الرئيسة \  واحة اللقاء  \  السوريون في عين العاصفة!

السوريون في عين العاصفة!

12.09.2013
أكرم البني


الحياة
الاربعاء 11/9/2013
تتعدد آراء السوريين وتختلف مواقفهم من احتمال تعرض البلاد لضربة عسكرية، جراء اختلاف إصطفافاتهم وتباين ردود أفعالهم وإجاباتهم عن أسئلة مقلقة، حول جدية الغرب في تنفيذ تهديداته، وحول حدود الضربة وقوتها وزمنها، وما قد تخلفه من نتائج على الصراع الدائر ومسار تطوره.
ثمة من هم على يقين بأن لا ضربة عسكرية قريبة ولا من يحزنون، ودليلهم التردد والتناقض في المواقف الرسمية الغربية والإحالات إلى مؤسسات تشريعية تعرف كيف تلتهم الوقت، كمجلس العموم البريطاني والكونغرس الأميركي، وما لغة التهديد والوعيد سوى زوبعة في فنجان، إما لأن الدول الغربية تخشى الدخول في معركة غامضة ضد النظام وحلفائه وتتحسب من الانجرار إلى مستنقع يماثل حالها إبان احتلال العراق، وإما لامتصاص ضغط الرأي العام من صور مروعة لضحايا سلاح كيماوي سبق واعتبره الرئيس أوباما خطاً أحمراً، وفي الطريق تحسين الموقف الأميركي في قمة العشرين لحض الطرف الروسي على تسخين المعالجة السياسية للصراع السوري قبل فوات الأوان.
والأوان، يراه آخرون، ضربة عسكرية محدودة غرضها تأديبي. فمع ازدياد الحرج الأخلاقي والسياسي من استخدام أحد أسلحة الدمار الشامل، بات من الضروري إظهار العصا الغليظة كرسالة صريحة من المجتمع الدولي بأنه لن يقف مكتوفاً تجاه من يتجرأ ويتجاوز وسائل الصراع التقليدية، ويخلص هؤلاء إلى نتائج مثيرة للقلق حول قدرة النظام على تحمل هذه الضربة وتوظيفها إعلامياً، مرة بتنشيط الشعارات الوطنية ضد العدو الأجنبي للطعن بشعارات الحرية والكرامة، ومرة بالنيل من سمعة المعارضة وتشتيت صفوفها عبر مغازلة قوى يحتل الهم الوطني ومواجهة التدخلات الخارجية الأولوية لديها، ومرة بتحويل الأنظار عن المأساة الداخلية وما خلفه العنف المفرط من ضحايا وخراب، لتحرير الذات من المسؤولية وتحميل ما جرى ويجري للآخر المتواطئ، بما في ذلك شحن الدعاية الرسمية عن المؤامرة الكونية التي تتعرض لها البلاد بسبب موقفها المقاوم والممانع، وعن دول استعمارية لفقت قضية الكيماوي كي تسوغ مشاركتها المباشرة في الصراع حين استشعرت تحول ميزان القوى لمصلحة النظام، ولا يقيم أصحاب هذا الرأي اعتباراً لدوافع موسكو في إحجامها عن الدخول في حرب مع الغرب من أجل سورية، أو لدلالات تصريح رفسنجاني الأخير وما رشح عن تردد طهران، فهي عندهم مجرد مناورات، وحين تقع الواقعة لن تتخلى روسيا وإيران عن مصالحهما الكبيرة في المنطقة ولن تخذلا النظام، وربما تنتهزان هذه الفرصة لقلب الطاولة على رؤوس الجميع.
المعروف أن للسوريين حساسية خاصة تجاه المسألة الوطنية والتدخل الأجنبي بعد تجربة العراق، لكن حين يثار الجدل حول الضربة العسكرية ربطاً بصراع مدمر طال، وبمعاناة إنسانية شديدة، وبانسداد الأفق أمام أي بديل يمكن أن يردع آلة القمع ويضع حداً لعنف منفلت، تسمع آراء جديدة ما كنت لتسمعها سابقاً تعترف بحاجة البلاد اليوم الى تدخل أممي فاعل يخرجها مما هي فيه.
