الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرقصة الأميركية - الإيرانية على وقع طبول الحرب! 

الرقصة الأميركية - الإيرانية على وقع طبول الحرب! 

14.03.2021
هادي جان بو شعيا


النهار العربي  
السبت 13/3/2021  
 بات جلياً أن ارتفاع منسوب القلاقل الذي تشهده المنطقة عموماً والدول العربية خصوصاً، من المحيط إلى الخليج، يطفو على السطح في ظل تكدّس الملفات الساخنة والحسّاسة، بدءاً بالمتاهات التي دخل فيها الملف النووي الإيراني والحرب السورية، مروراً بالمحاولات العقيمة لإنضاج فكرة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولبنان المنكوب على وقع ضبابية المشهد، والعراق الملتهب والمستنزف، وصولاً إلى حرب اليمن التي أفضت إلى أفظع كارثة إنسانية تفتك بأرواح أطفالها وشبابها وشيبها من الجوع والمرض على نحو أشرس من الأسلحة على اختلافها التي تشهدها منذ قرابة ست سنوات. 
إزاء ذلك كله، تمضي الدبلوماسية القصوى التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ببطء لحلحلة الملفات المذكورة أعلاه، وهي تعلم جيّداً أن مربط الفرس يتجلى بالتوصل سريعاً الى مخرج يرضي أطراف النزاع المعنية بالملف النووي الإيراني، لما يشكّل من أوزار وأعباء ترخي بثقلها على معظم الحروب الدائرة حاليًّا، والحلول الجوهرية التي تمتلكها إيران في فك شيفرات النزاع القائم، كونها جزءاً لا يتجزأ منه على ساحات مختلفة. 
 يأتي ذلك، في وقت أدرجت فيه الولايات المتحدة الأميركية محققَين تابعيْن للحرس الثوري الإيراني على قائمتها السوداء، موجهةً لهما اتهامات بالضلوع في عمليات تعذيب وانتهاكات أخرى لحقوق الإنسان. في ما بدا أنه أوّل إجراء من نوعه ضد طهران في عهد إدارة بايدن. 
وتزامن ذلك مع اتصال هاتفي أجراه الرئيس الإيراني حسن روحاني برئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، طالب فيه الأخير طهران بضرورة انتهاز فرصة استعداد الإدارة الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي. 
فأي دور ستلعبه بريطانيا في هذا المسعى؟ 
ولماذا يركّز جونسون على ملف المعتقلين في إيران من أصحاب الجنسية المزدوجة في يوم تفرض فيه واشنطن عقوبات متعلّقة بحقوق الإنسان على الجمهورية الإسلامية؟ 
يتمثل الهدف الرئيسي للمكالمة الهاتفية هذه بالإفراج عن المعتقلة البريطانية نازانين زاغاري راتكليف المحتجزة في إيران لمدة خمس سنوات. إذ إن هناك أموالاً إيرانية مجمّدة في المملكة المتحدة تقدّر بنحو 400 مليون جنيه إسترليني. ولعل المفاوضات الحاصلة تهدف لإيجاد آلية للإفراج عن الأموال المجمّدة في خلال الأيام القليلة المقبلة يقابلها الإفراج عن راتكليف. 
 وعلى ذكر الأموال الإيرانية المجمّدة، لا بد من التطرق إلى ما أشارت إليه بعض المصادر العراقية، عن موافقة واشنطن على الإفراج عن الأموال الإيرانية الموجودة في العراق وما يرافقها أيضاً من حديث عن إفراج مرتقب عن الأموال الإيرانية الموجودة في كل من كوريا الجنوبية واليابان. 
 والسؤال هنا: هل تأتي هذه الخطوات بمثابة مؤشر لبناء ثقة وإعطاء الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لدفع الإيرانيين لإعادة إحياء الاتفاق النووي؟ 
