الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخلافات العقائدية والسلوكية والتنظيمية بين "الجبهة الإسلامية" و "داعش"

الخلافات العقائدية والسلوكية والتنظيمية بين "الجبهة الإسلامية" و "داعش"

27.01.2014
الحياة


الاحد 26/1/2014
يستغرب كثيرون من المتابعين ما يشهده شمال سورية من صراع بين "الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"الجبهة الإسلامية". فالاشتباكات الدائرة بين أخوة الدين والسلاح تثير جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية والإسلامية، وخصوصاً أن كلا الطرفين ينتميان للمدرسة السلفية الجهادية. وهنا نحاول قدر الإمكان تبيان الفروقات العقدية والسلوكية والتنظيمية بين الطرفين:
1- لا شك أن توجهات معظم مكونات الجبهة الإسلامية سلفية (صقور الشام ولواء التوحيد أكثر اعتدالاً من أحرار الشام وجيش الإسلام)، ولا شك أيضاً أن توجهات "داعش" سلفية. لكن الفروقات دقيقة بين الطرفين. فالجبهة الإسلامية بمعظمها لا تقبل باستباحة قتل المخالفين لها بالدين كالشيعة والعلويين والمسيحيين، ما لم يقاتلوهم. فيما تستبيح "داعش" كل من خالفها في الدين، حتى ولو كان من أهل السنّة. تستبيح قتله لأنه يخالف ما تعتقده.
2- الجبهة الإسلامية لا تبيح قتل الحاضنة الشعبية للمناوئين لها، حتى لو كان ذووهم قتلوا مدنيين من المعارضة. (هناك بعض التيارات المتشددة داخل الجبهة تبيح قتل ذوي أعدائهم)، أما "داعش" فتقتل النساء والأطفال والشيوخ، على قاعدة "واعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم".
3- الدولة الإسلامية في العراق والشام حين تسيطر على أي رقعة تسعى إلى إقامة الخلافة فيها، وتطبيق شرع الله كما تراه. فتهدم القبور، وتمنع التدخين، وتفرض النقاب، وتمنع لبس الثياب الحديثة، أو قص شعر اللحية، وتنشىء المحاكم الشرعية.... أما الجبهة الإسلامية فالأولوية عندها إسقاط النظام، ولا تتدخل عادة بشؤون الناس. معسكراتها بمعظمها في الجبال والبساتين وعلى الجبهات.
4- "داعش" كانت ترفض أن تخوض أي معركة مشتركة ضد النظام إلا مع جبهة النصرة لانتماء الطرفين إلى الفكر والنهج نفسه. أما الجبهة الإسلامية فلا ضير عندها أن تخوض معارك ضد النظام بالتنسيق مع كتائب أخرى. ولعل هذا التنسيق المتكرر في جبهات عدة ساهم في التقريب بين عناصرها وعناصر الجيش الحر.
5- معظم عناصر الجبهة الإسلامية سوريون. وقادتها معروفون كزهران علوش المولود في دوما، وأحمد الشيخ المعروف في جبل الزاوية. ولهذا يتوافر لعناصرها حاضنة شعبية كبيرة. أما الدولة الإسلامية في العراق والشام فهي تنظيم دخيل ووافد. ومعظم عناصرها ليسوا سوريين. ولا يفهمون طبيعة الشعب السوري ولا عاداته ولا تقاليده. رُحب بهم بادئ الأمر حين ظن المواطنون السوريون في حلب ومحافظات شمال سورية أن هؤلاء جاؤوا لنصرتهم، لكن سرعان ما انفض الناس عنهم وانقلبوا عليهم بعد ما رأوه من سوء أعمالهم.
6- هناك اختلاف كبير في طريقة الانضمام إلى "داعش" أو "النصرة" من جهة أو إلى الجبهة الإسلامية. فـ "داعش" و"النصرة" يشترطون لكل من يريد أن ينضم إليهم أن يحظى بتزكية عدد من مشايخهم. ويجب أن يخضع لدورة تثقيفية، مدتها من ثلاثة إلى ستة أشهر، في قضايا الدين وفكر التنظيم. بعد ذلك، يخضع لدورة عسكرية ويبايع قائد التنظيم على السمع والطاعة. أما الجبهة الإسلامية فالانضمام إلى فصائلها كأحرار الشام أو لواء التوحيد أو جيش الإسلام أو صقور الشام لا يحتاج إلى هذه التعقيدات. وإذا ما عدنا قليلاً إلى بدايات الثورة السورية، يسهل علينا فهم كيف تكونت هذه الكتائب والجبهات. بدأ الإسلاميون السوريون يشكلون كتائب صغيرة في مدنهم وبلداتهم، وقد رأيت الكثير من هذه التشكيلات الصغيرة، وكيف كانت تتشكل. بعد سنة أصبحوا أكثر تنظيماً وتماسكاً. الكتيبة أصبحت لواء، واللواء انضم إلى لواء أكبر منه، ثم بدأت الألوية تتوحد وتشكل جبهات، لتتوحد أخيرا معظم هذه الألوية والجبهات تحت راية الجبهة الإسلامية... فالانضمام كان يخضع في البدء لمعيار الالتزام ومعرفة هوية هذا الشخص في بلدته أو قريته. لهذا نجد بنية الجبهة متماسكة، وأعضاؤها يعرفون بعضهم البعض منذ زمن بعيد (مثلاً عناصر الجبهة الإسلامية في مدينة الزبداني، كلهم أو معظمهم من الزبداني). لهذا يصعب اختراق الجبهة الإسلامية بعكس "داعش" أو "النصرة"، التي تعتمد على أسلوب التزكية المشيخي (عمادها الثقة بأي إنسان يدّعي أنه مسلم من أي منطقة أتى)، والتثقيف السريع، من دون أن تدري بخلفيّات الرجل وتوجّهاته وارتباطاته.
