الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الدور الإقليمي: ضرورة أم رغبة؟

الدور الإقليمي: ضرورة أم رغبة؟

21.11.2017
د. باسم الطويسي


الغد الاردنية
الاثنين 20/11/2017
عاد الأردن مجددا في الدفع نحو الحفاظ على مجاله الحيوي في الجنوب السوري عبر الاتفاق الذي وقع عليه مؤخرا في عمان من قبل الولايات المتحدة وروسيا والأردن لإنشاء منطقة خفض تصعيد جديدة في جنوب سورية، بعد نحو 4 اشهر من اتفاق وقف إطلاق النيران في الجنوب، الأمر الذي يجعل الأردن عمليا الطرف العربي الوحيد الفاعل سياسيا في الأزمة السورية من منظور الحل السياسي والمفتوح على كافة الأطراف، بما في ذلك السلطة الرسمية في دمشق؛ المثال السوري لا يختلف كثيرا في طريقة تحرك الدبلوماسية الأردنية وحدود المناورة المتاحة لها في الأزمات الإقليمية التي لا تتوقف سواء في العراق أو لبنان أو غيرهما؛ الحقيقة التي تذهب إلى أن مفهوم الدور الإقليمي بالنسبة للأردن اليوم، وكما كان بالأمس القريب يقع في دائرة الضرورة والحاجة، وليس في دائرة الرغبة والترف السياسي، بمعنى أنه لا يمكن أبدا القول إننا سنغلق أبوابنا حتى تمر العواصف.
تدل العديد من المؤشرات على أن الدور الإقليمي للأردن في هذه المرحلة ضرورة للبقاء والاستمرار والاستقرار أكثر من أي وقت مضى وسط حالة التحولات المتوالية بسرعة في المنطقة، وزيادة التعقيدات التي يمكن أن نقف على مجموعة من السمات الجديدة توصف بها، هذه التحولات التي تزيد من تعقيد الموقف وأهمها: أولا؛ أن التحولات الراهنة تشهد انتقال القوة ومراكز الافعال السياسية والاستراتيجية الى عواصم جديدة لا تبحث عن شركاء بقدر ما تسعى نحو انقياد وانضباط الإقليم خلفها بشكل غير مسبوق، حتى في اكثر لحظات الانقسام الإقليمي التي شهدتها المنطقة. ثانيا: ان التحولات السياسية والاستراتيجية التي تشهدها المنطقة وما تشيده من تحالفات لا تنتمي إلى دائرة التحالفات التقليدية التي تملك قاعدة أيديولوجية أو سياسية، أو على الأقل وضوحا سياسيا، فالتحالفات الجديدة تفتقد إلى قواعد واضحة للحركة، ولا وضوح سياسيا يعتد به. ثالثا: تشهد المنطقة استدارة تاريخية في إعادة تعريف الأعداء وأساليب الصراع وحتى مفهوم الأمن الإقليمي ومصادر التهديد.
وسط هذه التحولات؛  يبدو أن الأطراف الإقليمية الصغيرة تراقب تحولات الكبار وخطوط الاصطفاف الجديدة بحذر شديد وقلق غير مسبوق، بانتظار حسم غير مضمون، وبانتظار اكتشاف طبيعة القواعد الجديدة التي سوف تدار من خلالها التفاعلات الصراعية والتعاونية، هناك أطراف تسعى إلى ما يسمى النأي بالنفس أو الهروب النظيف من الاصطفاف والمحاور، قد يصلح ذاك مع بعض الدول، ولكن ثمة أطراف أخرى ومنها الأردن لا يمكن ان تكتفي بأي شكل من الأشكال بنظرية النأي بالنفس، لأن كثيرا مما يحدث يصب في المصالح الوطنية وبعضه يهددها بشكل أو آخر.
فيما من المتوقع أن خريطة الاصطفاف القادمة ستعمل على تهدئة الصراعات القائمة في المناطق الملتهبة بدون أن تحلها، ومن المتوقع أن تتراجع قوة نظرية الجزر في خريطة التحالفات وسط أزمات الموارد القاسية التي تضرب كافة الاطراف. في المقابل قد تكثر العصي وتزداد التدخلات الإقليمية، وبعضها قد يولد أشكالا جديدة من الصراعات سوف تكون مقدمة لصراعات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
لقد خبر الأردن خلال العقود السبع الماضية حالات تطرف في السياسة الإقليمية، وتعلم العيش بأمان وسط الكبار، ولكن في كل مرحلة كانت هناك وصفة مختلفة ليس للنأي بالنفس مكان فيها، بل الاشتباك الذي تفرضه الضرورة.