الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السلاح الكيميائي السوري ما له وما عليه

السلاح الكيميائي السوري ما له وما عليه

05.05.2013
ماجد الشّيخ

المستقبل
الاحد 5/5/2013
ما تكاد مسألة السلاح الكيميائي السوري تبرد قليلا، حتى تعود للتفجر من جديد، في ظل معطيات جديدة، حتى باتت المسألة مثار خلافات ومنازعات أميركية إسرائيلية، يتبارى فيها الطرفان في شأن استعمال النظام السوري لأسلحة كيميائية، وهل استعملها على نطاق محدود أم على نطاق يستوجب التدخل من جانب المجتمع الدولي؟ مع كل ما يمكن أن يحدثه ذلك من تبعات أبرزها أضرار لحقت بمصداقية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي كان قد اعتبر استخدام نظام بشار الأسد الكيميائي "خطاً أحمر" لن يمر تجاوزه مرور الكرام. فقد انقلب "الخط الأحمر" على صاحبه، فوجد كبار مسؤولي البيت الابيض أنفسهم في مأزق أجبرهم، على عجل، على شرح وجهة نظر الادارة في هذا الخصوص. في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون امتلاكهم أدلة وإثباتات على استخدام النظام السوري أسلحة كيميائية.
ما تخشاه إسرائيل
وسط الخلافات الأميركية الإسرائيلية على تقييم خطورة استخدام النظام السوري لأسلحته الكيميائية ضد المعارضة، والمخاوف المتزايدة من فقدان السيطرة عليها، يتابع مسؤولون أمنيون اسرائيليون ردة فعل الرئيس الأميركي على التقارير الاستخبارية التي تحدثت عن هذه المسألة، كونها ستكون معياراً لقياس مدى جدية الإدارة الأميركية في التحرك من أجل القضاء على التهديد النووي الايراني. في ظل الخشية من أن عملية أميركية ضد نظام الأسد ستحرف أنظار المجتمع الدولي عن النووي الإيراني، والذي يعتبر التهديد المركزي بالنسبة لـ"اسرائيل"، ومن جهة ثانية يرى المسؤولون أن استهداف مواقع كيميائية بسوريا ممكن أن يؤدي لكارثة، والدخول لتأمين السلاح الكيميائي خطيرة جداً في ظل الحرب الأهلية.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الأحد الماضي، أن مسؤولي البيت الأبيض يرون أن أوباما، يخشى من تكرار أخطاء سلفه جورج بوش في العراق، وفي الوقت نفسه يريد منع تضاعف أعداد القتلى على يد النظام السوري. وغير ذلك فالأميركيون يعلمون أن إيران تتعقب الردود الأميركية في سوريا. وحسب التقارير فإن الرد الأميركي ممكن أن يشمل إشراك أذرع من الجامعة العربية ضمن قوات الناتو، وفي هذه الحالة ستكون إسرائيل راضية على جدية أوباما للعمل بشكل حقيقي تجاه التهديدات النووية، ولكن ما تخشاه إسرائيل هو أن تطمس عملية في سوريا، خطر التهديد الايراني، وتعتبره ضرراً كبيراً لها.
ويبدو أن الهدف الرئيسي من خروج الحكومة الأميركية الى العلن لتأكيد استخدام السلاح الكيميائي، وإن "في نطاق ضيق" كان توجيه إنذار الى الأسد بأن أميركا تراقب "افعاله الكيميائية"، وأن عليه ان يتوقف عنها. لكن النتيجة جاءت عكس ما كان مرجواً، إذ اتجهت الأنظار الأميركية والعالمية الى خطوة أوباما العقابية للأسد، خصوصاً على الصعيد العسكري. ويبدو أن ما قصدته إدارة أوباما في اعلانها هو أن التحليلات المخبرية اثبتت استخدام الكيميائي في سوريا، وبما أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تعتقد أن نظام الأسد هو الجهة التي تمتلك هذه الأسلحة، فلا بد من أن يكون هو الذي استخدمها.
في هذه الاثناء، تصر واشنطن على انتظار المزيد من الدلائل التي من شأنها أن تثبت أن النظام نفسه هو الذي "ضغط على الزناد" الكيميائي، وهو انتظار صار يبدو، بالنسبة لكثيرين، خصوصاً من اعضاء الكونغرس من أمثال السناتور الجمهوري جون ماكين وزميله الديموقراطي كارل ليفين، غير مبرر.
أكثر من إثباتات
وفي وقت أقرت الولايات المتحدة للمرة الاولى خلال الأسبوع الماضي، بان النظام السوري استخدم على الأرجح أسلحة كيميائية، إلا ان استخباراتها لم تؤكد ذلك بشكل كاف. في هذه الأثناء أعلنت إسرائيل انها تمتلك أدلة وإثباتات على أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد استخدم تلك الأسلحة في حربه ضد المعارضة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى، قوله الاثنين الماضي إن نظام الرئيس السوري استخدم بالفعل أسلحة كيميائية، وأن "الحديث لا يدور عن تقويمات استخباراتية بشأن استخدام السلاح الكيميائي، وإنما هناك إثباتات.. وحتى أكثر من إثباتات".
