الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الخليجيون وإيران: لتبنى الثقة أولاً

الخليجيون وإيران: لتبنى الثقة أولاً

03.06.2014
عوض البادي



الحياة
الاثنين 2/6/2014
لا مصلحة لأحد في منطقة الخليج من وجود صراع بين العرب والإيرانيين، ولا مصلحة لأحد بأن تبقى الخلافات هي ديدن العلاقات بين دول الخليج العربية وإيران. وفي الوقت نفسه لا تحل الأمور بالخطابات والتصريحات وإبداء المشاعر الطيبة والرغبة في تحسين العلاقات، فالقضية الرئيسة وراء عدم استقرار هذه العلاقات وتوسع سوء الفهم والخلافات والنزاعات عدم الثقة المزمن بين الطرفين، والتجربة الخليجية - الإيرانية في التفاهمات المرحلية لم تؤد إلى بناء ثقة تسمح بالبناء عليها لمستقبل أفضل للجميع.
لقد طبع عدم الثقة العلاقات الإيرانية - الخليجية في مراحل تاريخية مختلفة، وشكل هذا العامل عائقاً رئيساً أمام بناء علاقات سليمة وطبيعية بين الطرفين تسهم في إيجاد مناخ سياسي آمن في المنطقة، وإيجاد منظومة أمنية تتمكن من خلالها الأطراف من النأي بمنطقتهم الاستراتيجية عن النزاعات والتوترات التي تزيد وتيرة عامل عدم الثقة.
خلال العقود الماضية وعلى رغم وجود علاقات ديبلوماسية ثنائية بين دول المنطقة وإيران، إلا أن هذه العلاقات كانت دائماً ضحية لهذا العامل، لأنها لم تنجح في إيجاد ثقة تسمح بالسير بهذه العلاقات إلى مستوى يسمح ببناء سلام واستقرار لمنطقتهم.
يعود سبب انعدام الثقة كما يراه الخليجيون إلى أن إيران تريد الهيمنة على المنطقة، وتتدخل في شؤون دولهم الداخلية مهددة بذلك وحدة نسيجها الاجتماعي على أسس طائفية، والعمل الدؤوب على تصدير ثورتهم.
هناك خطابان في إيران: خطاب إيران الدولة الذي يقول بالانفتاح والتعاون والرغبة في إيجاد الحلول، وخطاب إيران الثورة الذي هو خطاب عقدي يناقض خطاب الدولة ويعمل بمعزل عنها، لأن هدفه النهائي هيمنة إيران على محيطها وعلى أمتها الإسلامية، وتحقيق حلم الثورة بأن تكون ثورة لكل المسلمين.
ويعود سبب انعدام الثقة كما يراه الإيرانيون إلى أن دول الخليج دول تابعة للشيطان الغربي الذي يعادي الثورة الإسلامية في إيران ويريد القضاء عليها، إذ دعموا صدام حسين في حربه ضدهم، وسياسات هذه الدول لا تختلف عن سياسات الغربيين في هذا الجانب، فهم يريدون إيران ضعيفة وغير مستقلة في سياستها الخارجية، ويشجعون الغرب على التدخل في شؤونهم وفرض العقوبات عليهم، لكي لا ينجحوا في تحقيق طموحاتهم العلمية والتقنية والاقتصادية وبالتالي نجاحهم السياسي، وفوق هذه يضطهدون الشيعة في بلادهم ومن واجبهم حمايتهم.
كيف يمكن بناء الثقة بين الدول الخليجية وإيران والتوفيق بين رؤيتين وموقفين يتناقضان في جوهرهما، بل إن أحدهما وهو الإيراني يحمل في كنهه خطراً وجودياً كما يراه الخليجيون؟
قُدمت العديد من المشاريع والرؤى والأفكار التي حاولت الإجابة عن هذا السؤال، ولكنها جميعاً تتبخر عندما تصدم بالواقع، فالثقة المطلوبة للنجاح في تهدئة الأوضاع والانطلاق في البحث عن مستقبل آمن للجميع في المنطقة لا تتحقق، إذ تكذب الأفعال كل الأقوال.
