الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السلطة والدولة في النموذج السوري

السلطة والدولة في النموذج السوري

12.09.2017
حسام ميرو


الخليج
الاثنين 11/9/2017
ثمة نبرة انتصار، راحت تتصاعد مؤخراً، في خطاب النظام السوري، ليس على لسان من يقف في سدّة السلطة وحسب، بل على لسان مسؤولين كثر في هذا النظام، في محاولة لاستثمار جملة من المعطيات السياسية والميدانية، وهي المعطيات التي ظهرت بعد سقوط حلب في ديسمبر/ كانون الأول 2016، خصوصاً مع الوصول إلى اتفاق "خفض التصعيد"، والذي حدّد عنوان ومسار العمليات العسكرية في الميدان، بحيث أصبح "داعش" هو الهدف الرئيس الأول لتلك العمليات، وهو ما أراح النظام فعلياً على المستوى العسكري، وأوقف استنزاف قواته.
لقد تمسّك النظام السوري، في مواجهته ل "الانتفاضة" السورية السلمية، ومن ثمّ مواجهاته العسكرية مع الفصائل المسلحة، بمقولة "المؤامرة" كتعبير عما جرى في البلاد، وهو الأمر الذي عاد وكرره الأسد مؤخراً في خطابه في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية في شهر أغسطس/ آب الماضي، من دون التطرّق إلى المأزق الوطني الذي فجّر البلاد، وجعلها ساحة مواجهة، ليس فقط بين أبنائه، بل وساحة مواجهة إقليمية ودولية.
في سوريا، وبحسب خطاب الأسد ونظامه، ليس هناك مأزق وطني كان، ولايزال، بحاجة إلى معالجة، بل استمرار دائم لمؤامرات خارجية، تتّخذ من سوريين أدواتٍ لها، وهذا الخطاب ليس جديداً على السوريين، بل هو نسخة مكررة عن خطابات السلطة السورية في مناسبات عديدة، منذ سبعينات القرن الماضي، وهو خطاب مجهّز سلفاً لمواجهة معارضي الداخل، ولإخضاع السوريين، إضافة إلى دورٍ رئيسٍ لهذا الخطاب، وهو جعل السلطة والوطن أمراً واحداً، إذ إنه من الطبيعي أن تكون أي دولة محطّ استهداف لدولٍ أخرى، في سياق الصراع على المصالح الإقليمية والدولية، لكن ذلك لا يعني، ولا يجب أن يعني، المطابقة بين الدولة والسلطة السياسية، خصوصاً في الدول التي تعاني أنظمة شمولية.
لقد جعلت السلطة السورية من نفسها الدولة والوطن في آن واحد، وأي خروج على السلطة هو خروج على الدولة والوطن، وهذه الآلية القاضمة لمعنى الدولة ومؤسساتها هي أحد الأسباب الكبرى التي راكمت النقمة تجاه السلطة على مدار عقود، فقد جَعلت السلطة من نفسها كياناً متعالياً على مختلف الفئات الشعبية، وعلى جميع المؤسسات، وهو ما أفقد مؤسسات الدولة أي استقلالية، بل أصبحت تابعة كلياً للسلطة السياسية أولاً، وللسلطة التنفيذية ثانياً، مع خضوع السلطتين التشريعية والقضائية للسلطتين السياسية والتنفيذية، وخصوصاً المؤسسات الأمنية.
الدولة السورية أصبحت، كمبنى ومعنى، ذات وظيفة واحدة، تتمثل في تأكيد السلطة السياسية، ومثالاً على ذلك مجلس الشعب، فقد استمرّ هذا المجلس في عمله طوال السنوات الست الماضية من دون أن يتطرق بشكل فعلي إلى جوهر المأزق الوطني، ودوره كمجلس يمثّل السوريين، أقله افتراضاً، في توصيف هذا المأزق، والإسهام في معالجته، أو الاعتراف بأن المجلس ناقض التمثيل في ظل الوقائع الجديدة التي قسّمت البلاد إلى مناطق نفوذ، وهجّرت ملايين السوريين خارج البلاد.
إن الدولة كمفهوم مكثّف وواضح هي تعبير عن "الخير العام"، ما يجعل منها محايدة تجاه الصراعات السياسية والتنافسية، ويجعل من مؤسساتها ضامنة لمصالح جميع أفرادها ومكوناتها، وبالتالي فإن احتكار السلطة السياسية للدولة، والهيمنة على مؤسساتها من قبل جهة سياسية ما، وتجيير مؤسساتها لمصلحة نخب معينة، يؤدي بطبيعة الحال إلى جعل أي صراع مع السلطة السياسية هو صراع مع الدولة ومؤسساتها، وهو ما حدث تماماً في سوريا، فقد زجّت السلطة السياسية بمؤسسات الدولة في مواجهة فئات شعبية واسعة، وفي مواجهة خصومها السياسيين، وتحديداً المؤسستين العسكرية والأمنية.
لم تعرف سوريا، منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي، وحتى الآن، دولة مستقلة عن السلطة السياسية، وكان من المستحيل في حالٍ كهذه أن تتمتع الدولة بالاستقلال الضروري في أي مواجهة للسلطة السياسية مع معارضيها، فالمسؤول عن زجّ الدولة في الصراع السياسي هو السلطة السياسية، وليس خصومها، بوصفها المهيمنة على الدولة ومؤسساتها، ومن الطبيعي في هكذا حال أيضاً أن تكون من بين نتائج الصراع الطويل والعنفي خلال السنوات الماضية أن تصبح الدولة أكبر الخاسرين.
وبالعودة إلى خطاب "الانتصار" الذي يروّج له النظام، يبقى لنا أن نتساءل عن معنى هذا "النصر"، في بلد أصبح مرهوناً بكليته، دولة، وسلطة، وأرضاً، لقوى الخارج.
إن أي مغزى لنضال السوريين اليوم وفي المستقبل يجب أن يتمحور بشكل كبير حول بناء الدولة، بوصفها ممثلة للخير العام، وليس بوصفها جزءاً من الصراع على السلطة.