7- إذا ما تتبعنا سلوكيات عناصر "داعش" نراها تختلف عن سلوكيات الجبهة الإسلامية. فعناصر "داعش" لا يسمحون لأي منهم بالتدخين، كما لا يجلسون مع مدخن، ولا يسمعون الغناء، وشعورهم طويلة، ولا يقصون لحاهم، ويلبسون ثيابا فضفاضة معروفة باللباس الأفغاني. أما عناصر الجبهة فتجد الكثير منهم يمارس عادة التدخين، ويشذب لحيته، ويقص شعره، ويلبس البنطال الغربي.
8- الدولة الإسلامية في العراق والشام تتبع للتنظيم العالمي للقاعدة، فهو تنظيم يتخطى الجغرافيا السورية ولا يتقيد بالحدود. أما الجبهة الإسلامية فهي تنظيم سوري بامتياز محلي المنشأ، ولد من رحم المناطق السورية.
9- نفوذ الجبهة الإسلامية منتشر على كامل الجغــرافيا السورية تقريباً، أما وجود عناصر "داعش" فيــــتركز فقـط في الشمال السوري، في الرقة ودير الزور وريـــف حلـــب وإدلب. وقد حاولوا خلال الأشهر الماضية التمدد باتجاه ريف دمشق، وأرسلوا نحو ثلاثمئة مقاتل إلا أن الجبهة الإسلامية أرسلت لهم كلاماً واضحاً وحاسماً عبر "جبهة النصرة" بأن مناطقنا ليست بحاجة لكم، وكتائبنا قادرة على حماية مناطقنا. لذا انحصر وجودهم في منطقة النبك في القلمون، لينسحبوا في ما بعد إلى يبرود بعد سيطرة الجيش السوري على النبك.
10- بات من المعروف والواضح من يموّل الجبهة الإسلامية، سواء كان تمويلهم عبر رجال أعمال خليجيين أو أوروبيين أو سوريين أو تتبنى تسليحهم دول إقليمية. وقد استطاعت الجبهة إلى حد ما، أن تتموضع في لعبة المحاور الدولية، وتدخل في السياق الطبيعي للصراع العالمي، وتتحول إلى جناح وذراع لقوى كبرى إقليمية ودولية. لكن "داعش" ظل تنظيماً مارقاً، لا يتبع لأي جهة إقليمية أو دولية وازنة. ولهذا وضع على قائمة الإرهاب، وتجري ملاحقته من كل دول العالم بصفته تنظيماً يعادي ويحارب الإنسانية، ويعلن حربه على كل المحاور والقوى. في تقديرنا قد تتدخل قوى أخرى غير الجبهة في أي لحظة إذا ما تم التوافق إقليمياً ودولياً على تصفية "داعش".
11- كلا التنظيمين الإسلاميين يعملان على إقامة الخلافة الإسلامية. لكن الفارق بينهما هو في الأولويات. فـ "داعش" تقيم ولايات للدولة الإسلامية وتطبق شرع الله (كما تفهمه طبعاً) في المناطق التي تسيطر عليها. بينما لم تعلن الجبهة الإسلامية في أي بلدة أو مدينة أن تلك الناحية تحولت إلى ولاية إسلامية. فالأولوية عند الجبهة الإسلامية هي إسقاط النظام، وبعدها تسعى لإقامة حكم الله على الأرض. وبتقديري لا يملك قياديو الجبهة رؤية واضحة وتفصيلية لماهية الدولة الإسلامية، كل تصريحاتهم عامة وغير متماسكة ولا تقدم رؤية متكاملة وواضحة. (أصلاً الدين الإسلامي لم يضع برامج تفصيلية للحكم، بل هناك مقاصد وقواعد عامة وكليات، يستنبط العلماء على ضوئها أحكاماً تتناسب مع العصر الراهن وتراعي الفطرة الإنسانية والعلاقات المجتمعية، من قال إن نظام الخلافة يصلح مع روح العصر الحديث).
12- منذ دخلت "داعش" كان جل اهتمامها ينصب على السيطرة على المدن والقرى التي تضم آبار النفط. بعكس فصائل الجبهة الإسلامية التي كان عناصرها ينتشرون على الجبهات.
13- خبرة عناصر الدولة الإسلامية في العراق والشام كبيرة، أكسبتهم إياها المعارك التي خاضوها في كثير من البلاد العربية والإسلامية. أما الجبهة الإسلامية فخبرة عناصرها لا تتجاوز عمر الثورة. لكن معرفة أفراد الجبهة بالأرض وبالأهالي والأعراف الاجتماعية تفوق بكثير معرفة عناصر "داعش" الوافدين. وهو الأمر الذي ربما يساعد أكثر عناصر الجبهة.
14- ثمة اعتقاد سائد في أوساط المعارضين بأن تنظيم "داعش" هو تنظيم غامض ومثير للريبة. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون مخترقاً على مستوى واسع من النظام السوري وقوى إقليمية ودولية. فتصرفاته الغريبة والمستهجنة لا تصب إلا في مصلحة النظام. أما الجبهة الإسلامية فخطها واضح، وعناصرها معروفون، قبل الثورة والآن.