الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون ولحظة الحقيقة

السوريون ولحظة الحقيقة

28.09.2015
د. وائل مرزا



الشرق القطرية
الاحد 27/9/2015
في ظل المتغيرات المتسارعة في المنطقة، يبدو واضحاً أن السوريين، من أهل الثورة، لايملكون الآن، جميعاً، وعلى اختلاف انتماءاتهم وآرائهم، إلا أن يُسابقوا الزمن.
ما من حاجةٍ للحديث في التفاصيل. ولا نؤمن، ابتداءً، أن ثمة من يعرف، على وجه الدقة دلالات تلك التغييرات وما الذي سيحدثُ تالياً. فالدعاياتُ المُضللة تبدو سيدة الموقف من جهة، وعمليات (المُدافعة) السننية بين مختلف الأطراف لاتزال، على ما يظهر، في أوجها، من جهةٍ ثانية.
لكن الظرف لا يسمح، في جميع الأحوال، بالركون إلى (المُعتاد) من الممارسات والمواقف وطريقة العمل السائدة بين السوريين.
ومرةً أخرى، كأنه قدرٌ من الله غالِب. فإذ يُدرك السوريون أنهم بشر، يحلمون بأن يقف إلى جانبهم في مسيرتهم نحو الحرية إخوةٌ في الدين والعروبة والإنسانية. ولأنهم بشر، يجهرون بحلمهم ذاك بين آونةٍ وأخرى. لكنهم يجدون أنفسهم كمن يصرخ في صحراء مُقفرة.
لا نريد التعميم في هذا المقام، فثمة من يُقدّم المساعدة بصمتٍ وهدوء. لكنّ الوقائع والأحداث تُظهر يوماً بعد يوم أن سقوط النظام السوري بمعناه الحقيقي لن يحصل في النهاية ما لم (يُقرر) السوريون ذلك، بعملهم، وليس بالكلام.
للتاريخ، وللدراسة في لحظات اتخاذ القرار الحساسة بالنسبة للسوريين، نُذكرُ بالسؤال الذي طرحه كوفي عنان عام 2001 عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة على أطراف النظام الدولي، وتشكلت للإجابة عليه لجنة خاصة باسم اللجنة العالمية للتدخل العسكري والسيادة الوطنية: "إذا كان التدخل العسكري لحماية حقوق الإنسان تعدياً على السيادة الوطنية للدولة ذات العلاقة، كيف يمكن لنا أن نتعامل مع إمكانيات وجود راوندا جديدة أو سريبربنتسا أخرى، حيث يجري انتهاك منظّم ومنهحي لحقوق الإنسان بشكلٍ يتناقض مع كل مبدأ من مبادئ بشريتنا المشتركة؟".
وبناءً على نتائج عمل اللجنة العالمية، أعلنت الأمم المتحدة عام 2005 مبادرةً أسمتها (مسؤولية الحماية). تتألف هذه المبادرة من مجموعة مبادئ تمّ بناؤها على قاعدة أن السيادة الوطنية ليست (حقاً) وإنما هي (مسؤولية) بالدرجة الأولى.
ركّزت المبادرة على محاولة منع حصول أربع جرائم أو وقفها في حال حدوثها وهي: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي.
أما المرتكزات الثلاثة الرئيسية لمبدأ الحق في الحماية فقد وُضعت كالتالي: أولاً، إن كل دولة مسؤولة عن حماية مواطنيها وسكانها من أي مذابح جماعية. ثانياً، يتحمل المجتمع الدولي عبء مساعدة أي دولة للوفاء بتلك المسؤولية الأساسية.
ثالثاً، إذا أخفقت الدولة في حماية مواطنيها من المذابح الجماعية وأخفقت المساعي السلمية، فإن المسؤولية تقع على المجتمع الدولي للتدخل بأساليب قاهرة مثل العقوبات الاقتصادية، ويُعتبر التدخل العسكري الملاذ الأخير للتعامل مع الموضوع.
وفي التاسع من شهر آب عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية بأشهر، قدم بان كي مون، الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، تقريراً للجمعية العامة بعنوان "الإنذار المبكر: التقويم ومسؤولية الحماية" كجزء من متابعة الجمعية العامة لتطبيق هذا المفهوم. في هذا التقرير سلّط الأمين العام الضوء على آليات التقويم والإنذار المبكر الموجودة في نظام الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وتحدث عن بعض النواقص، ثم قام بتقديم مقترحات لتحسين قدرة الهيئة الدولية لاستعمال معلومات الإنذار المبكر بشكلٍ فعال، بما يتضمن تقارير من ضباط المواقع الميدانيين، وصولاً إلى تطوير آليات استجابة مبكرة ومرنة ومتوازنة في أي حالةٍ يبدو فيها خطر حصول واحدةٍ من الجرائم المذكورة.
