الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرسالة الثانية من صديقتي في سوريا

الرسالة الثانية من صديقتي في سوريا

08.10.2013
البتول الهاشمية


المدينة
الاثنين 7/10/2013
الرسالة الثانية من صديقتي في سورياأكتب لكِ من تخوم المجزرة القريبة من بيتي، الجثث متناثرة وكأنها المشهد الأخير من فيلم رعب انتهى بمقتل الجميع، التنفس صعب، ورائحة البارود تملأ الهواء، الآن هناك امرأة تُفتِّش عن صغيرها بين القتلى، ولأول مرة في حياتها تبحث عنه وتدعو الله ألا تجده.
***
نحن الآن على حافة المجاعة، الصغار يستيقظون باكراً حتى لا يسبقهم أحد إلى حاويات النفايات، من يدري لعل أحدهم يكون محظوظا بما يكفي ليجد أطعمة ما تزال صالحة للاستخدام.
أخبرتني أختي بالأمس أن فتاة صغيرة قالت لوالدها: لقد اقترب الغروب يا أبي ولم نتناول الإفطار بعد، ومر وقت طويل ولم يجبها والدها بأية كلمة حتى الآن، الطبيب قال في تقريره: سكتة قلبية والأسباب مجهولة.
***
لم يذهب الأطفال إلى المدرسة هذا العام، لقد تم تدمير آلاف المدارس، ومع هذا تعلّمنا في سنتين أكثر بكثير من نصف قرن مضى، عرفنا أن الإنسانية ليست إلا خدعة كبرى، وأن كل المنظمات الحقوقية ليست أكثر من كلاب مربوطة لا تنبح إلا إذا طلب منها أصحابها فعل ذلك!!
***
هل تعرفين بائع العصير الذي كنتِ تساعدينه، من ثلاثة أيام وجدوه مقتولاً، لا أحد يدري من، أو حتى كيف..
الغريب أنه لم يتبنَ في حياته موقفاً سياسياً واحداً!
كانت قضيته الوحيدة تبدأ عندما يبيع كل ما في خزّانه الزجاجي من الشراب وبعدها يستوي عنده الحزب الديمقراطي الأمريكي.. بشركة جنرال إلكتريك.. بمجلس الأمن.. بمنظمة هيومن رايتس.. بحذاء ابنه الذي سيشتريه له بليلة العيد!!
***
هناك امرأة تدعى شام كانت تعيد ترتيب الزهور فوق قبر ابنها الوحيد الليلة، وهناك أيضا امرأة تدعى رايس تجلس في البيت الأبيض تعيد ترتيب الشرق الأوسط الجديد، هل هذه هي العولمة التي كنت تشرحينها لي.. بالمناسبة جاءت قذيفة في ذات المقبرة تركت خلفها حفرة كبيرة، وجاء الأهالي صباحاً ليعيدوا دفن أمواتهم، لا أدري أي وطن هذا حتى الأموات لم يعودوا فيه آمنين!
التوقيع: صديقتك.. التي لم تنساكِ.. فلا تنسيها!
***
بالهواء الطلق
يُخيّل إليَّ أحيانا حين أكتب..
أنه ينتظر عند بداية كل أول سطر.. متعرضاً للثلج والريح.. والحر!
وبين سنة وأخرى.. شبحه مازال يكبر بالمجهول..
ومازلت أحاول أن أنسج له صورة... بالمنفى!