الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون والانتحار الجماعي.. الوجه الآخر لمشكلة اللاجئين

السوريون والانتحار الجماعي.. الوجه الآخر لمشكلة اللاجئين

27.08.2015
سامح المحاريق



الرأي الاردنية
الاربعاء 26/8/2015
الأوروبيون مستاؤون من قضية الهجرة غير الشرعية ولكنهم في المقابل لا يقدمون حلولاً واقعية، وتدور حالياً وقائع مذبحة نوعية تلتهم فيها مياه المتوسط مئات المهاجرين الذين ينظرون إلى الشواطئ الأوروبية بوصفها طوق النجاة الأخير، وإذا كانت مسألة هجرة مواطني الدول الإفريقية أصبحت مفهومة وواضحة للجميع، ولا يمكن أيضاً للدول الأوروبية أن تتنصل من مسؤولياتها الأخلاقية بوصفها أحد أسباب حالة التردي الاقتصادي والاجتماعي الذي تعمق أثناء الفترة الاستعمارية، فإن هجرة السوريين ما زالت تتيح للأوروبيين فرصة لإبراء ذمتهم الأخلاقية والتاريخية عوضاً عن المزيد من التورط في هذه المذبحة الصامتة.
السوريون وجدوا ظروف اللجوء للدول المجاورة غير مهيأة لاستقبالهم بما يضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة في الظرف الاضطراري الذي يعايشونه، والدول المتاخمة لسوريا وفي مقدمتها الأردن كشفت لأكثر من مرة مدى الأعباء المالية والاقتصادية والاجتماعية التي تتحملها من أجل استضافة الأشقاء السوريين في أزمة لم يكن الأردن سبباً مباشراً أو غير مباشر في إضرامها، ولكن الحكومة الأردنية وجدت تباطؤاً كبيراً في المساعدات التي تمكنها من القيام بدور إنساني يعني الجميع ويهمهم على قدم المساواة، ومع ذلك بقيت الأردن مستعدة لقبول اللاجئين السوريين على الرغم من الظروف الصعبة.
اللاجئ السوري وجد نفسه عبئاً كبيراً على الدول المضيفة، وباستثناء بعض الأصوات النشاز التي تتعامل مع السوريين وكأنهم يمتلكون أصلاً خيارات أفضل من اللجوء، فإن الوضع العام في الدول المجاورة، ونتيجة عدم الاكتراث الدولي، كان عاملاً طارداً لمن يحاولون الهرب من جحيم الصراع متعدد الأطراف في سوريا، وأحوال اللاجئين في الأردن ولبنان وهما البلدان الصغيران كانت تعزز من هذه الفكرة لدى السوريين، وبينما وقفت تركيا بكثير من الحسم أمام استقبال مزيد من اللاجئين، مع أنها، وليس الأردن أو لبنان، طرف غير مباشر في الصراع، فإن البحر المتوسط كان حلاً انتحارياً ولكن وحيداً.
اللاجئون السوريون عالقون اليوم في أكثر من موقع على ضفاف المتوسط، ويمكن لدول أوروبية مثل اليونان ومقدونيا أن تخبر شركاءها في الاتحاد الأوروبي بمدى صعوبة مسألة استقبال اللاجئين وهم بالمئات، فكيف يمكن النظر لاستقبال الأردن مثلاً لأكثر من مليون لاجئ سوري اضطرتهم ظروف الحرب للانتقال إلى الأردن.
يعتقد الأوروبيون أن مهامهم تقتصر على المساهمة في إعاشة اللاجئين السوريين، ولكنهم يغفلون أن حالة اللجوء تنطوي على تكاليف وتبعات هائلة على البلدان المضيفة، وتحدث الكثير من الازاحات الاجتماعية والاقتصادية، ومجريات الأوضاع في محافظات الشمال التي تواجه الحصة الأكبر من اللجوء السوري في المخيمات وخارجها، تدلل على مدى تعمق مشكلة اللاجئين في الأردن وضرورة اتخاذ اجراءات عاجلة لمواجهتها، وإلا فإن الأوروبيين سيحصلون على جبهة جديدة لهجرات المتوسط التي تحمل الطابع المأساوي وغير الإنساني.
السوريون كانوا عادة مهاجرين يثرون الأماكن التي يقصدونها بما يمتلكونه من خبرات وشخصية حضارية، ودورهم في أمريكا اللاتينية وغيرها معروف، ولكن في حالة الهجرة الحالية فإن السوريين يخرجون قسرياً ومن الفئات التي لم تفكر بالهجرة من قبل، وكانت تعلم يقيناً بأنها مرتبطة بالأرض السورية لأسباب عاطفية وطائفية وأيضاً اقتصادية، فالمهاجرون السوريون كانوا عادة من المهنيين والمتعلمين، أما في الأزمة الأخيرة فالجميع يبحث عن منفذ للخروج حياً أو على الأقل موت مبكر يكون أفضل وأشرف من انتظار الموت تحت البراميل المتفجرة أو سكاكين "داعش".