مما لا شك فيه أن من يراقب هذه الخطوات يتيقّن أن هناك مبادرات تنضوي تحت ما يسمى "النيات الحسنة" من الإدارة الأميركية التي تريد إقناع القيادة الإيرانية بالعودة إلى تعهّداتها والتزاماتها تجاه الاتفاق، خصوصاً أن إيران بأمسّ الحاجة اليوم لاستعادة أموالها المحتجزة، في ضوء ما يشهده اقتصادها من استنزاف ومعاناة غير مسبوقيْن. إذ تقدّر الأموال الإيرانية في كوريا الجنوبية بـ800 مليون دولار أميركي، وهذا ما يعزّز سبب الإفراج عن السفينة الكورية التي استولت عليها البحرية الإيرانية، والذي يشكل جزءاً لا يتجزأ من الإفراج عن الأموال المحتجزة في العراق. 
ولعل كل هذه الانفراجات التي تلوح في الأفق يصاحبها حديث جدّي حول توجّه الولايات المتحدة للسماح للبنك الدولي بإعطاء إيران قرضاً يقدّر بنحو 5 مليارات دولار بغية التصدي للأزمة الاقتصادية البنوية. 
أمام كل هذه المشهدية، يمكن القول إن المنطقة تشهد تمهيداً للأرضية المواتية بغية العودة إلى المفاوضات ما بين الولايات المتحدة وأوروبا والقوى العظمى من جهة، وإيران من جهة أخرى، والتي من المتوقع أن ترى النور في الـ20 من الشهر الجاري بحسب تصريحات القيادة الفرنسية. 
لكن يطرح بعض المراقبين أسئلة حول تزامن فرض عقوبات على عضويْن تابعيْن للحرس الثوري الإيراني.. كيف يمكن تقييمها؟ وهل يصحّ القول إنها تأتي تحت ما يسمى "رفع عتب" من الإدارة الأميركية إزاء تعاملها مع الإيرانيين الآن؟ 
 من المفيد للقارئ أن يعلم أن إجراءات كهذه لا ترتقي الى مستوى العقوبات، بل تندرج تحت ما يعرف بـ"صفع اليد" إذا جاز التعبير، خصوصاً أنها طالت مسؤوليْن من الدرجة الرابعة والخامسة وحتى السادسة والتي تحرمهما من دخول الولايات المتحدة. هل يبالي أفراد تابعون للحرس الثوري الإيراني بدخول الولايات المتحدة؟! 
هنا لا بد من التوقف عند ما تتعرّض له إدارة بايدن من ضغوط غير مسبوقة من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، فضلاً عن ضغوط إسرائيل واللوبي الصهيوني في أميركا، ناهيك بالضغوط المتمثلة بحلفاء أميركا في الشرق الأوسط. 
لذلك تأتي خطوة العقوبات هذه للإبراق برسائل إلى الداخل الأميركي بأنه يستطيع مواجهة إيران، وكل ما يحكى عن وهْن وضعف للإدارة عار من الصحة. 
بالعودة إلى إمكان الجلوس إلى طاولة المفاوضات، هناك سؤال يُطرح... على أي أساس يمكن إجراء المفاوضات، خصوصاً أن المجموعة المطالبة بإشراكها في أي نقاش مستقبلي ليست مجموعة 5السبت 13/3/20211 فحسب، بل هناك دول الخليج وإسرائيل؟ 
من هنا يمكن أن نستشف أن العقوبات الأخيرة المتواضعة على إيران تذهب باتجاه الداخل والخارج على أنه يحسن التعامل مع من يتهدّد حلفاء أميركا في المنطقة. 
وهناك اعتقاد سائد أن الطرفين الأميركي والإيراني سيبدآن الرقص توازياً مع بعضهما بعضاً في الأيام والأسابيع المقبلة لأن مصلحة الطرفين تقتضي ذلك. 
 وتشهد إدارة بايدن ضغوطاً من داخل الحزب الديموقراطي الحاكم، إذ قام 140 نائباً بتوجيه رسالة لبايدن، في اليومين الأخيرين، يطالبونه بالضغط على إيران لجهة برنامجها البالستي كما لناحية قضية حقوق الإنسان. وإذا لم تعد إيران إلى الاتفاق سوف تصبح قوة نووية في خلال السنة المقبلة، ما سيعرّض المنطقة لنشوب صراع عسكري خطير جداً، وتالياً حرب مدمرة قد لا تُحمد عقباها. 
في الختام، ربما لن يشهد الملف النووي الإيراني اختراقاً، إذ تشوبه خلافات عميقة تبديها الدول المجاورة لإيران. 
والسؤال الرئيس: كيف ستتجاوب إيران مع الضغوط الأميركية والأوروبية على برنامجها الصاروخي وقضية سلوكها في المنطقة؟ 
أما السؤال الأوسع فهو: من سيقدّم تنازلات أوّلاً، أو بالأحرى من سيرقص أوّلاً إيران أم أميركا أم كلاهما في آن واحد؟!