الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط بين مطرقة حرب إقليمية وسندان جنيف ثانية

الشرق الأوسط بين مطرقة حرب إقليمية وسندان جنيف ثانية

05.06.2013
محمد الخليفي

القدس العربي
الاربعاء 5/6/2013
بعد موجة الربيع العربي الذي استحال إلى فوضى عربية عارمة في مجموع دول هذا الربيع، وبعد أكثر من عامين على تكسر نظرية ‘أحجار الدومينو’ على أسوار دمشق، ما تزال منطقة الشرق الأوسط جاثمة على برميل بارود يمكن أن ينفجر بوجه الجميع في أي لحظة وحين وبأدنى شرارة نار، لتدخل المنطقة في مرحلة ‘الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود’، كما يقول المثل، فالحراك السياسي والعسكري المتصاعد وغير المسبوق ينم عن قتامه تلوح في أفق هذا الشرق الحزين، فعلى الرغم من الحديث الكثير عن ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة السورية عن طريق الدعوة لـ’جنيف2 فإن بوادر حرب إقليمية شاملة تبدو هي الأقرب من أي شيء آخر، مما يجعل المنطقة حائرة بين مطرقة حرب إقليمية شرسة وسندان جنيف ثانية غير واضحة النتائج، فما هي مؤشرات هذه الحرب، وهل يستطيع مؤتمر ‘جنيف2 أن ينجح في التوصل إلى حل سلمي للأزمة السورية وتجنب شبح الحرب المخيم على أجواء الشرق الأوسط؟
مناورات الشرق الأوسط والتطورات الميدانية في سورية مؤشرات حرب قادمة: تشهد منطقة الشرق الأوسط تصعيدا خطيرا على المستوى العسكري ومستوى المواقف السياسية، الذي من شأنه أن يدخل المنطقة في حرب إقليمية مهلكة للحرث والنسل وللحجر أيضا، وربما تكون مقدمة لحرب كونية أكثر خطورة ودمارا. فعلى المستوى العسكري دخلت المنطقة في سباق محموم لاستعراض العضلات، الذي يبدو أنه حصص تسخينية قبل الدخول في جوهر المواجهة، وهكذا عرفت المنطقة زخما من مناورات عسكرية وبشكل غير مسبوق وفي ظرف زمني وجيز ومتوتر، وهي:
مناورات ‘الخليج العربي’ تحت إشراف الأسطول الخامس الأمريكي وبمشاركة أكثر من أربعين دولة وعلى مدار قرابة شهر كامل.
مناورات إيرانية موازية ببحر عمان .
مناورات ‘عورف إيتان1 الإسرائيلية التي تحاكي حربا شاملة بالصواريخ على عدة جبهات في إطار تعزيز الجبهة الداخلية، حيث أن السؤال المطروح بحسب وزير هذه الجبهة جلعاد أردان، لم يعد السؤال هل ستسقط صواريخ على إسرائيل وإنما متى ستسقط.
التدريبات العسكرية للقوات الفرنسية بصحراء الأردن ‘وادي رم’ التي يمكن قراءتها كإعداد لتدخل عسكري فرنسي مباشر في سورية، بحسب صحيفة ‘لوفيغارو’ الفرنسية.
مناورات ‘الأسد المتأهب’ المزمع إجراؤها بالأردن خلال الأسابيع المقبلة، بمشاركة 18 بلدا وحوالي 15 ألف عسكري.
هذا إضافة إلى التصعيد العسكري الميداني الذي تشهده الساحة السورية والمتمثلة أساسا في القصف الإسرائيلي الأخير لمواقع سورية متعددة، وما تمخض عنها من تغير جذري لقواعد اللعبة بين سورية وإسرائيل، حيث خولت القيادة السورية الجيش للرد المباشر عن أي خرق أو تهديد إسرائيلي، من دون الرجوع للقيادة، وهذا المعطى يعد تغييرا خطيرا من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية طاحنة في أي لحظة، فمع قرار كهذا لا مجال لضبط النفس أو لتحليل ودراسة مدى إمكانية الرد من عدمه، أو إعطاء الوقت للتفكير في تداعيات الرد والأخذ بنصائح الحلفاء.
