الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرقم الروسي في المعادلة السورية

الرقم الروسي في المعادلة السورية

06.10.2015
العزب الطيب الطاهر



الشرق القطرية
الاثنين  5/10/2015
فجأة تحولت روسيا إلى رقم شديد الأهمية، في المعادلة السورية، لاسيَّما على الصعيد العسكري، بعد أن قام سلاحها الجوي بشن سلسلة من الغارات العنيفة على مواقع للمعارضة السورية وليس تنظيم داعش فحسب، وفق ما أعلن من قِبَل موسكو، الأمر الذي وضع الأزمة السورية على سكة مغايرة تماما، لما كان سائدا خلال السنوات الأربع المنصرمة منذ اندلاعها في مارس 2011، على نحو سيقود إلى إعادة بناء مفردات المشهد السوري، وتفاعلاته الداخلية وتحالفاته الإقليمية والدولية، فضلا عن دفعها إلى المزيد من التعقيد وربما خلط الأوراق، وإن كان الهدف الرئيسي منها هو حسم الصراع لصالح الإبقاء على نظام بشار الأسد.
ولا ريب أن الحضور الروسي، عسكريا وسياسيا، في سوريا، أسهم – ضمن عوامل أخرى داخلية وإقليمية - في تعميق التناقضات القائمة بين موسكو من ناحية وواشنطن من ناحية أخرى، والتي تسببت خلال السنوات الخمس الماضية في ديمومة النزاع في سوريا بصورته الدموية، مما أسفر عن مقتل أكثر 300 ألف مواطن سوري، فضلا عن جرح وإصابة، وفقدان مئات الألوف ولجوء ونزوح أكثر من 13 مليون سوري، تفاقمت معضلة هجرتهم إلى الخارج في ظل حالة التسول بالمنافي البعيدة في الآونة الأخيرة، على نحو خلق معضلة على المستوى الدولي.
وتمكن في هذا السياق الإشارة إلى عدد من الملاحظات:
أولا: ليست هذه المرة الأولى التي تقدم فيها موسكو دعماً عسكرياً لدمشق، ولكنها المرة الأولى التي يحمل فيها هذا الدعم سمة "التدخل العسكري" المباشر.
ثانيا: إن ما جرى مؤخرا من إرسال قوات جوية، فضلا عن إرسال وحدات عسكرية برية - وفقا لتقارير استخباراتية أمريكية- يشير إلى أن الموقف الروسي تجاه التطورات في سوريا بات أكثر قوة ووضوحاً، من خلال الاعتماد على منهجية التدخل العسكري المباشر، كخيار أخير، دفاعاً عن الحليف الإستراتيجي، وهذا يتفق مع التحليلات القائلة إن الدفاع عن دمشق هو دفاع عن موسكو، فدمشق هي آخر منطقة نفوذ روسي في الشرق الأوسط، وحصارها أو إسقاط نظامها يعني حصار أو إضعاف الحليف الآخر الإيراني، وبالتالي فحصار طهران يعني تهديداً لموسكو.
ثالثا: يعكس التشبث الروسي بسوريا ومن خلالها بالبحر الأبيض المتوسط، حقيقة يتعين وضعها في الحسبان، تكمن في ألا شيء في هذه اللحظة يفوق أهمية المتوسط في حسابات روسيا الجيوسياسة، فهذا البحر هو بوابة أوروبا والبحر الأسود، واستتباعا روسيا ذاتها، إنه الخاصرة الرخوة للأمنين الأوروبي والروسي على حد سواء، وهنا يلفت الخبراء إلى أن الصراع الدولي على البحر الأبيض المتوسط يُمثل أحد عوامل التمسك الروسي بسوريا منذ العهد السوفيتي وحتى يومنا هذا، لأهميته الإستراتيجية للقوى العظمى، وكانت مجموعة من القطع البحرية الروسية موجودة بصفة مستمرة في البحر المتوسط إبان الحقبة السوفيتية، وتحديدا منذ عام 1967، وفي حسابات التاريخ والحاضر معا، لا يُمكن فصل حالة الأمن في البحر الأسود عن الوضع السائد في البحر المتوسط، وبمنظور القوى الكبرى، فإن من يخسر في أي من البحرين يكون قد خسر بالضرورة في البحر الآخر، ومن يتقدم في أحدهما يتقدم في الآخر، بالضرورة أيضا، وهذه معادلة تدركها روسيا والقوى الغربية على حد سواء.
