الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الفرز بين الكتائب المقاتلة في سوريا

الفرز بين الكتائب المقاتلة في سوريا

25.05.2014
د. محمد مصطفى علوش


الشرق القطرية
السبت 24/5/2014
قبل أيام وقعت الفصائل المقاتلة في سوريا (الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، فيلق الشام، جيش المجاهدين، ألوية الفرقان، الجبهة الإسلامية) على ميثاق شرف ثوري للكتائب المقاتلة على الأرض يرتكز على 11 نقطة، تؤكد فيها سعيها لإقامة دولة العدل في البلاد بعد زوال نظام الأسد دون أن تحدد هوية هذه الدولة.. هل هي الدولة الإسلامية التي تسعى لإيجادها جبهة النصرة و"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، أم أنها دولة تعددية مدنية كتلك التي يسعى ويحفد إليها الائتلاف الوطني؟
الميثاق ترك الباب مواربا، وهو ما يعتبر تطورا نوعيا في فكر وأدبيات تنظيمات سلفية تمارس العمل الجهادي، وهي وفق تقسيم الباحثين، تصبّ في خان السلفية الجهادية الوطنية، أي تلك التي تعمل ضمن رقعة جغرافية محددة يحمل أفرادها جنسية ما يعرف بالحدود السياسية للدولة.
وإذا كان الهدف هو إسقاط النظام ومن يسانده عسكريا، مثل إيران وحزب الله ولواء أبي الفضل عباس أو داعش، التي تعرقل تقدم المعارضة، فإنه لا مانع من التعاون مع أطراف إقليمية ودولية في سبيل ذلك. ينص الميثاق الذي أكد الالتزام بتحييد المدنيين في دائرة الصراع، وعدم امتلاك أسلحة دمار شامل على الحفاظ على وحدة التراب السوري، ومنع أي مشروع تقسيمي بكل الوسائل المتاحة.
وقد أثنى على ميثاق الشرف عدد من منظري التيار الجهادي، أمثال الشيخ الكويتي حامد العلي والشيخ السوري أبو بصير الطرطوسي، وكلاهما له أتباع ومؤيدون بين الفصائل المقاتلة.
أما المهاجر السعودي إلى أرض الشام الدكتور عبد الله المحيسني فقد رأى أن الميثاق فيه كثير من الإبهام والالتباس، حيث يفتح المجال لمزيد من التنازلات والفرقة والاختلاف. في حين أثار حفيظة تنظيمي داعش وجبهة النصرة، حيث اعتبر تنظيم الدولة أن الصحوات في سوريا كشفت عن وجهها الحقيقي.
أما جبهة النصرة فنقدت الميثاق بندا بندا ورأت أن أغلب بنوده، مثل قتال النظام أو داعش، أمر واقع وقد توحدت الفصائل حوله ولا يحتاج إلى ميثاق للتأكيد عليه.
وبالتالي توجهت الأنظار إلى البنود الأخرى التي تمثل القطبة المخفية من صدور الميثاق أو المؤشر على غاياته الحقيقية. فالبند السادس من الميثاق نص على أن "قوانا الثورية تعتمد في عملها العسكري على العنصر السوري"، بينما أكد البند السابع على أن "الشعب السوري يهدف إلى إقامة دولة العدل والحرية". وهو يعني رفضاً للمهاجرين الذين وفدوا إلى سوريا مع كل من جبهة النصرة وتنظيم داعش، ولم يذكر بشكل صريح وواضح أن الهدف هو إقامة دولة إسلامية في سوريا بعد سقوط النظام وهو أمر تتقاطع أهداف كل من الجبهة وداعش عليه. وهكذا يعتبر ولادة هذا الميثاق هو نقطة المفاصلة والتمايز بين الفصائل المقاتلة على الأرض السورية وبين تنظيمي جبهة النصرة الفرع الرسمي لتنظيم القاعدة في سوريا وبين تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وبذلك، تتضح صورة القتال الدائر بين الفصائل المتشددة ضد بعضها البعض من وجهة نظر "داعش". فهو لا يعتبر القتال من قبيل "الفتنة ولا البغي ولا رد الصائل"، وإنما هو "حرب ردة"، ومعنى ذلك أنه لا سبيل لانتهائها إلا بإعلان "أمراء الجبهة الإسلامية" كفرهم وتوبتهم عن هذا الكفر، وكما هو متوقع فإن ذلك لا بد أن يكون أمام قادة "الدولة الإسلامية".
جبهة النصرة التي وقفت إلى جانب الفصائل السورية المقاتلة ضد داعش وتعاونت معها في أكثر من معركة تخشى من أن يكون الميثاق موجها بالدرجة الأولى ضدها وضد "المهاجرين"، أي المقاتلين الأجانب على الأرض السورية. لذا تحدثت في بيانها عن قلقها من نفس "الأخوة الوطنية والترابية في بنود الميثاق جميعها" فيما هو مخالف لما قررته نصوص الوحي من الأخوة الإيمانية دون النظر إلى الوطن والجنس واللون ونحو ذلك. وإذا كان الميثاق هدف إلى "إقامة دولة العدل والقانون والحرية"، فـ"النصرة" تؤكد أنها لا تريد إلا دولة "تقوم على حاكمية الشريعة بلا خفاء ولا مداورة، بل ونعلنها بكل صراحة بأننا لن نقبل بأي دولة مدنية أو ديمقراطية أو أي دولة لا تقوم على حاكمية الشريعة".
وهكذا تتبدى الأمور وتتباين المواقف تمهيدا للمفاصلة والفرز في إطار تخطيط إقليمي ودولي يريد إعادة ترتيب الأوضاع في سوريا على قواعد جديدة، والبداية ميثاق شرف الثوري هو بمثابة بيان رقم واحد في أي انقلاب عسكري.