الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السلام في الشرق الأوسط ومواجهة استراتيجيات بناء النفوذ في المنطقة

السلام في الشرق الأوسط ومواجهة استراتيجيات بناء النفوذ في المنطقة

10.05.2016
علي الخشيبان


الرياض
الاثنين 9-5-2016
لم تكن القضية الفلسطينة في كثير من دول العالم العربي قضية مشتركة، بل تم تجزئتها بشكل أيديولوجي بحسب الاتجاه، وكانت الاتهامات الإعلامية تتصاعد في الإطار العربي، وكل كيان سياسي كان يفسر الإخفاق تجاه القضية الفلسطينية وفق مصالحة الخاصة وليس في إطار المصلحة العربية الشاملة
لايبدو أن الذاكرة العربية الشابة تحتفظ بكل تفصيل قضيتها الجوهرية المرتبطة بالسلام في الشرق الأوسط، وخاصة بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي التي ساهمت في تعميق التباعد بين قضية الشرق الأوسط الجوهرية وبين منتجات الربيع العربي، خلال السنوات الخمس الماضية حدث تحول كبير في الأبنية السياسية العربية مما جعل الشارع العربي يتساءل بكل عمق (من نحن..؟)، لقد ساهم هذا التساؤل في سرد مجموعة كبيرة من التحديات التي تواجه الهوية العربية ومكوناتها التاريخية.
منذ بداية ضعف الدولة العثمانية في بدايات القرن التاسع عشر ظل الشرق الأوسط يتشكل بمنهجية سياسية مختلفة، وساهم هذا التشكل بتحول هذه المنطقة إلى مجموعة من التناقضات الداخلية ساهمت في احتدام الصراع بين مكونات هذه المنطقة العربية، التي لم ترث تاريخياً مكونات سياسية أو اجتماعية ساهمت في ترسيخ وبلورة تكويناتها السياسية، خلال قرنين من الزمان وتحديداً الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مارس الشرق الأوسط صراعاً داخلياً بين مكوناته السياسية ومكوناته الفكرية والثقافية، وفي تلك اللحظات فوجئ العالم العربي بقيام إسرائيل التي أصبحت حقيقة دولية اعترف بها العالم وتشكلت بطرق سياسية وعسكرية ولم تستطع الدول العربية التي خاضت مع إسرائيل حروب تحرير أن تفرض خروجاً مناسباً من تلك الأزمة.
لم يكن الشرق الأوسط ينعم بصحة سياسية وثقافية واجتماعية قادرة على مواجهة التكتل العالمي الذي أدخل إسرائيل في منظومة الشرق الأوسط، وهذا ما ساهم في جعل إسرائيل حقيقة ماثلة بفعل الدعم الدولي لها، وخلال العقود السبعة الماضية تدرجت الرؤية العربية تجاه إسرائيل وفق منهجيات متعددة، بدأت بالمواجهه ومن ثم المقاومة ومن ثم الممانعة وأخيراً طرح فكرة السلام، كل هذه المراحل من العمل العربي لم تكن تتم بمعزل عن التكوينات السياسية، بل ساد في حقبة الستينات الميلادية نظريات سياسية ربطت بالقضية الفلسطينية وساهمت في ظهور نظريات التغيير السياسي في العالم العربي من خلال التمسك بستار القضية الفلسطينية.
حدث ذلك في مصر وفي سورية وفي العراق وأصبح محور التكوين السياسي ومحور الدعم الشعبي يرتبط بتبني القضية الفلسطينة بغض النظر عن سلامة المنهج، وفي كلها كانت النتيجة مؤلمة لم تحل القضية الفلسطينية ولم تبنَ تلك الدول وفق سياسات وديمقراطيات كما كان قادتها يعدون شعوبهم التي دعمتهم في تلك المسيرة، على الجانب الآخر ظلت القضية الفلسطينية تضعف تدريجياً على مستويين الأول: سياسي فلم تتخذ القرارات الصحيحة عبر تاريخ القضية لكيفية التعامل فقد كان قادة العرب الذين حملتهم الثورات في تلك الأزمان يصورون أنفسهم فاتحين لا يختلفون عن صلاح الدين، الثاني فكري حيث استثمروا التيار الفكري الأيديولوجي لتعزيز موقفهم وبدلاً من أن يكون النهج سياسياً تاريخياً في القضية الفلسطينية أصبح التعاطي العاطفي سمة الشعوب العربية، بل وظل الاتفاق العربي الوحيد المتفق عليه تجاه القضية الفلسطسنية هو (الاتفاق العاطفي)، والسبب أن المصالح العربية لم تكن مشتقة من بعد سياسي ونقاش تاريخي للأزمة، ولم يكن العرب لديهم المعرفة الكاملة بماهية مصالحهم، وظل الصراع العربي الإسرائيلي متجذراً في الذات العربية من خلال الصوت السياسي الذي يستمع إليه في الداخل فقط بينما كانت القضية الفلسطينية في الخارج هناك.
