الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون بين "المحلية" و"العالمية"

السوريون بين "المحلية" و"العالمية"

15.04.2014
د. طيب تيزيني



الاتحاد
الاثنين 14/4/2014
بثت محطات فضائية منذ أسبوعين تقريباً خبراً يحمل طابع المأساة الملهاة أو الملهاة المأساة، ذلك هو "إن 65 في المئة من اللاجئين السوريين يخشون ألا يروا وطنهم سوريا ثانيةً"، فإن يخرج المرء من بيته ومدينته وبلده، أمر قد يكون محبباً، حين يتم برغبته وبحوافز منه. لكن أن يتم ذلك قسراً منه وتحت ظروف مفعمة بالمخاطر والمخاوف والإذلال، فذلك شأن آخر، وهذا ما يحدث الآن في سوريا، التي تئن تحت قبضة قطعان من الوحوش البشرية وبوسائل جهنمية في القتل، مثل البراميل المتفجرة والمواد السامة والسلاح الكيميائي، الذي عاد لحلبة الفعل الإجرامي، حسب أخبار بثتها قنوات تلفازية مجدداً.
لقد أصبح المشهد اليومي في سوريا قائماً على التالي: اقتحام المنازل والمحال التجارية والمدارس وغيرها وفتحها بأعقاب البنادق والتعامل مع من يكون موجوداً:الرجال يُشبحون أو أن يُخضعوا لما هو قريب من ذلك، وإعطاء الأطفال "مُخدراً" يحول دون إزعاج الضيوف المجرمين في أثناء تعاملهم مع النساء خاصة.
ولعل أمثال أولئك الشبيحة راحوا يندمون على بعض أفعالهم المألوفة، من مثل التشبيح، في وسط النساء تحديداً وخصوصاً، على عدم تهجير إلى بلدان الجوار "لأمر في نفس يقعوب"، نعم، كان هذا المشهد اليومي شاهداً على حالة ربما لم يرَ العالم مثيلاً لها، وبعد أن تكون تلك الخطوات قد أنجزت، تأتي الخطوة الأخيرة من ذلك المشهد اليومي، وهي تلك التي تمثلت في شِقيها الأول، وهو الذي أخذ دور نهب كل ما غلى وخف في البيت، أما اللحظة النهائية من المكوث في البيت فتتمثل في إشعال نار في أرجائه ومن ثم الخروج منه.
تلك النهاية التي هي مسك الختام الذي يُلهب قلوب أبطال "المشهد إياه" على ذلك النحو وضمن ذلك الترتيب، راحت ضحاياه تتلمس الطريق المناسبة بكيفية وأخرى، حتى لو اختلف المسار، ومن أجل بعض التفصيل هاهنا، قد يصح الاستشهاد بـ"المثل الشهير" الذي يصبح ذا حضور كثيف، خصوصاً في أثناء الحروب واختراق منظومة "القيم السائدة"، أما المثل إياه فهو: "الحرة تموت ولا تأكل من ثديها"، ومع التغيير الذي يمكن أن يُضاف إلى ذلك المثل يصبح هذا الأخير بالصيغة الأخرى التالية: مع حضور البراميل المتفجرة والصواريخ والطائرات وتجويع الناس حتى الموت وحرق الأجساد إلخ، تعيش الحرة ولا تأكل من ثديها في واحدة من حالتين خصوصاً، تقوم الأولى على قدرتها على الهروب من أعين الشبيحة، أما الحالة الثانية فتتجسد في الانتحار وفي حرق الذات، وها هنا، يتماهى حرق الشبيح بفريسته المرأة، التي أقدمت على حرق نفسها، أو التي أقدمت على الهروب والهجرة إلى بلدان الجوار، لتلقى هناك، مثلاً في لبنان والأردن، الحال نفسه تحت ضغط الجوع الماحق والمرض الذي لا دواء له إلخ.
وقد نقارن هذه الحال المركبة بالنسبة إلى المرء بحال الرجال والنساء وكل من يلوذ بهما من الأبناء الآخرين، وذلك حين ينتظر الواحد ساعات طويلة أمام "سفارات الغرب المنفتح والثري والذي يحترم حقوق الإنسان"، كي يتاح له السفر إليه من أجل "الهجرة" من "وطنه السوري المدمر". أما الطريق الثاني للخلاص فيكمن في الهجرة إلى الداخل الديني العاطفي بطريقة ما، ويظهر طريق الخلاص الثالث ليفصح عن نفسه في "الهجرة" إلى السماء، حيث "تلملمه" وتمنحه السكينة والخبز.
ونلاحظ أن تلك الطرق الثلاث التي تظهر للمهاجر خلاصاً من "عالم الاستبداد والفساد والإفساد" الذي هو "عالمه - وطنه"، أي، بتعبير موارب، عن "وطنه السوري والعربي" المستباح.