بعد مضي قرابة خمسة أعوام على بدء الثورة السورية، ورغم كل ما شاهده ويشاهده العالم من ممارساتٍ للنظام السوري يمكن تصنيفها ضمن أنواع الجرائم الأربع المذكورة في مبادرة (مسؤولية الحماية) الأممية، يبدو أن أجهزة ووسائل الإنذار المبكر لم تستطع التقاط الإشارات المطلوبة التي يجب أن (تُشغّل) نظام الردّ والاستجابة! أما (المساعي السلمية) فالواضح أنها لم تُستنفذ؟ وبالتالي، يبدو جلياً أن (الملاذ الأخير) بعيد المنال.
سيكون وصف ما يجري ب (النفاق) تقزيماً للحقيقة في هذا المقام. فما يجري حقاً هو نوعٌ من تلك الدروس الوحشية الباردة الوقحة التي يحاول النظام الدولي الحالي تلقينها للشعوب الأقل قوةً في هذا العالم.
لا صوت يعلو فوق صوت المصلحة بالنسبة للنظام الدولي السائد. وما على الشعوب التي تريد أن تصنع حاضرها ومستقبلها حقاً، كما هو الحال مع الشعب السوري، إلا أن يكون جاهزاً ليتعامل مع هذه الحقيقة.
لا مجال هنا للأمنيات والأوهام، ولايملك شعبنا رفاهية البناء على الشعارات التي يبيعها النظام الدولي بأبخس الأثمان في سوق العلاقات الدولية.
هل يمكن وصف ما يجري سوى أنه (مهزلة)؟
نوقن بأن مثل هذه (المهازل)، التي تُعتبر من مكونات النظام الدولي، تُخالفُ قوانين الاجتماع البشري، ونؤمن أنها ستكون مسامير تهزّ أركانه، بعد إذ بات فشله واضحاً في التعامل مع أزمات إنسانية يغلبُ أنه كان سببها ابتداءً. وإذ يُصبح مواطنوه قبل غيرهم شهوداً على الفشل المذكور ومادةً لنتائجه العملية، فلا مجازفة، ونحن نستحضرُ ما يُسمى ب (مكر التاريخ)، في الحديث عن ثورةٍ / فوضى عالمية قادمة قد يكون الربيع العربي وتداعياته بذرتها.
بغض النظر عن هذا، نحن في مرحلةٍ بات فيها واجباً اتفاقُ الموقف والرأي والكلمة بين كل أطراف المعارضة السياسية والعسكرية السورية، وصارت فيها أي ممارسةٍ تؤدي للتشرذم خيانةً لأي معنىً باقٍ من معاني الثورة، ولتضحيات ملايين السوريين بكل تأكيد.
ثمة حاجةٌ ملحةٌ لأن يغادر جميع الساسة المعارضين السوريين اليوم إقطاعياتهم و(كانتوناتهم) التنظيمية والأيديولوجية. فالسياسة بالتعريف السائد هي فنّ الممكن. والممكنُ في الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض عليهم جميعاً الخروج من نفق المماحكات القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين وثورتهم، والتي تكاد تغرقهم وتُغرق الثورة.
لا توجد اليوم جهةٌ يمكن أن تدّعي احتكار التمثيل المذكور بأي درجةٍ من الدرجات.
انتهى الأمر يا سادة، وباتت الحقيقة السابقة واضحةً لا يماري فيها إلا مُكابر. والمماراة المذكورة لا تؤدي إلى شيء بقدرٍ ما تؤذي الثورة، وتوسّع دوائر الأسئلة والاستفسارات حول المعارضة نفسها.
ثمة (ائتلافٌ) حصل على اعترافٍ دولي في يومٍ من الأيام، وهو اعترافٌ لم يُسحب من التداول. من هنا، يمكن إعادة هيكلة المعارضة السياسية السورية بأسرها تحت عنوانه، بغض النظر عمن يبقى وعمن يرحل من قياداته الحالية وأعضائه.
وثمة (جيشٌ حر) اجتمعت كلمة السوريين على معانيه كما لم تجتمع بعد ذلك على فصيلٍ عسكري أياً كان. لهذا، يمكن إعادة هيكلة الفصائل العسكرية تحت اسمه، بترتيباتٍ لا يستحيل إيجادُها إذا خلُصت النيات.
وثمة (رؤيةٌ) يجري تداولها بخصوص الحل السياسي في أوساط المعارضين ساسةً وعسكر، وهي في بعض ملامحها واردةٌ في بيان الفصائل المتعلق بمبادرة ديمستورا، والصادر منذ أسبوعين بإجماعٍ منقطع النظير.
هي نافذة فرصة إذاً. أن يأخذ السوريون زمام المبادرة بيدهم في هذه اللحظة الحساسة. لكنها أيضاً لحظة الحقيقة التي لايوجد فيها أمام السوريين خيارٌ آخر على الإطلاق.