الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السفر برلك الأسدي

السفر برلك الأسدي

17.11.2014
مضر عدس



العربي الجديد
الاحد 11-16-2014
السفر برلك كلمة تركية، ترجمتها إلى العربية (النفير العام، التعبئة، التأهب للحرب)، ارتبطت بالذاكرة العربية ارتباطاً أسود، وعلى الرغم من مضي نحو مائة عام على إعلان الخلافة العثمانية للسفر برلك، فإنّ الحوادث المرتبطة بالحادثة لا تزال عالقةً في الذاكرة الجمعية العربية والسورية.
إبان الحرب العالمية الأولى، ونتيجة للمعارك الكبيرة والطاحنة، واتساع رقعة الصراع بين العثمانيين وأعدائهم، وكثرة القتلى بين صفوف جيش الأستانة، والزيادة المضطردة في أعداد الجبهات الساخنة، اضطرت حكومة الخلافة إلى أن تعلن السفر برلك، فانتشرت دوريات الجيش والشرطة، وبدأت حملات الاعتقالات الواسعة في المدن والقرى السورية وغير السورية التابعة للحكومة العثمانية. وكذلك جُمعت أعداد غفيرة من الشباب والرجال الذين لم يستطيعوا الهرب، أو الاختباء هرباً من خدمة الموت، وما أن يُجمع عدد معيّن، حتى تسارع الجهات المسؤولة عنهم على تشكيل كتائب وألوية، ومن دون أيّ تدريب عسكري كاف ومطلوب، تُزجّ هذه التشكيلات على عجل في ساحات المعارك.
وحتى اليوم، تبقى قصص نجاة أجدادنا من السفر برلك قصصاً للسهرة، فجدّ فلان استطاع النجاة من مجزرة راح ضحيتها آلاف من العساكر في الجيش العثماني، وجدّ فلان آخر استطاع الهرب من جبهة أخرى، قبل أن تُباد قطعته العسكرية عن بكرة أبيها، لعلنا إن جمعنا القصص كلها، سنكتشف أن من أهم أسباب انهيار المدن الخاضعة للحكومة العثمانية، في الحرب العالمية الأولى، هو الاعتماد المطلق على جنود تم زجهم في الصراع، بعد حصول فراغات كبيرة في القوات المسلحة، الخبرة العسكرية القليلة، أو المعدومة، وسقوط الجبهات السريع من دون مقاومة تذكر، هي أهم أسباب سقوط المدن والقرى، بالإضافة إلى أسباب أخرى، لا يتسع المجال لذكرها هنا، وبالطبع، تسارعت الأحداث، إلى أن هُزمت الخلافة في حربها في آخر المطاف.
واليوم، وفي الحرب العالمية السورية، حاول النظام مراراً وتكراراً زجّ جميع فئات المجتمع السوري في الحرب، ولكن بطرق غير مباشرة، ومن دون أن يعلن بأي شكل حالة السفر برلك أو النفير العام. اليوم، وبعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة على اندلاع الثورة السورية المباركة، بدأت حملة السفر برلك السورية تعود إلى الساحة، ولكن، من دون إعلانها بشكل واضح، كما فعلها العثمانيون من مائة عام تقريباً.
ففي الجنوب السوري، وبالتحديد جبل العرب، بدأت حملةٌ، هي الأكبر لتجنيد الشباب السوري في محافظة السويداء في الصراع السوري لصالح النظام، معلنين قوائم وأسماء، حيث طُلب من الشباب مراجعة شعبة التجنيد الخاصة بهم، للالتحاق بالخدمة الإلزامية، وصل عدد المطلوبين لتأدية الخدمة العسكرية إلى 12 ألف شاب، حسب بعض الإحصاءات، ونتيجة إجراءات تعسفية من الجيش النظامي، تهدف إلى إلحاق الشباب في صفوف القوات النظامية بالإجبار والترهيب، خرجت احتجاجات في عدة أماكن في المحافظة، ترفض إدخال أبنائها في الصراع الدائر، وطالب شيوخ دين، من طائفة الموحدين الدروز، النظام، بأن يكفّ يده عن شباب المنطقة، قبل أن يتفاقم الوضع، وتتحول المنطقة إلى ساحة صراع جديدة.
لم يقتصر السفر برلك الأسدي على أبناء الأقليات فقط، لكن الحملة شملت كل المناطق الخاضعة لقوات النظام، حيث تناقل ناشطون أخباراً عن اعتقال النظام شباناً في حماه ودير الزور ودمشق ومناطق أخرى عديدة، بالإضافة إلى إرساله قوائم تضمّ أسماء الشبان المطلوبين للالتحاق بخدمة العلم في مناطق مختلفة، مثل بعض القرى في ريف دمشق.
مؤكد أنها ليست المحاولة الأولى للنظام، في السنوات الماضية في الحرب الدائرة، في اعتقال الشباب السوري، وذلك لإلحاقه في جبهات القتال المنتشرة على الأرض، ومؤكد أنّ للنظام باعاً في تشكيل ميليشيات عسكرية، لا فائدة حربية منها، مثل جيش الدفاع الوطني والمفتقدة للخبرة العسكرية بالمطلق، ولكن زجّ الشباب عنوة في الصراع، على غرار شباب الدفاع الوطني، وبأعداد كبيرة، وفي الجبهات وبشكل مباشر، وإخضاع مناطق كاملة، وبشكل كبير، سواء من الأقليات أو الأكثرية لكلمته، وإجبار أبناء المناطق الخاضعة له على إرسال أبنائهم إلى الموت الأكيد، سيكون له تأثير مباشر في انهيار دفاعات الأسد، وسقوط المدن والقرى، ولم تكن تجربة الجيش العثماني الوحيدة في التاريخ، فأحد أسباب سقوط المناطق التي سيطرت عليها قوات هتلر في الحرب العالمية الثانية وخسارته معارك كثيرة، بعد مضيّ أربع سنوات على الصراع، هو زجّ شباب ألمان في الحرب، من دون أي خبرة عسكرية، وتشكيل ألوية وقطاعات عسكرية كاملة منهم، وعدم احتواء الجيش النازي لضباط ذوي خبرة لقيادة المعارك، بعد موت كثيرين منهم في معارك سابقة.
قد يقول بعضهم إن النظام السوري يعتمد على مرتزقة أجانب، تابعين لميليشيات طائفية، تقاتل إلى جانب قواته، ولكن، في النهاية، أعداد هذه الميليشيات لا تؤثر على سياق المعركة في المحصلة، ولو استطاع النظام الاعتماد عليهم، لم يعلن نفيراً عاماً غير معلن، وفي النهاية، لعلّ السفر برلك الأسدي، على قبحه وسوأته، سيكون الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.