من جهة أخرى فإن التطورات الميدانية بين الجيش السوري النظامي والمعارضة المسلحة، خصوصا في ‘القصير’ التي دخلت مرحلة في غير صالح الغرب وحلفائه، قد تدفع هذه القوى للتدخل لإنقاذ الوضع الميداني من التدهور والميلان لصالح النظام، من دون أن نغفل ما يجري على الساحة العراقية من تفجيرات يومية تطال كل محافظاته، وما يدور في لبنان من مواجهات مسلحة دامية في طرابلس.
أما على مستوى المواقف السياسية فقد تراوح الخطاب السياسي لمجموع الأفرقاء المعنيين بالأزمة السورية، بين السعي لعقد مؤتمر ‘جنيف2 كفرصة لإيجاد حل سلمي لهذه الأزمة المؤرقة، والمواقف السياسية التصعيدية لهذه الأطراف ولعل أبرزها هو:
تصريحات بشار الأسد خلال لقاء صحافي مع صحيفة ‘كلارين’ ووكالة أنباء ‘تيلام’ الأرجنتينيتين بأنه لا ينوي التنحي عن منصبه، وأن ذلك يعد تملصا من المسؤولية.
اتفاق لافروف وكيري على ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة السورية والإعداد لمؤتمر ‘جنيف2.
ـ رفض وزير الخارجية الروسي لافروف لأي شروط زمنية لعقد ‘جنيف2.
ـ المواقف الغامضة والمتناقضة والمترددة للمعارضة السورية وكذا المسؤولين الأمريكيين بشأن مؤتمر ‘جنيف2.
ـ اعتبار روسيا لمواقف المعارضة السورية بشأن ‘جنيف2 غير مشجعة.
ـ موقف الأمين العام لـ’حزب الله’ اللبناني الواضح والصريح بالتخندق إلى جانب النظام السوري في مواجهة الحلف الأمريكي- الإسرائيلي وأدواتهما سواء تعلق بالمعارضة المسلحة أو بدول المنطقة.
ـ الهجوم الشرس لبعض المسؤولين بالمنطقة على مواقف ‘حزب الله’ اللبناني، حيث وصفت تركيا هذا الأخير بـ’حزب الشيطان’، كما أن الشيخ حمد آل خليفة شن هجوما حادا على كلام الأمين العام لـ’حزب الله’ بشكل غير مسبوق، على الرغم من الحجم الصغير جدا لدولة البحرين في المعادلات الإقليمية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول سر هذا الموقف.
ـ بحث الاتحاد الأوروبي لرفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية.
‘جنيف2 مشاكل وعوائق متعددة: يبدو أن جميع الأطراف المتدخلة في الشأن السوري مقتنعة من حيث المبدأ بضرورة العمل على إيجاد صيغة تفاوضية للأزمة السورية، وقد عبر عن هذه القناعة وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل من خلال تحذيره من تبعات الأزمة السورية وتأكيده أن واشنطن وموسكو تريدان استقرار سورية، وأنه يعمل مع الروس بكل جهد لإثناء القوى في المنطقة عن التصعيد في الخيارات العسكرية. وترتكز هذه القناعة أساسا على أربعة عناصر أساسية:
ـ استحالة الحسم العسكري المطلق للأزمة السورية، على الرغم من كل المال والتسليح اللذين يضخان فيها، وفي هذا الإطار يكفي الإشارة إلى أن قطر أنفقت أكثر من 3 مليارات دولار لدعم المسلحين في سورية !
ـ فشل الرهان على تفكك الجسم الدبلوماسي السوري وانشقاقه وانهيار الجيش السوري النظامي، الذي مازال متماسكا وقويا شأنه شأن المؤسسات الدبلوماسية.
ـ ان السلفيين الجهاديين يشكلون خطرا على الجميع بما في ذلك الغرب، وهنا قد يفهم لماذا وضعت الولايات المتحدة الأمريكية ‘جبهة النصرة’ على لائحة المنظمات الإرهابية، على الرغم من دعمها لها، فهؤلاء مصيرهم القتل، سواء من طرف الجيش السوري النظامي أو من طرف الغارات الأمريكية، إذا ما قدر للمعارضة المسلحة حسم المعركة في سورية لصالحها.
ـ إن استمرار الأزمة السورية بالتدحرج الحاد يحمل في طياته تداعيات خطيرة على السلم والاستقرار الإقليمي والدولي، ولعل ما يحدث في العراق ولبنان والأردن مجرد بوادر لكارثة أكبر.
