الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط: أصوات ومواقف

الشرق الأوسط: أصوات ومواقف

14.12.2015
جيمس زغبي



الاتحاد
الاحد 13/12/2015
خلال السنوات الخمس الماضية، تسنّت لي فرصة إجراء عدة استطلاعات رأي في دول الشرق الأوسط من أجل توفير مواد التحليل للنقاشات السياسية التي يتم تنظيمها في "منتدى صير بني ياس" السنوي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وخلال شهر سبتمبر الماضي، استطلعنا آراء 7400 من الشباب في ست بلدان عربية، هي مصر ولبنان والأردن والعراق والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة لدولتين غير عربيتين هما تركيا وإيران.
واستطلاع الآراء أشبه بفتح نافذة جديدة تتيح لنا الاستماع إلى أصوات الناس والوقوف على آرائهم ومعتقداتهم واهتماماتهم والأولويات التي ينشدونها. وأنا أدعو هذا النشاط "علم الاحترام" the respectful science، لأنه يرصد اهتمامات كل إنسان منفرد. وعندما تنصت فأنت تتعلم. وفي بعض الأحيان، يتم التحقق من الافتراضات والطروحات النظرية، وفي أحيان أخرى نقع على المفاجآت. وفي استطلاعاتنا لهذا العام، خرجنا بالأمرين معاً. وهنا عرض لأهم ما توصلنا إليه من استطلاعنا.
ففي العراق، ومثلما كنا نتوقع، وجدنا أن العراقيين منقسمون فيما يتعلق بثقتهم في المؤسسات المهمة وأدوار اللاعبين الإقليميين في بلدهم. فالعرب السنّة على سبيل المثال، لا يثقون بالجيش العراقي ولا بالتدخل الإيراني ولا بوحدات "الحشد الشعبي" التي تقاتل تنظيم "داعش". والعرب الشيعة، بالمقابل، يؤيدون الأدوار التي تلعبها تلك الأطراف. وهناك إجماع واسع على قضيتين مهمتين. تشير الأولى إلى أن سبب النزاع في العراق يعود إلى أن "حكومة بغداد لا تمثل كل العراقيين"، وأن "الطريقة المثلى للوصول بالنزاع إلى حل نهائي تكمن في تشكيل حكومة جامعة لكافة الأطياف وغير مبنية على المحاصصة". وحتى الأكراد يتفقون مع الرأي القائل بأن الحكومة المركزية الجامعة تمثل البديل الأفضل للحكومة الإقصائية. وفيما يتعلق باتفاقية (5الاحد 13/12/20151) النووية، عبّر معظم الذين استطلعنا آراءهم في البلدان المذكورة (ما عدا لبنان وتركيا) عن عدم تأييدهم للاتفاقية، لأنهم لا يتوقعون أنها ستؤدي إلى تقويض الأسس التي يقوم عليها البرنامج النووي الإيراني. وإلى ذلك فإن المصريين والسعوديين خاصة، يعتقدون أن إيران سوف تستغل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها لزيادة تدخلها في دول المنطقة.
وبالنسبة للإيرانيين أنفسهم، فهم يشعرون بأن الاتفاقية تمثل تحدياً لهم. وفيما عبّر معظمهم عن تأييده لها، فإن ثلثيهم أعربوا عن تخوفهم من أن تكون حكومتهم قد وافقت على الشروط المتعلقة بتحديد برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. وأعربت نسبة عالية منهم عن رغبتها بأن تمتلك إيران الأسلحة النووية لأن العديد من الدول الأخرى تمتلك مثل هذه الأسلحة. وعندما سئلوا عن الأولويات التي ينبغي لحكومتهم أن تلتزم بها عند تطبيق الاتفاقية، كانت الخيارات التي اتفق عليها المستَطلعون: تطوير الاقتصاد، وتعزيز الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية، وتكريس الحقوق المدنية. واحتلت الرغبة بزيادة التدخل في دول المنطقة المرتبة الأخيرة من اهتمامات المستَطلَعين. ولا يزال الإيرانيون يؤيدون دعم بلادهم للعراق وسوريا ولبنان، لكن وفقاً لمستويات أخفض مما كان في السنوات السابقة.
وبالنسبة للقضية الفلسطينية، اتضح من الاستطلاعات أن أخبار فلسطين تراجعت إلى حد كبير في وسائل الإعلام، لكنها لا زالت تحتفظ بأهميتها الكبيرة بالنسبة لكل العرب الذين تم استطلاع آرائهم. وعندما طلبنا منهم ترتيب الصراعات الدائرة في المنطقة بحسب أهميتها، احتلت القضية الفلسطينية رأس القائمة في كل البلدان العربية. وأعربت الغالبية العظمى ممن استطلعت آراؤهم في جميع البلدان العربية المذكورة (ما عدا العراق) عن رغبتها في أن تقدم حكوماتها المزيد من الدعم للجهود الفلسطينية لتوحيد الصف الفلسطيني.
وفيما يتعلق بالتطرف، يرى المستطلعون أن تنظيم "داعش" يمثل إحدى أخطر مشاكل التطرف التي تواجهها المنطقة في جميع البلدان المذكورة، ما عدا الأردن الذي يمثل تنظيم "القاعدة" الخطر الأكبر فيه. وعندما سئل المستطلعون عن الأسباب الأكثر تأثيراً في خلق التطرف الديني، رأت الغالبية العظمى بأنه على رأس قائمة تلك الأسباب يأتي: الفساد والقمع السياسي والحكومات الإقصائية والرموز والجماعات الدينية التي تروّج للفكر المتطرف. وكان من المثير أن يحتل "الغضب من الولايات المتحدة" مرتبة متأخرة تقع أسفل القائمة في كل البلدان التي نظمت فيها استطلاعات الرأي. ومن المرجح جداً أن يكون سبب تبني هذا الموقف الأخير هو التواجد الضعيف للولايات المتحدة في المنطقة.

*رئيس المعهد العربي الأميركي- واشنطن