الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون.. بين كيماوي وكيماوي!

السوريون.. بين كيماوي وكيماوي!

17.12.2013
منار الرشواني


الغد الاردنية
الاثنين 16/12/2013
ربما يتعزز النفي الرسمي الأميركي لصحة ما أورده الصحفي سيمور هيرش في تقريره المنشور في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" بتاريخ 19 كانون الأول (ديسمبر) الحالي، تحت عنوان "سارين من؟"، بما قيل أيضاً عن رفض نشر ذلك التقرير من قبل مجلات أميركية لذات السبب؛ أي الافتقار إلى الإحكام والأدلة الدامغة. رغم ذلك، فإن سمعة الصحفي الأميركي المرموق، كما عراقة المجلة البريطانية، قد تظلان مبعثاً لشكوك مضادة، أي إمكانية صحة ما ذكره هيرش عن تمكن جبهة النصرة، المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، من امتلاك آليات إنتاج غاز السارين، والذي يعد أحد الأسلحة الكيماوية المحرمة التي استخدمت خمس مرات على الأقل منذ اندلاع الثورة السورية، بحسب التقرير النهائي لبعثة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، والصادر يوم الجمعة الماضي.
لكن افتراض صحة مزاعم هيرش، يؤدي فعلياً وبلا أدنى شك، إلى مزيد من الإدانة لنظام بشار الأسد، وحلفائه وأتباعه، وليس العكس أبداً.
لندع جانباً حقيقة مسؤولية هذا النظام عن تدريب وتقوية "القاعدة" خلال سنوات مضت لاستخدامها في العراق، ثم مسؤوليته عن حضورها في سورية بسبب حلوله الأمنية في مواجهة الثورة السلمية. أولى الملاحظات التي يمكن استقاؤها من تقرير هيرش، تتمثل في أنه إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد قررت عمداً تجاهل معلومات عن امتلاك جبهة النصرة لقدرات كيماوية، وذلك في سبيل تجريد الأسد من مخزون أسلحته لمصلحة إسرائيل أولاً، فإن السؤال هنا: لماذا رضيت روسيا، كذلك، بهذه الرواية من دون كثير جدل، وقدمت مخزون السلاح الكيماوي السوري للتدمير؟ هل تآمرت موسكو على سورية (وحتى الأسد) لأجل إسرائيل، بإزالة ما تعتبره هذه الأخيرة التهديد الوحيد لها من الجيش السوري؟ ولا يقلل من السوء هنا، بل يزيده، افتراض تلقي الأسد تطمينات بالبقاء من دون "كيماوي"؛ فهي تطمينات لا تصدر عن روسيا ابتداء، وإنما عن إسرائيل قبل أميركا، وبما ينزع أي ورقة توت "متخيلة" عن "ممانعة" هذا النظام و"مقاومته".
أقرب للحقيقة أن الأسد كان مسؤولاً عن أكبر مجازر الكيماوي على الأقل، وهي التي وقعت في الغوطة في 21 آب (أغسطس) الماضي، بحيث لم يعد من مجال أمام الروس للدفاع عنه، سوى بتسليم مخزونه من هذا السلاح. وهنا يكون أيضا السؤال الأهم: إذ بافتراض أن "النصرة" استخدمت السلاح الكيماوي ضد السوريين، هل يحق للأسد أن يفعل مثلها؟ بعبارة أخرى، هل تشكل جرائم "النصرة" وسواها مبررا لنظام يدعي شرعية حكم سورية، والحديث باسمها واسم شعبها، للإقدام على ما تُقدم عليه تلك الجماعات الإرهابية، لا بنظر النظام وأتباعه ومؤيديه فحسب، بل وبنظر كثير من معارضي هذا النظام والمقاتلين ضده؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأي فارق يبقى بين هذا النظام وبين الجماعات الإرهابية؟
هنا نعود إلى نقطة الانطلاق الأولى والأساسية بالنسبة للأسد وأتباعه في إدارة الأزمة السورية. فالصراع بالنسبة لهؤلاء، منذ ما قبل الثورة السورية بعقود، ليس على إنقاذ الإنسان السوري ووطنه من الاستبداد، علمانياً كان أم دينياً، وإنما هو صراع على امتلاك "الحق" في قتل هذا الإنسان وتدمير بلده. وهو ما أوصل سورية ابتداء إلى الثورة، ثم أوصلها إلى الدمار. وتؤكد ذلك حتى اللحظة مواصلة الحديث عن انتصارات للنظام والاحتفاء بها؛ فليس مهماً مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، وملايين اللاجئين والنازحين، وأرض محروقة لا تكاد تستثني شبراً من الأرض السورية، طالما أن الأسد بخير، لم يفقد حقه في القتل والتنكيل والاعتقال والتدمير.