الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون وقوارب الموت..مقاربة إنسانية

السوريون وقوارب الموت..مقاربة إنسانية

04.09.2014
علي الرشيد



الشرق القطرية
الاربعاء 3/9/2014
وأنا أقرأ خبر غرق سوريين كانوا متوجهين في قوارب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وانتشالهم قرب شواطئ تونس.. تخيّلت المشهد بكل صوره ولقطاته التراجيدية المُوجِعة.
تألمتُ من الأعماق وأنا أتخيّل لحظة الغرق بكل تفاصيلها المُفجِعة، وكيف كانت حالة الأمهات والآباء وهم يرون فلذات أكبادهم أمام ناظريهم وقد قذفتهم الأمواج بعيدا، أو عندما كانوا يصارعون الموت، فيما الأمواج تبتلعهم دون أن يستطيعوا فعل شيء لهم. وتخيّلت زوجاً وهو يرى زوجته تمدّ يدها إليه، وهي تستغيث في هذه اللحظات الحرجة لينقذها، دون أن يتمكّن من القدرة على عمل شيء.
تصورتُ عقدة الذنب في هذه اللحظات العصبية والقصيرة التي شعر بها الآباء أو الأمهات تجاه صغارهم، وهم قد أوردوهم المهالك، من حيث احتسبوا أو لم يحتسبوا، خصوصا أنهم قد قرأوا أو سمعوا عن حوادث سابقة، حدث فيها ما وقع لهم تماما.
مشهد تكرر، والأغلب أنه سيتكرر، لأنه يعبر عن حالة الإحباط فقدان الأمل عند شرائح كبيرة من الشعب السوري، التي تعاني من فقدن الأمن والأمان وسبل الحياة الكريمة بعد أن أصبح تسعة ملايين شخص منه، موزعين بين لاجئين ونازحين، وبعد أن تركها العالم تواجه أوضاعا إنسانية استثنائية صعبة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، والأسوأ من ذلك أن قضيتها وبلدها مهددان باستنزاف طويل، والتحول إلى قضية شبه منسية.
عندما يخاطر السوريون عبر قوارب الموت رغم كل المخاطر المتوقعة والمُحدِقة بهم، فلأنّهم يحلمون أو كانوا يحلمون بحياة جديدة تخلِّصهم مما يعانونه، ويجدون فيها الأمن والسلام والحرية، والعيش الكريم الذي يليق بإنسانيتهم، بعيدا عن الظلم والقمع والفساد وذلّ المسألة، يخاطرون على مذهب المثل الدارج" اللي جبروا على المرّ هو الأمر منه".
لا أظنّ أن صور الأطفال والنساء الغرقى في عرض البحر المتوسط ستهزّ ضمير ما يسمى بالمجتمع الدولي أو العالم المتحضر، رغم ما يدّعيه من إنسانية، كما لم تحركه من قبل مشاهد قتل أطفال سوريا على مدار ثلاث سنوات، أو غزة على مدار خمسين يوماً في العدوان الإسرائيلي الأخير.
من المفارقات أنني قرأت خبراً في وقت متزامن مع فاجعة الغرقى يفيد بمقتل 42 طفلا سوريا بفعل ضربات شنها النظام السوري على عدد من المحافظات في الساعة الـ 36 التي سبقت اليوم الأول من الشهر الحالي (سبتمبر).
كان ومازال بإمكان ما يسمى بالمجتمع الدولي وضع حد لعذابات السوريين المتواصلة منذ عدة سنوات، وألا يضطرهم لكي يصلوا إلى حّد إلقاء أنفسهم وأهليهم في التهلكة، كان بالإمكان حصول ذلك لو كان هناك توجّه فعلي، للضغط على نظام الأسد ليكفّ عن قتل المدنيين من أنباء شعبه بالقصف والبراميل المتفجِّرة والأسلحة المحرمة دوليا، بعد أن خرجوا مطالبين بحريتهم أو كرامتهم. كان بإمكانه أن يخصص مناطق حظر جوي لهم أو يفرض عقوبات قاسية على النظام، كما فعل إزاء تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، أو يدخل في مفاوضات قوية مع حلفائه وداعميه لاستبداله واستبدال رموزه كما فعلوا مع نوري المالكي، أو يضغط لفك الحصار على المناطق المحاصرة التي طحنتها المجاعة وأتعبتها الأمراض والأوبئة، لكنه لم يفعل، بناء على ما عرف عن نفاقه وازدواجية معاييره.
وكان ومازال بإمكان العالم ومن ضمنه العالم العربي والإسلامي أن يوقف نزيف الموت والهجرة عبر قوارب الموت، لو أحسن إكرام اللاجئين، وتعامل معهم بإنسانية وشهامة، لأن هؤلاء اللاجئين يعانون في إشكالات كبيرة منها إغلاق الوجوه في وجوههم للوصول إلى الدول المجاورة، بحجة زيادة العبء على الدول المضيفة، ومنها التمييز، وعدم توفر فرص التداوي، والتعليم للأطفال، وأحيانا عدم توفر الأمن أو ظروف الإقامة الكريمة في المخيمات أو خارجها. بينما كان الشعب السوري يفتح ذراعيه بكل رحابة صدر لكل اللاجئين من العرب (الفلسطينيون، اللبنانيون، العراقيون..) والعجم (الشركس والأرمن..) طيلة القرن الماضي.. والكلام عن بعض الدول وليس كل الدول المجاورة.
ومع رفضي القاطع للهجرة غير الشرعية عبر قوارب يحفّها الموت والخطر من كل جانب، والتصرف على هذه الشاكلة، إلا أنني أعتبر أن المسؤول الحقيقي عنها هو ممارسات ما يسمى بالمجتمع الدولي وبخاصة الولايات المتحدة والدول الغربية من جهة، والعالمان العربي والإسلامي، الذين تركوا السوريين يواجهون مصيرهم لوحدهم أمام غول الظلم والبطش والقتل والتدمير، دون أن يقدموا لهم ما يتوجب عليهم على الأقل في الشق الإغاثي والإنساني داخل بلادهم أو خارجهم عندما اضطروا لمغادرتها.
وعلى العالم أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية إزاء الحوادث المتكررة لقوارب الموت، وكذلك إزاء موت المدنيين من الأطفال والنساء يوميا في سوريا بفعل آلة القصف والتدمير العشوائي.. وإلاّ لن يذكرهم التاريخ بخير.
ستبقى كلمة الإنسانية التي يتبجحون بها كذبة كبيرة وذرّ للرماد في العيون، وتذكر بماضيهم الذي تفوح منه رائحة العنف والإجرام والظلم، ما لم يكفِّروا عن ماضيهم بسلوك راهن مختلف، ويكفي التذكير هنا فقط بإبادة شعب كامل (الهنود الحمر) وجلب الشعوب الإفريقية للعمل كعبيد، لتبني الولايات المتحدة فيما بعد مجدها وديمقراطيتها ودولتها المتحضرة وقيمها الإنسانية على أنقاض كل ذلك!.