وهنا، يبدو من المفيد التذكير بأن البيئة الجيوسياسية للبحر الأسود قد تغيّرت على نحو جوهري، قياسا بما كانت عليه حتى الأمس القريب، ذلك أن بلغاريا ورومانيا أصبحتا عضوين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، كما أصبحت أوكرانيا وجورجيا دولتين مستقلتين، ومن ثم فقد بات البحر الأسود منطقة نفوذ أطلسية، تضررت فيها مكانة روسيا ودورها التاريخي، وكان هذا أحد العوامل الدافعة باتجاه تعزيز موقع البحر المتوسط واستتباعا موقع سوريا في السياسة الروسية الراهنة.
رابعا: ثمة من يلفت الانتباه إلى أن هذا الانخراط الروسي المباشر في ملفات الأزمة السورية قد يكون ينطوي على هدف مستتر يتجسد في توفير معادلة جديدة على الأرض لصالح النظام القائم في دمشق على نحو يدفعه بعد شعوره بالاطمئنان إلى الدخول في عملية المفاوضات حسب الخطة التي اقترحها مؤخرا ستيفان دي ميستورا المبعوث الأممي الخاص لسوريا للتوصل إلى حل سياسي وهو مدعوم إقليميا ودوليا، وتجلى ذلك في اتساع نطاق الاتصالات والمباحثات واللقاءات التي جرت مؤخرا بشأن الأزمة السورية، التي هيمنت على الأجندة الدولية مع افتتاح الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإن بدا بوضوح وجود انقسام حاد حول كيفية معالجة هذه الأزمة، ورغم ظهور ما يشبه الإجماع العالمي على تبني الحل السياسي، إلا أن الخلافات تعمقت بشكل واضح حول مصير رأس النظام بشار الأسد وبقائه في السلطة، والأهم من ذلك أنها أظهرت غياب الدور والفعل والتأثير العربي وتركت القضية مفتوحة للتفاوض بين الغرب والشرق، ولاشك أن مقدمات هذا الانقسام كانت موجودة وقائمة بالفعل على مدار السنوات الماضية، ولكنها لم تصبح مقلقة، إلا بعد الدخول الروسي بقوة على خط الصراع، واللافت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين توجه إلى الأمم المتحدة، - وهو أمر نادر بالنسبة إلى القادة الروس وقبلهم السوفييت - متسلحاً بإجراءات على الأرض من بينها إرسال طائرات حديثة وأسلحة نوعية ومتطورة إلى سوريا، ومبدياً استعداده لمحاربة الإرهاب، وإصراره على التمسك ببقاء بشار الأسد في السلطة، وعلى أن محاربة الإرهاب لا تتم دون إشراك الجيش السوري النظامي، وهي كلها رسائل تؤكد عزم الكرملين على كسر أحادية القيادة الأمريكية للعالم، وتمهد لإدخال الأزمة السورية إلى مسار الحل السياسي، ولو كان ذلك بالنار.
خامسا: في الوقت نفسه ثمة من يرى أن هذا التدخل الروسي العسكري المباشر، قد يفضي إلى إطالة أمد الصراع في سوريا، في ضوء ما هو متوقع من قيام الولايات المتحدة ودول الغرب بتزويد حلفائهم من المعارضة السورية، بأسلحة هجومية فتاكة كانت ممنوعة عليهم في السنوات الماضية، مما يمنحها القدرة على الاستمرار في المواجهة مع قوات الجيش الحكومي، وفي الوقت نفسه قد توسع من دائرة التطرف والأصولية في سوريا ردا عليها من قبل التنظيمات المتطرفة والإرهابية العاملة على أراضيها، خاصة أن الخطوة الروسية قوبلت بمعارضة شديدة من قبل أطراف إقليمية ودولية، لها ارتباطاتها مع قوى المعارضة، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وتركيا والسعودية وقطر، والتي أصدرت بيانا مشتركا الأسبوع الماضي في نيويورك عبر عن قلقها الشديد من الغارات الروسية، التي أوقعت ضحايا مدنيين ولم تستهدف تنظيم داعش.