الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الروس والإيرانيون قادمون

الروس والإيرانيون قادمون

11.06.2013
عبد الوهاب بدرخان

الاتحاد
الثلاثاء 11/6/2013
بعد لحظات على إعلان النمسا سحب جنودها من «قوة فك الاشتباك» في الجولان (اندوف) كان الرئيس الروسي يعلن شخصياً استعداد بلاده لتعويض النمساويين المغادرين. هذه الخطوة تمثل، بالنسبة إلى «بوتين»، استكمالاً وتطويراً منطقياً لسياساته المعتمدة في إدارة الأزمة السورية. فروسيا لا تسعى فقط إلى إنقاذ بعض المصالح في بلد منكوب، وإنما تتبنى عودة استراتيجية إلى الشرق الأوسط «الجديد» بنسخته الروسية المتطابقة إلى حد كبير مع النسخة الأميركية، بل تذهب أبعد منها في تطبيق الأهداف ذاتها أو ربما أسوأ منها.
في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، قال بشار الأسد إن الرد السوري على الاعتداءات والغارات الإسرائيلية سيكون من الجولان. وفي خطاب ذكرى تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، أشار الأمين العام لـ«حزب الله» إلى إمكان استخدام جبهة الجولان في أي مواجهة مقبلة مع إسرائيل.
وبعد موقعة «القصير» التي أثارت استنكارات واسعة، إذ دشَّنت انتقال الاستقطاب المذهبي من الاحتقان إلى الحرب الفعلية، نصح بعض الذين لا يزالون يتوهمون أن شعارات «المقاومة» و«الممانعة» مواقف حقيقية ونهائية لنظام الأسد والنظام الإيراني بأن يبادر «حزب الله» إلى عمل ما ضد إسرائيل، بالأحرى من الجولان، كي يرمم مصداقيته ويؤكد أن القدس هي بوصلته وفلسطين هي وجهته.
لكن «حزب الله» منشغل الآن بالإعداد لمعاركه الآنية في حلب و«حماس» وريف دمشق. لذلك ترك لقوات النظام السوري التعامل مع قوات المعارضة التي سيطرت على المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، فاستعادتها منها خلال ساعات، وأعادتها إلى وضعها الطبيعي المستمر منذ ما يقرب من أربعين عاماً (مهمة قوات «اندوف» بدأت عام 1974). لكن إعلان النمسا انسحابها مؤشر إلى أن المخاطر زادت على الحدود الهادئة ولم يعد مستبعداً أن تكون ساحة مواجهة في جانبها السوري أولاً، ولاحقاً في جانبيها. من شأن ذلك أن يثبط عزائم الدول على المشاركة في «اندوف».
وكانت كندا واليابان وكرواتيا انسحبت في فترات سابقة، من هنا اعتبر الروس أن مبادرتهم يجب ألا تكون مرحباً بها فحسب، بل يجب أن يشكروا عليها، خصوصاً أن الأمم المتحدة استشعرت صعوبات في إقناع دول ذات مصداقية بالمساهمة في هذه القوة.
كان اتفاق فك الاشتباك في الجولان منع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من المشاركة في «اندوف»، ولا تجهل موسكو هذه الحقيقة لكنها تطالب بتعديل الاتفاق، إذ قال مندوبها في الأمم المتحدة إن القيود التي فرضت قبل أربعة عقود لم تعد ذات معنى «لأن الأوضاع تغيرت».
ما الذي تغير؟ انتهت الحرب الباردة، وتخلَّى العرب عن خيار الحرب، والأهم أن روسيا أصبحت «صديقة» سوريا النظام وإسرائيل على السواء. لكن إسرائيل لم تتغيَّر على الإطلاق، بل زادت طمعاً ووحشية وتشبثاً بالاحتلال، أما النظام السوري فتحوَّل قوة احتلال للبلد يفتك بالشعب، ويدمِّر المدن مستخدماً أفضل ما تمده به روسيا من أسلحة دمار شامل، ولعل الأمر الذي ظل ثابتاً لدى هذا النظام هو حرصه على حدود هادئة مع إسرائيل.
كل ذلك ليس مهماً في نظر «بوتين»، بل يثبت أنه أفضل تموقعاً من أي دولة كبرى أخرى للوقوف في المنطقة العازلة وحمايتها. وإذا كان تعديل الاتفاق يتطلب خصوصاً موافقة سوريا وإسرائيل، فلدى بوتين ما يجعله مطمئناً إلى أن مبادرته يجب أن تقبل. لذلك اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي لحثه على تسهيل الأمر، أما دمشق فلابد أن تكون موافقة. لكن المسألة ليست بالبساطة التي تظهرها، فالجميع قرأ في التهافت الروسي ما سجله رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس «الدوما» في إحدى تغريداته على «تويتر». كتب ألكسي بوشكوف أن «ظهور قواتنا لحفظ السلام في مرتفعات الجولان سيعني عودة استراتيجية لروسيا إلى الشرق الأوسط كدولة عظمى». لذلك لا يمكن أن يمر تعديل اتفاق انتداب «اندوف» كمجرد تدبير إجرائي، فطالما أن روسيا تضعه في اختبارات «عظمتها» الوالغة في دم الشعب السوري فإن للدول الأخرى، رأيها أيضاً.
الزمن تغير، كما قال «فيتالي تشوركين»، لكنه لم يشر إلى تفصيل ربما يعتبره صغيراً. لعله يفترض أن وجود إيران و«حزب الله» في موقع الشريك المنافس في حرب نظام الأسد على الشعب السوري، معطى غير ذي أهمية، أو يفترض اعتباره إيجابياً. تبدو روسيا حالياً في صدد الدفع نحو الاعتراف بإيران كدولة ذات نفوذ إقليمي، وكلاهما تستغل المحنة السورية، الأولى لـ«العودة كدولة عظمى»، والثانية لاستعادة «امبراطورية الشاه».
فما تنتظر إيران تحصيله من المفاوضات مع الغرب، تحديداً مع الولايات المتحدة، تبدو ماضية في تحقيقه من خلال روسيا، بل تبدو الأخيرة كأنها تلوِّح لإسرائيل بأن التقاء المصالح في سوريا يجب أن يعنيها وأن تستغله كفرصة تاريخية غير متوقعة. فالمحور الروسي-الإيراني-الإسرائيلي-الأسدي هو أفضل ما يمكن أن ينتجه هذا الصراع في سوريا وعليها، طالما أن الأميركيين لا ينفكون يستقيلون من المنطقة ويمنعون حلفاءهم الغربيين والعرب من التدخل.