الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون مختلفون؛هل للصلح مطرح؟

السوريون مختلفون؛هل للصلح مطرح؟

11.08.2016
د. يحيى العريضي


 كلنا شركاء
10/8/2016
كثيرة هي القضايا التي يختلف السوريون حولها. قلّما يتحاورون؛ وإن فعلوا، تفسد حواراتهم ذواتهم المتضخمة أو مساءل خارج جوهر قضاياهم، تذهب بهم إلى الاختلاف والتناقض الحاد أحيانا. أسباب ذلك يصعب حصرها؛ ولكن بدل أن يكون الاختلاف والتنوع دليل حيّوية عفيّة النتاج، تضحي سقيمة و مؤلمة وتزيد في تبعثرهم،  في وقت أكثر ما يحتاجون إلى البحث عن كل ما يجمع لا يفرق، يجسر الهوات لا يبعدها، يطفئ الحرائق لا يؤججها.
في معرض التناول السلبي لليهود، قيل إنه إذا اجتمع يهوديان، يشكلان ثلاثة أحزاب.  ولا ندري إن كانت من باب الذم أو المديح في الشعب السوري عندما قال رئيس سورية لرئيس مصر قبيل وحدة البلدين في /الجمهورية العربية المتحدة/عام 1958، وكان عدد سكان سورية_الاقليم الشمالي) أربعة ملايين: “إنني أقدم إليك أربعة ملايين رئيس”.
مؤسف ان يفرّق بين السوريين أضعاف ما يجمعهم، وخاصة تجاه من يتحكم بمصير سورية اليوم داخلاً وخارجاّ. هناك من هو بوضوح ضد السلطة الحاكمة أو معها؛هناك المضطروالخائف والضحية واللامبالي والانتهازي ,وصولاً إلى المجرم. وهناك مَن يرى السلطة ومن يعارضها أسوأ من بعضهما البعض.
تطور لدى السوريين رغبة جامحة بشيطنة واحدهما الآخر؛ فشهيد أحدهما قتيل الآخر، ووطني الأول خائن الثاني؛  وخروج أحدهما من الوطن تخلّي وجحد ونكران للجميل وانانية، وبقاء الآخر إلتزام وعرفان بالجميل وتضحية. هناك غيمة سوداء كثيفة أطبقت على العقول والأرواح تحجب كل رؤية متوازنة اومنطقية. هناك كل هذه الشروخات؛ ولم أذكر كلمة بخصوص الاصطفافات والتجاذبات على خطوط دينية؛ لأنني أعتبرها من الأسلحة المحرمة التي يُلّوَّح بها ولا تُستَخدَم للحفاظ على البقاء؛ وما كثرة الثرثرة حولها إلا للخوف منها.
لن أضيف أو أدخل في مئات المسائل التي قد يختلف السوريون حولها، ولكن أركز على الانغماس المطلق والتمترس على ضفة معينة وعدم فتح أي نافذة رؤية مشتركة تجاه قضيتهم الأكبر سورية “الوطن والمصير” تحت تأثير معادلة عدمية تجلياتها (الكل أو لا شيء) و ( أحكمها أو أدمرها) و( إما أنا أو أنت
يشكّل التعميم كإستراتيجية في إطلاق الحكم على الآخر أخطر ما يفعله السوريون في ضفاف تمترسهم. كل واحدة من هذه الضفاف تسارع إلى اعتبار نفسها على حق مستحضرةً كل قوتها في شيطنة الضفاف الأخرى دون أن تفسح في المجال في إعطاء أي ملمح من حسن الظن، أو ما يمكن أن يُبنى عليه تجاهالهدف الأكبر والأسمى “الوطن والمصير”.
تسمع من أحد الضفاف العبارة التالية: “ذاك الذي لم تحركه جرائم النظام وتجعله يقطع معه ويثور عليه، إنسان كذا وكذا وكذا”. ربما يكون مُطلق هذا العبارة فعلاً على حق، ولكن تصطدم عبارته الصحيحة هذه بما يأتي بعدها. ماذا تفعل بمن يتخذ هكذا موقف؟ هل يفعل ذلك خائفاً، متزلفاً، مرائياً، انتهازياً أو مضطراً أو مرعوباً بسبب برمجة دماغية اشتغل عليها النظام ليسلب رأيه وحريته وقراره وأي خيار آخر له؟ من جانب آخر ، ماذا تفعل بهكذا شخص؟ أتلغيه؟ أتقتله؟ أتحاكمه؟ أتجرده من هويته؟// وهل هذا وقت قيامك بذلك إن كنت تفكّر بالهدف الأسمى والأكبر للوطن والمصير؟
ومن جانب ثالث، إذا كان لا يزال يرى أن النظام الذي يدعمه ((مقاوم ممانع له سيادة منتخب يدافع عن الوطن يقاتل الارهابيين؛؛؛ وإنه استعان بحزب الله وايران وروسيا كي يحافظ على سورية الوطن لا على سلطته)) _ فماذا أنت فاعل بهكذا إنسان أو اتجاهه؟ هنا إذا كنت كريماً محترماً سموحاً، فتقول ان لا تعايش بيني وبين هكذا مخلوق؛ هو في جغرافية وأنا من جغرافية أخرى. وهنا أيضاً؛ من قال لك إن الذي سلب إرادته ورأيه وحياته، لا يريد_ على الأقل كجائزة ترضية _ بعثرة و شرذمة الجغرافيا الطبيعية والديموغرافية؛  كي يبقى في كرسي تعلقت به حياته ؟!
ماذا تُرك هذان المتناقضان لضفة ثالثة تراهما متشابهين مدمرين/ أو لرابعة تعرف بدقة من الظالم ومن المظلوم، ومن المجرم ومن الضحية، ومن المتسبب، ومن يجب أن يُحاكم؛ ولكنها تجد لنفسها كل الأعذار وعلى رأسها التلظى بأن الجانبين أسوأ من بعضهما البعض؛ وتختار عتمة الضمير العفنة هذه؟
نظراً لما في أعماق السوري من مواجع وآلام وأفكار سوداء ورغبات ثأرية وحزن وإحباط وضياع وخوف ورعب …و.. و..  ؛ فإن منسوب الثقة يكاد أن يكون معدوماً؛ فكل واحدة من المفردات التالية تشكل جبلاً من التعقيدات التي تساهم بانسحاق الثقة: شهداء/مفقودين/محاسبة/خراب/دمار/طائفية/ثارات/أحقاد/مصالح/ ديون/دستور/عصابات/ إرهاب/تكفير/تخوين/.
في ظل كل هذه الشروخ، هل من أمل بالخروج من تلك القواقع، هل بقي ما هو مشترك يمكن البناء عليه لجسر هذه الهوّة السحيقة؟ دعونا نضع المسألة بصيغة أبسط: هل يمكن أن نتفق على جملة من المسلمات ربما تمكننا من مراجعة أنفسنا وأروحنا وعقولنا، كي نعود إلى الحياة؟
* أليست سورية الواحدة الموحدة دون تعصّب أو تخوين أو تكفير او ظلم أو استبداد أو طائفية هي سورية التي يريدها معضم السوريين؟
* ألا يطمح  السوري أن يعيش دون خوف أو رعب أو إحساس بأن شخصاً ما يمكن أن يذلّه أو يعتدي عليه دون حساب أو عقاب؟
* هل يريد السوري ان يقتل الأخ اخاه؟
* هل يريد سوري أن يرى طفلاً سورياً يحمله أباه أشلاءٍ نتيجة قصف طائرة سورية؟
* هل يقبل سوري أن يرى سوريين مدنيين يعانون من حصار يحرمهم الدواء والغذاء؟
* هل يقبل سوري أن يأتي مقاتلون غير سوريين إلى الأرض السورية ويقتلون السوريين أو بعضهم البعض؟
 