وقال المسؤول الإسرائيلي إن "أحد المخاطر المركزية بالنسبة لنا هو تسرب السلاح في سوريا إلى حزب الله ولبنان، وتسربها أيضاً إلى تنظيمات إرهابية تحاول الوصول إلى الحدود (في هضبة الجولان)، واحتمال استيلائهم على سلاح كيميائي أو تقليدي لم يكن بحوزتهم أبدا، ينعكس على دولة إسرائيل".
وبانتظار رد من النظام على طلب جديد للأمم المتحدة حول دخول محققيها "من دون عراقيل" الى سوريا، بدأ هؤلاء المحققون جمع مؤشرات وعينات وشهادات من خارج سوريا. بينما جدد بعض النواب الجمهوريين الاحد الماضي دعواتهم لكي تقوم الولايات المتحدة بتحرك ضد سوريا، بسبب عناصر ادلة متزايدة حول استخدام غاز كيميائي ضد المدنيين خلال النزاع. لكنهم لا يزالون منقسمين حول ما يمكن القيام به، وحول مسألة معرفة ما اذا كان الرئيس الأميركي باراك اوباما على حق، باعتماد مقاربته الحذرة؛ من دون إعلان ان نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد تجاوز "الخط الاحمر".
سيناريوات عسكرية
ولم يكتف الإسرائيليون بالحديث عن أدلة وإثباتات، بل ذهبت صحيفة "هآرتس" يوم الإثنين الماضي للحديث عن السيناريوات العسكرية للرئيس الأميركي، فذكرت أن واشنطن تستعد لسيناريو إدخال قوات برية إلى سوريا، مشيرة إلى مخاوف الرئيس الأميركي باراك أوباما من الصعوبات التي تنطوي عليها عملية تحييد التهديد الكيميائي، بدءا من المعلومات الاستخبارية الدقيقة المطلوبة للعملية، وكذلك المخاطر الكامنة في إزالة وتركيز المواد السامة. ونقلت عن مسؤولين أميركيين كبار قولهم في بيانات صحافية إن القيام بحملة واسعة النطاق لعزل التهديد الكيميائي في سوريا، يتطلب إدخال قوات برية على نطاق واسع يشارك فيها ما لا يقل عن 75 ألف جندي من الولايات المتحدة ودول أخرى. وأشاروا إلى أن القوات البرية يجب أن تشتمل على وحدات "كوماندو" خاصة، وقوى استخبارية، وخبراء في مجال الأسلحة الكيميائية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الغرب على علم بوجود 18 موقعا على الأقل يستخدمها النظام السوري لتخزين الأسلحة الكيميائية. وأن إدخال قوات برية سيواجه بمقاومة عسكرية سورية من جانب النظام، سواء للدفاع عن المواقع، أم لإظهار الحرب على أنها مؤامرة مشتركة للغرب وتنظيم "القاعدة" لإسقاط النظام. كما أشارت في هذا السياق إلى انقسامات في وجهات النظر بشأن احتمالات تدخل إيران وحزب الله. ولفتت الصحيفة إلى أن الأسلحة الكيميائية يجب تركيزها في منطقة ربما تكون خارج سوريا، من أجل العمل على عزلها ودفنها أو تدمير المنشآت التي تحتوي على هذه الأسلحة. وعملية كهذه ضخمة جدا، وتستغرق شهورا طويلة، وبالتالي فإنها تعتبر أسبابا جيدة للإدارة الأميركية لتجنب القيام بعملية في سوريا.
وضمن السيناريوات الأميركية المحتملة في سوريا، حسب "هآرتس"، إمكانية تسليح المعارضة، بحيث أن ذلك يعجل من سقوط النظام، بيد أن ذلك؛ وعدا عن المخاوف من وقوع أسلحة كيميائية بأيدي "منظمات متطرفة"، قد يدفع الرئيس السوري إلى رفع القيود عن استخدام هذه الأسلحة. وأشارت إلى إمكانية أخرى وهي قصف عن بعد لمواقع ذات صلة بالسلاح الكيميائي بالصواريخ من البحر، إلا أن ذلك قد يدفع النظام السوري إلى مهاجمة أهداف أميركية، وقد يجر ذلك الولايات المتحدة إلى عملية عسكرية واسعة.
وتناولت الصحيفة سيناريو إقامة حزام أمني على طول الحدود مع تركيا والأردن، إلا أن إقامة مثل هذه الأحزمة ستؤدي بالتأكيد إلى رد سوري، قد يدفع الولايات المتحدة إلى التدخل العسكري الواسع. وضمن سيناريو السيطرة على مخازن الأسلحة الكيميائية عن طريق إرسال قوات إلى سوريا للاستيلاء عليها ومنع وقوعها بأيدي "منظمات متطرفة"، أشارت إلى أن ذلك يتطلب إرسال عشرات آلاف الجنود إلى سوريا للسيطرة على المخازن، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
في كل الأحوال يبدو أن إسرائيل، خصوصاً، تنتابها اهتزازات وترددات عميقة، كلما ذكر شيء عن السلاح الكيميائي، أو الأسلحة النووية، وتلك عقدة من عقد الصراع الجاري في المنطقة. والمهم بالنسبة لها ولواشنطن معها ألا تفضي موجات الصراع إلى تعزيز موقع النظام السوري، أو تقوية شوكة التنظيمات المتطرفة في حال استطاعت الاقتراب من الحدود على جبهة الجولان. والأهم ألا يفقد النظام السوري سيطرته على الأسلحة الكيميائية، أو يغامر بتسليمها لجهات أخرى في مرحلة من مراحل الصراع. لهذا تبدو توقعات واحتمالات التحرك الغربي تجاه كيميائي سوريا ليس صعبا ممتنعاً، ولكنه يقارب المستحيل، لا سيما وسط حرب متلونة ومتقلبة؛ بات إيقافها عند ما بلغته حتى الآن مستحيلا.