ليس غريباً أن يعلن سوريون عبارات واضحة عن تضامنهم وتأييدهم للضربة العسكرية، فهي عند المتضررين من عنف النظام رجاء طال انتظاره كي ترد عنهم بعض القهر والظلم، بخاصة أولئك الموجودين في المدن المحاصرة والمناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة ومن النازحين واللاجئين في بلدان الجوار، فضلاً عن الكثيرين ممن بدأوا يستشعرون خطورة القادم وأنه أكثر سوءاً إن طال أمد الصراع الدموي، ويتطلعون الى دور دولي رادع يوقف العنف ويضع البلاد على سكة المعالجة السياسية.
وإذ تتفق أوساط سياسية وثقافية على تحميل النظام مسؤولية ما يحدث وأن إفراطه في العنف واستجرار الدعم الخارجي شكلا حافزاً صريحاً لتدخل الغرب عسكرياً، لكن بعضهم يرفض الضربة العسكرية ويحذر من تداعياتها في إجهاض الحل السياسي وتعزيز قوى التطرف والعنف لدى السلطة والمعارضة في آن، بينما على العكس يحذر آخرون من ضررها إن جاءت ضعيفة أو غير ناجعة وسمحت للنظام بالتقاط أنفاسه وتوظيف استمراره في الحكم كانتصار وبرهان على قوته وجدوى مواجهاته، وبين هذا وذاك ثمة من يأمل بأن تكسر الضربة المحدودة الاستعصاء القائم حتى لو دفع الصراع نحو المجهول، أو من يحدوه رهان بأن تفضي، في ظل الإنهاك المتزايد للقوى العسكرية والموقف المتردد لحلفاء النظام، إلى تفكيك الدائرة الضيقة المتمسكة بخيار العنف، وبلورة قوى من داخل تركيبة السلطة نفسها تزداد قناعة بضرورة المعالجة السياسية، وتبادر الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
يخشى الكثيرون من أن تفتح الضربة العسكرية الباب أمام الفوضى وانفلات الاقتتال الأهلي من غير رادع، إن مع انهيار دور الدولة وقدرة مؤسساتها على ضمان حياة الناس وحاجاتهم، وإن في منح الجماعات الاسلاموية المتطرفة الفرصة للنيل من الآخر المختلف ووضع أجندتها موضع التنفيذ من دون اعتبار لحقوق الناس وكراماتهم، وتحسباً من الفوضى، تسمع اصواتاً قوية تطالب بمزيد من الجهد لربط الردع العسكري الخارجي بإرادة أممية تضمن استقرار الأوضاع وترعى تنفيذ خطة طريق انتقالية تستند إلى المعايير الدولية لحقوق الانسان والقواعد الديموقراطية التي تمكن الشعب السوري من تقرير مصيره.
أين وصلت أحوالنا وأي غد ينتظرنا؟! هو سؤال قلق يتكرر على لسان غالبية السوريين بغض النظر عن اصطفافاتهم ومواقفهم، وكأن ثمة إحساساً عاماً بدأ يتملكهم جميعاً بالهزيمة والضياع وبرغبة صادقة في الخلاص من هذه المحنة، وربما هو شعور مشترك يتنامى من خطورة تصاعد العنف وما يخلفه من خراب ودمار وأعداد تتزايد من الضحايا والمعتقلين واللاجئين، أو هي خشية وحسرة بدأت توحدهم من استباحة بلادهم وتحويلها إلى ساحة صراع على النفوذ بين مختلف الأطراف الاقليمية والعالمية، وربما هو العجز والتوجس من راهن غامض ينزلق من أياديهم نحو الأخطر، ومن مستقبل لم تعد صياغته شأناً داخلياً.