الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخطر الوجودي وحرب الإلغاء

الخطر الوجودي وحرب الإلغاء

27.05.2015
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الثلاثاء 26/50/2015
الخطابات الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصر "عصبية وقلقة ومتوترة" إلى أبعد الحدود، فقد أعلن أن الحرب التي يخوضها حزبه في سوريا هي "حرب وجودية"، مما يعني أن نتيجة المعادلة في هذا الصراع "صفرية"، فانتصار طرف يعني إلغاء الطرف الآخر نهائيا من المشهد ودفعه إلى الاستسلام، وقد فسر نصر الله ذلك بوضوح بقوله إن "المعركة مع المشروع التكفيري معركة وجود" وأنه "ليس خطرا على المقاومة في لبنان أو على طائفة أو نظام في سوريا أو حكومة في العراق أو جماعة في اليمن، بل هذا خطر على الجميع، لا يدس أحد رأسه في التراب". وقرر أن هذا الخطر الوجودي غير مسبوق: "إننا اليوم أمام نوع من الخطر لا مثيل له في التاريخ، وعلى الجميع في لبنان والمنطقة تحمل مسؤولياتهم في مواجهة هذا الخطر والخروج من التردد والحياد والصمت.. عندما يحدث خطر وجودي تسكت المعارضة، بل تتعاون مع الحكومة وتؤجل كل المعارك الأخرى". وهدد "سنستخدم كل قوتنا وكل إمكاناتنا لمواجهة التكفيريين، وسنقاتل في كل مكان، بلا وجل ولا استحياء من أحد، سنقاتل بعيون مفتوحة، ومن لا يعجبه خيارنا فليفعل ما يراه مناسباً له"، تجاوز نصر الله ذلك إلى استدعاء تاريخ الصراع بين الصحابة داعيا إلى إكمال الحرب التاريخية وقال: "يجب أن نكمل إلى صفين ومن يثبت في صفين يكون قد وصل".
زعيم حزب الله عدد الخيارات المتاحة أمام الشيعة حاليا وهي إما "القتال" كخيار أول أو الاستسلام للذبح وسبي البنات والنساء كخيار ثان، أو الهروب والتشرد والنفي و"أن يهيم الشيعة على وجوههم في البلدان ذليلين من نكبة إلى أخرى"، ومن ضمن هذه الخيارات دعا إلى تبني خيار القتال في "هذه الحرب لو استشهد فيها نصفنا وبقي النصف الآخر ليعيش بكرامة وعزة وشرف سيكون هذا الخيار الأفضل. بل في هذه المعركة، لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي ربع بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل.."، ثم يدعو إلى الحشد: "إذا استنهضنا الهمم، وكنا على قدر المسؤولية فسنحطم عظامهم. وكل من يثبط أو يتكلم غير هذا الكلام هو غبي وأعمى وخائن"
ووصف الشيعة الذين يخالفونه الرأي بأنهم "شيعة السفارة الأمريكية خونة وعملاء وأغبياء، ولن يستطيع أحد أن يغير قناعاتنا ولن نسكت بعد اليوم ولن نداري أحداً. هي معركة وجود، وكذلك معركة عرض ومعركة دين، ولا دين لنا مع هؤلاء التكفيريين"، ويختم بإعلان الحرب الشاملة: "الآن وقت التعبئة. الكل يستطيع أن يشارك.. قد نعلن التعبئة العامة على كل الناس، قد نقاتل في كل الأماكن. لن نسكت لأحد بعد اليوم، ومن يتكلم معنا سنحدق في عينيه ونقول له أنت خائن، أكان كبيراً أم صغيراً".
نصر الله أعلن أن مقاتليه يقاتلون في كل مكان في سوريا: "قتالنا في سوريا تجاوز مرحلة التدريج"، بعدما كان يبرر تدخله سابقا بحماية المقامات الدينية أو الحدود اللبنانية. وقال "نقاتل إلى جانب إخواننا السوريين، إلى جانب الجيش والشعب والمقاومة الشعبية في دمشق وحلب ودير الزور والقصير والحسكة وإدلب..". وأضاف "نحن موجودون اليوم في أماكن كثيرة وسنتواجد في كل مكان في سوريا تقتضيه هذه المعركة"، وقال: "لو لم نقاتل في حلب وحمص ودمشق، كنا سنقاتل في بعلبك والهرمل والغازية وغيرها"
تعمدت أن أورد نصوصا طويلة مما قاله حسن نصر الله في آخر خطابين له، دون أن أقوم بعمل أي "مونتاج" أو قص ولصق، وأوردت عباراته كاملة دون أن أخرجها من سياقها، حتى تكون شاهدا شفافا وصدقا ومهنيا.
هذه التصريحات تعبر عن الورطة الكبيرة لحسن نصر الله الذي ورط حزبه في حرب ضد الشعب السورية وثورته، ووضع نفسه في سلة واحدة مع نظام الأسد الدكتاتوري الدموي القاتل، وأراد هذا حسن نصر الله أن يسدد الفواتير لإيران على الساحة السورية، لكنه اكتشف في النهاية أن هذه الحرب هي حرب وجودية، لأن نهاية نظام الأسد في سوريا تعني نهاية حزب الله في لبنان، لكنه تعمد أن يخلط بين نهاية حزبه الذي دعم حربا فاشلة، وبين نهاية الشيعة في المنطقة، وهو خلط كبير للأوراق يستخدمه نصر الله لكي لا يفقد حاضنته الشعبية الشيعية التي تقدم الكثير من الدماء في سوريا، ويخيرهم بين القتال معه أو التعرض للقتل والنفي والسبي، ويعتبر أي شيعي يقف ضد مشروعه بأنه "خائن".
هذان الخطابان يؤشران إلى أن نصر الله يقر ضمنيا أن نظام الأسد يخسر حربه ضد الشعب السوري، وأنه سيكون الخاسر التالي في المرحلة المقبلة، وهذا هو سبب العصبية الكبيرة لزعيم حزب الله.