فى إيران إلى شرق سوريا، ويمكن أن يغطى مداها كل سوريا ولبنان، وهى منظومة قريبة فى قدراتها من المنظومة الروسية إس 300، بل إن الصواريخ المتوسطة والقصيرة أرض أرض قد تكون توزعت فى جبال وصحراء الشرق السورى فور انسحاب داعش. كما تتحرك قوات الحرس الثورى الإيرانى على جانبى الحدود السورية والعراقية بكل سهولة، بل إنها وصلت قرب حدود الجولان، كذلك شاركت قوات عراقية فى معركة البوكمال من جانبى الحدود العراقية والسورية.
لا يقتصر هذا التواصل على الجانب العسكرى وحده رغم أهميته وخطورة نتائجه، وإنما سيمتد إلى الجانب الاقتصادي، بما فيه من مشروعات لتمديد أنابيب الغاز والنفط من بحر روسيا وبحر قزوين والعراق إلى الشواطئ السورية، وكذلك خطوط السكك الحديدية، بما يعزز التجارة البينية ومشروعات التنمية المشتركة.
أما ثانى أهم خسائر التحالف الأمريكى فى الحرب السورية فهى ظهور قوات عسكرية لم تكن موجوة، وأهمها وأقواها قوات الحشد الشعبى العراقي، التى ظهرت عقب انهيار الجيش العراقى الذى كان قد بناه الحاكم الأمريكى للعراق بول بريمر، أمام هجوم داعش المفاجئ، وتحول الحشد الشعبى من مجموعات متطوعين إلى مقاتلين متمرسين، استوعبوا الكثير من الأسلحة، وخاضوا معارك شرسة، ولم يخسروا أى معركة، وحسموا معظمها بسرعة تفوق الجيش العراقي، لما تتمتع به من مرونة فى الحركة ودوافع عقائدية، ويبلغ عدد قوات الحشد الشعبى أكثر من 150 ألف مقاتل، كما خسرت أمريكا كردستان العراق، التى كانت شبه مستقلة، وتحظى فيها الولايات المتحدة وإسرائيل بنفوذ كبير، لتأتى مقامرة مسعود البرزانى بإجراء الاستفتاء، لتطيح بالاستقلال غير المعلن ومعه النفوذ الأمريكى وورقة أمريكا القوية فى العراق:
القوات الأمريكية قليلة العدد فى سوريا والعراق لا تعرف ما هو دورها بعد القضاء على دولة داعش، فلا هى مستعدة للبقاء عنوة، ولا هى راغبة فى المغادرة، وفى كلتا الحالتين ستواجه مأزقا خطيرا، لأنها لن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، وقد تتعرض إلى حرب عصابات تستنزفها أو تجرها لحرب غير قادرة على خوضها.
الخسارة الإستراتيجية الأكبر للولايات المتحدة كانت انتقال تركيا من رأس حربة التحالف الأمريكى إلى عضو غير معلن فى التحالف الروسى الإيراني، وتنسق عسكريا واقتصايا مع كلتا الدولتين، وإذا ما التحقت قطر بتركيا ستكون الخسارة أفدح، لأن روسيا وإيران وقطر يملكون معظم انتاج العالم من الغاز.
رغم عدم الإفصاح عن هذه النتائج الخطيرة للحرب السورية، فإنها عبرت عن نفسها فى أكثر من مكان، سواء بالغضب الأمريكى المحتدم فى مجلس الأمن، والذى لم تخففه مكالمة هاتفية تجاوزت الساعة بين الرئيس الأمريكى ترامب والرئيس الروسى بوتين، ومطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إيهود باراك باستقالة رئيس الوزراء الحالى نيتانياهو لفشله فى إدارة الأزمة السورية، ونتائجها التى جعلت إسرائيل فى وضع أسوأ مما كانت عليه عام 2011، مستقبل سوريا يبدو اكثر وضوحا، فقد تراجع دور معارضة الخارج مع هزيمة داعش، وأصبح المطروح هو وضع دستور سورى جديد، يقوم على علمانية الدولة، وتأكد مبدأ المواطنة، وتوسيع الحريات العامة، وإجراء انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية بإشراف الأمم المتحدة، من المرجح أن يفوز فيها بشار الأسد بأول دورة رئاسية فى ظل الدستور الجديد، مكللا بانتصار كبير، يمنحه شرعية جديدة، تستعيد بها سوريا دورها العربى والإقليمي.