الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الرياض تحتضن سورية بعد اليمن

الرياض تحتضن سورية بعد اليمن

31.01.2016
أحمد الغز



الوطن السعودية
السبت 30-1-2016
تحاول دول التحالف العربي بقيادة السعودية تحرير بندي وقف إطلاق النار ورفع الحصار من القرار 2254، ليصبحا قرارا قائما بذاته تحت شعار بناء الثقة قبل وخلال المفاوضات، مما يعتبر إنجازا للمعارضة التي ستذهب إلى المفاوضات بشروط مغايرة للمسار الأساسي
خمس سنوات على الأزمة السورية والمعارضة تعيش في الشتات ومعها الملايين من اللاجئين السوريين في دول الجوار السوري ودول الخليج والعالم. خمس سنوات والشعب السوري يبحث عن رادع أو معين، في حين يتقاطر على النظام الدعم العسكري والسياسي، من إيران وروسيا وحزب الله والعراق، ومّده بالسلاح والمقاتلين، وكان آخره الدخول الروسي المباشر على الميدان السوري.
تنقّلت المعارضة من بلد إلى آخر ومن مؤتمر إلى غيره، وكانت كلّها تتلاشى، من أصدقاء الشعب السوري إلى اجتماعات القاهرة وإسطنبول إلى إلى... ولم تجد في كل ذلك سوى الكلام والاستخدامات الآنية، ودائماً حسب رغبة أميركا التي لم تساعد الشعب السوري سوى بالكلام، حتى بعد ظهور داعش في سورية والعراق، فلقد اعتبرت أميركا أنها معنيّة بالعراق من أجل إنقاذ إيران من فشلها في العراق.
جاء احتضان الرياض لمؤتمر المعارضة السورية ليشكل الخطوة الأولى نحو تحقيق شيء من التماسك لقوى المعارضة المشتّتة بين الدول والقارات. واستطاع مؤتمر الرياض الخروج بهيئة عليا للتفاوض بأسماء لها مصداقيّتها ووزنها في الداخل السوري. ووقفت السعودية خلف هذه القيادة الجديدة بكل حزم وقوة.
كانت قضية حصار مضايا الامتحان الأول لقيادة مؤتمر الرياض التي استطاعت بالدعم السعودي عبر الأمم المتحدة إدخال المساعدات إلى مضايا بعد سنوات من الحصار القاتل. وبدأت المفاوضات على الذهاب إلى جنيف ومن يمثل المعارضة، وتحركت الدبلوماسية الأميركية والروسية من أجل فرض أجندة على المعارضة، وأيضا التدخل بالأسماء المكونة للوفد المفاوض من قبل المعارضة وطرح ما عُرف بالقائمة الروسية للمعارضة.
استطاعت الرياض حماية المعارضة من الاختراق أو التفكك، واحتضنتها على الأسس نفسها التي تعاملت فيها مع اليمن، أي بالحزم وإعادة الأمل. ورغم زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى الرياض وضغوطه على المعارضة السورية والتهديد ببدء المفاوضات بمن حضر ومعه أدبيات الابتزاز التي مارسها موراتينوس، بقيت معارضة مؤتمر الرياض صامدة ولم تخضع كليّاً للشروط الروسية المدعومة أميركياً.
خاطبت اللجنة العليا للمفاوضات الأمين العام للأمم المتحدة من خلال رسالة استيضاحية حول بنود القرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن لجهة وقف إطلاق النار وخصوصا قصف الطيران للتجمعات السكانية ورفع الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة، فجاء الجواب من خلال دي مستورا عبر رسالة مبهمة حول الجهة الممثلة للمعارضة في المفاوضات مع تفاؤل غير مفهوم بما سينتج عنها.
الواضح الآن أن أميركا وروسيا اتفقتا على تكوين إدارة للنزاع في سورية من خلال الحديث عن وقف لإطلاق النار وتشكيل قوة مراقبة غير معروفة الهوية حتى الآن، بعد أن رفضت روسيا وجود مراقبين عرب في هذه العملية، أي أنها تراهن على تعظيم دورها العسكري في سورية على قاعدة "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم".
تحاول دول التحالف العربي بقيادة السعودية تحرير بندي وقف إطلاق النار ورفع الحصار من القرار 2254، ليصبحا قرارا قائما بذاته تحت شعار بناء الثقة قبل وخلال المفاوضات، ممّا يعتبر إنجازاً للمعارضة التي ستذهب إلى المفاوضات بشروط مغايرة للمسار الأساسي، خصوصاً بعد أن قال أحد قادة المعارضة إن بعض أصدقاء الشعب السوري من الدول الكبرى قد تخلّى عنهم أو غيّر موقفه وبالذات أميركا.
ستكون الأسابيع القادمة بالغة الدقة بالنسبة للأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس وتجاوزت المليون قتيل وملايين اللاجئين وتدمير نصف سورية على الأقل، ناهيك عن الفرز الديموجرافي الطائفي وبالذات في غرب سورية في حمص والقلمون والذبداني، والآن في الشمال حيث وجود التركمان على الحدود التركية، بالإضافة إلى المجموعات الكرديّة وطموحاتها بالانفصال عن الدولة المركزية.
ستذهب المعارضة إلى المفاوضات لتواجه تحدياتها الكبيرة، مدعومة من الرياض ودول التحالف العربي. وستكون هناك اجتماعات موازية حول اللاجئين في بريطانيا وإعادة النظر بالمساعدات، وكذلك الدعوة التي وجّهتها روسيا إلى عقد اجتماع دولي في مدينة ميونخ الألمانية على هامش اجتماعات المؤتمر السنوي للأمن والسلام الذي يعقد سنويا في ميونخ الألمانية.
الملفت هو أن الأميركي يريد تجميد الساحات السورية على ما هي عليه الآن بعد التدخل الروسي مع تشكيل إدارة للأزمة وليس حلّها ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، على ألا تؤدي تطورات الميدان أو التفجيرات المتنقلة بين عواصم العالم إلى الانكفاء الأميركي لأن أي تطور أمني دولي قد يحرج أوباما وسياسته الانكفائية ويجعله يتدخل، مما سينعكس سلباً على الحزب الديموقراطي.
أعباء كبيرة تتحمّلها الرياض في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية في سورية واليمن والعراق ولبنان. وهذه المسؤولية التاريخية تحتاج إلى فهم عميق لدى الجميع دون استثناء، حكومات وشعوبا ونخباً وإعلاميين وهيئات أهلية، وإلى الالتفاف حول القيادة الحكيمة الشجاعة التي تحفظ للأجيال العربية القادمة الكثير من الكرامة والاستقرار.