* هل يقبل السوريون أي اتفاق مع قوة أجنبية أن يكون لها قواعد عسكرية وتتدخل بإرادة البلد وسيادتها وتقصف طائراتها مواطنين سوريين؟
* ألا يطمح السوري أن يكون صوته حراً يقرر عبره من يمثله في عملية حرة ديموقراطية لا تمليها قوة نصّبت من نفسها وصيّة على عقله وإرادته ورزقه ومصيره وتفكيره؟
* هل يريد السوريون إخوة لهم مبعثرين في مختلف الدول يتلقون الشفقة والإهانة .
* هل من مصلحة السوريين نبش صراعات عمرها قرون لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟
* ألا يعرف السوريون ان أي بلد غير سورية لا يمكن أن تهتم بالسوريين بقدر ما يهتمون ببلدهم؟ فلا يمكن أن تفضل إيران أو تركيا أو روسيا السوريين على مواطنيها.
لنتفق ان من خرج على النظام معارضاً، سوريٌ وابنُ سوريٍ وليس لا وطنياً أو خائناً أو غبياً أو مغرراً به. حتى لو فكّر البعض هكذا، لا بد من إعطاء هؤلاء حسن الظن من قبل إخوتهم. وبالمقابل على هؤلاء ألا ينظروا إلى من لم يخرج على النظام كمرتزق أو خائن للدم السوري أو موالي خانع أو لامبال أو جبان، ويعطيهم حسن الظن عبر عملية نفسية وعقلية تعايشية تصالحية؛ لأن الحياة أهم من الموت، والهدف أسمى وأكبر من أي اعتبار.
يدرك السوريون الموالون للنظام ان ولاءهم فقط هو الذي يمنع النظام من معاملتهم كخونة أو لاوطنيين؛ وسينكل بهم حال اكتشافه حتى ظنيّاً ان هناك اهتزاز بولائهم؛ ببساطة لأن النظام يقوم بمرتكزاته الأساسية على مبدأ المواجهة لا على مبدأ التعايش والتشارك والأمان: أمان السوري يستلزم  ولاءه؛ وإلا أُبعد أو سُجن أو قتل.
من هنا ما يُفرّق السوريين بشكل أساسي يكمن بالموقف تجاه المنظومة الحاكمة. وهنا يبرز السؤال: إن كان هناك استقبال للتفاهم، فما البديل؟ حقيقة السؤال مهين جداً سلفاً لطارحه؛ فالسوريون عندما يصلون إلى أرضية التفاهم أو حتى إلى أولوياته، سيجدون أنه بإمكان إرادتهم المجتمعة أن تكون بديلاً، وبأسرع من التصور والخوف القائم. فسورية ولاّدة؛ وهناك مشاريع درست الوضع القائم، وما وصلت إليه الأمور؛ وبحثت بعمق خروج القضية السورية من أيدي أهلها، لتتحول إلى قضية دولية، يقر بها العالم شامتاً أو مستسلماً أو مبرمجاً لذلك. المشروع جاهز، وطَرَحَته عقول سورية عظيمة؛ وعندما تتم الخطوة الاولى في الاستعداد للبدء بما يجمع، سيكون متوفراً بين أيدي السوريين؛ وسيجدون ما يبعث الفرج والعزة والثقة في النفوس والخواطر.