هل من مسار آخر يمكن للطرفين العربي الخليجي والإيراني اتباعه أو تجربته لتجاوز هذه العقبة الكأداء من عدم الثقة، والانتقال نحو المستقبل بأمان واطمئنان لكلا الطرفين، وبروح من الثقة والتعاون والتكامل بما يخدم السلام الإقليمي وحتى السلام العالمي؟
ربما تكون دروس التاريخ مفيدة في هذا الجانب، وأهمها الدرس الأوروبي الذي تجاوز بعد الحرب العالمية الثانية الشرخ العميق الذي أصاب القارة وتقسيمها بين معسكرين، أحدهما يحمل آيديولوجيا شمولية ويسعى لانتصارها في كل مكان، وهي الآيديولوجيا الشيوعية.
أراد المعسكران تجنب السماح لأي ظروف أن تقودهم إلى حرب عالمية ثالثة، فأوجدوا على رغم حربهم الباردة أطراً ومؤسسات تتيح لهم تحقيق هدفهم النهائي، وهو عدم الانزلاق إلى المواجهة العسكرية وإدارة الأزمات وحل القضايا العالقة بين المعسكرين، وإيجاد مناخ سلمي للتعايش بين أنظمة سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة، وبالتالي الحفاظ على السلام الذي فرضت حدوده نتائج الحرب العالمية الثانية.
انطلقت في الخمسينات فكرة عقد مؤتمر عام للأمن والتعاون في القارة الأوروبية لأجل تحقيق هذه الأهداف، وبعد أخذ ورد على كل المستويات الإقليمية والدولية لأعوام عدة ومفاوضات طويلة عرفت بعملية هلسنكي، عقد المؤتمر في هلسنكي عام 1975، وأقر المؤتمر ما عرف باتفاقات هلسنكي أو إعلان هلسنكي. كان الأهم في هذه الاتفاقات التي أدت إلى تأسيس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا هي المبادئ العشرة التي اعتمدتها هذه الوثائق، وشكلت القاعدة التي حكمت العلاقات بين الدول المشاركة في هذه الاتفاقات، والمبادئ هي:
- المساواة في السيادة، واحترام حقوق السيادة كافة.
- الامتناع عن التهديد واستخدام القوة.
- حصانة الحدود.
- عدم المساس بوحدة الدول.
- حل الخلافات بالطرق السلمية.
- عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
- احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية بما فيها حرية التفكير والمعتقدات.
- المساواة في الحقوق، وحق تقرير المصير للشعوب.
- التعاون بين الدول.
- تنفيذ الالتزامات والتعهدات الدولية كافة بنية صادقة بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي.
وإذ التزمت الدول الموقعة هذه المبادئ تحقق لها في النهاية السلام المرجو، وتجاوزت أوروبا الحرب الباردة بسلام، وأصبحت منظمة الأمن والتعاون الإطار الأكثر أهمية في إدارة العلاقات بين الدول المنتمية لها وذلك بالعمل على منع النزاعات وإدارة الأزمات، والتعامل مع قضايا ما بعد الصراعات وغيرها من القضايا.
لقد شكلت المبادئ العشرة لإعلان هلسنكي والالتزام بها القاعدة الرئيسة لإيجاد الثقة المطلوبة بين أطرافها المختلفة، فهي قد تكون أيضاً القاعدة الرئيسة في إيجاد الثقة المطلوبة بين دول الخليج العربية وإيران.
لما لا نطلق في المنطقة مساراً مشابهاً بالمبادئ نفسها؟ لعلنا ننتقل بعلاقاتنا من وضع عدم الثقة إلى وضع يسمح لنا جميعا بأن نتعاون بما فيه خير منطقتنا واستقرارها، ولما لا يقوم مجلس التعاون لدول الخليج العربية بأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن، ووضعها أمام إيران لتبدأ عملية حقيقية لبناء الثقة المطلوبة والضرورية لعلاقات جوار تخدم الطرفين؟