بمعنى دقيق لم تكن القضية الفلسطينة في كثير من دول العالم العربي قضية مشتركة، بل تم تجزئتها بشكل أيديولوجي بحسب الاتجاه وكانت الاتهامات الإعلامية تتصاعد في الإطار العربي، وكل كيان سياسي كان يفسر الإخفاق تجاه القضية الفلسطينية وفق مصالحة الخاصة وليس في إطار المصلحة العربية الشاملة، وأصبحت القضية الفلسطينية وكأنها تبحث عن هوية بينما قضت الكثير من الدول ومن منطلق مصالحها تعيد تركيب هوية القضية مما أنتج مفاهيم وتكوينات سياسية عاشت ووجدت وصعدت على أكتاف القضية الفلسطينية، ومع كل ذلك بقيت الكثير من الدول العربية في مواقفها المعتدلة التي كانت متجهه فقط للقضية الفلسسطينة.
السؤال المهم الذي يطرح نفسه يقول: بعد أكثر من سبعين عاماً على قيام (إسرائيل) هل يمكن للعرب البحث عن وسائل جديدة تساهم في تقدم جديد للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين..؟ هذا السؤال مهم جداً لأن الشرق الأوسط الذي يواجه اليوم أزمات سياسية عميقة سوف تساهم وبشكل كبير في خسائر تاريخية سوف تتكبدها القضية الفلسطينية، أعتقد انه لابد وأن تمارس القوى العربية المعتدلة وخاصة في منطقة الخليج دوراً مختلفاً لوقف الخسائر التي تتعرض لها قضية السلام في الشرق الأوسط.
العرب اليوم مدركون أن إيران تدخل بقوة على خط هذه القضية منذ قيام ثورة الخميني وتستخدم هذه القضية كورقة عاطفية تغازل بها الشعوب الإسلامية، وقد فرضت إيران على العالم العربي ومن خلال أذرعتها السياسية التي زرعتها في لبنان وسورية والعراق وصنعاء فكرة المقاومة، ليس من أجل القضية الفلسطينية في الواقع ولكن الهدف هو فرض استراتيجيات لبناء نفوذ لها في المنطقة، وهذا ما سوف يعقد عملية السلام ولذلك فإن العرب أمام خيارات وتحديات كبرى، لان ترك إيران تتبنى القضية الفلسطينية لوحدها سيكون أزمة سياسية كبرى في المنطقة وفي المقابل فإن ممارسة الدول العربية لذات النهج التقليدي في حل القضية الفلسطينة منذ قيامها قبل أكثر من سبعة عقود أثبت عدم فاعليته.
العرب اليوم أمام تحد جديد في وجود عدو مشترك لجميع أطراف القضية الفلسطينية، هو إيران التي يمكن أن تدخل في عملية حوار فعلي مع إسرائيل والغرب ومن يستطيع منع ذلك إذا اتفق العالم على دورها كمتحدث باسم القضية الفلسطينية بمزاعم أنها تتزعم المقاومة، والدعم الذي تقدمة إيران لبعض الأطراف الفلسطينية قد يؤدي إلى أن يتجه العالم بما فيهم إسرائيل للتعاطي مع إيران التي تبني نفوذها الاستراتيجي في المنطقة على حساب العرب ودولهم بدعم من روسيا وتأييد من الولايات المتحدة التي أجبرت القوى العظمي في العالم من أجل رعاية اتفاق نووي مع إيران.
بعد أزمات الربيع العربي التي أعادت تشكيل المنطقة سياسياً وقد يكون جغرافياً في المستقبل وصنعت قوى وأيديولوجيات ونفوذ، كل هذا لابد وأن يعيد النظر في القضية الأسياسية في الشرق الأوسط، فالسلام في المنطقة لم يعد خياراً بعد كل هذه التحديات التي تواجهها المنطقة، وكذلك تغيير الاتجاه السياسي في قضية السلام والبحث عن بدئل إيجابية تضمن حلولاً معتدلة لقضية الدولتين كلها قضايا يجب نقاشها، فلم تعد القضية الفلسطينة بعد اليوم (هوية عاطفية) بقدر ما هي قضية تحتاج صناعة اتفاق سياسي لا ينظر إلى ما نفتقر إليه من خصائص مشتركة في الحلول بقدر ما ننظر إلى خصائص عقلانية تؤدي إلى نتيجة إيجابية.