وإذا كانت الاتصالات الخارجية للإعداد لـ’جنيف2 تتواصل وكان أبرزها اللقاء الروسي ـ الأمريكي ـ الفرنسي للترتيب لهذا المؤتمر، فإن ذلك لن يكون كافيا لإنجاحه بالنظر لمجموعة من التناقضات والمشاكل والعراقيل التي ستجعل من قرارات ‘جنيف2 في أحسن أحوالها قرارات تحتاج لـ’جنيف3، وفي هذا السياق يمكن إبراز أهم هذه المشاكل في ما يلي:
ـ عدم التوافق حتى الآن على موعد عقد مؤتمر ‘جنيف2، الذي مازال متأرجحا بين بداية شهر حزيران/يونيو وتاريخ لقاء بوتين وأوباما، على هامش اجتماع دول العشرين في 17 يونيو بإيرلندا الشمالية.
ـ عدم توحد المعارضة السورية الخارجية، وتشرذمها وانقسامها إلى فصائل وتيارات متعددة المشارب والخلفيات، وصلت إلى حد الصراع الشخصي بين القيادات.
ـ استقالات وخلافات كبيرة في ‘الائتلاف الوطني السوري’ وعدم التوافق حول توسيع هذا الائتلاف بشكل يخفي صراعا محتدما على النفوذ داخله بين التيار الليبرالي العلماني اليساري والتيارالإسلامي الإخواني.
ـ تذبذب وعدم وضوح مواقف وتصريحات المعارضة السورية وكذا الولايات المتحدة الأمريكية، فالقاسم المشترك بين اجتماعات ‘أصدقاء سوريا’ بعمان، واجتماع اللجنة الوزارية العربية بالقاهرة، واجتماع ‘الائتلاف الوطني’ في اسطنبول، وتصريحات المسؤولين الأمريكيين والغربيين على رأسهم جون كيري، هو الغموض والتناقض والتردد.
ـ تعدد الجماعات المقاتلة في سورية، التي وصلت إلى حوالي 1200 كتيبة مقاتلة وهيمنة الطابع السلفي الجهادي على معظمها.
ـ تعدد ولاءات هذه الجماعات المقاتلة، التي وصل بها الأمر إلى حد الاقتتال فيما بينها على الغنائم ومناطق النفوذ (حالة غرباء الشام وجبهة النصرة).
ـ عدم إمكانية ضبط والتحكم في كل هذه الجماعات التي من المرجح جدا ألا تنصاع لأي قرار سلمي متمخض عن ‘جنيف2.
ـ عدم الحسم في مدى إمكانية مشاركة إيران والسعودية في مؤتمر ‘جنيف2، والحقيقة أن أي قرارات صادرة من هذا المؤتمر بدون مشاركة وموافقة هذين اللاعبين الإقليميين الأساسيين في كل قضايا الشرق الأوسط من شأنه أن يعقد مسألة نجاح هذا المؤتمر.
ختاما يمكن القول بأن التطورات الدراماتيكية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وعلى الرغم من كل الكلام الدائر حول ضرورة إيجاد حل سلمي لأزمات هذا الشرق المستعصية، خصوصا الأزمة السورية، عبر الحديث عن ‘جنيف2 فإن مؤشرات حرب إقليمية طاحنة تبدو هي الأكثر وضوحا من أي مؤشرات أخرى، وحتى مع إمكانية تضافر جهود جميع الأطراف المتصارعة في هذا الشرق، سواء الإقليميين أو الدوليين من أجل حصر تداعيات هذه الأزمة لكي لا تمتد إلى أكثر من سورية، وفي أحسن الأحوال لكي يبقى صداها محصورا فقط في العراق ولبنان ولا يمتد لدول أخرى، فإن خيوط هذه اللعبة الخطيرة قد تفلت من أيدي الجميع، ليبقى الوعي والاقتناع بشراسة الحرب ودمويتها وتداعياتها المرعبة على جميع الأطراف بدون استثناء هي الرادع الوحيد لعدم السماح بوقوعها، وبالتالي العمل الجاد على التسوية السلمية للنزاعات الدولية، وفي هذا الإطار فإن ‘جنيف2 تبدو خطوة أساسية لتحقيق هذا المبتغى، على الرغم من أن حظوظها في النجاح تبقى ضئيلة بالنظر لمجموع العوائق والمشاكل التي سوف تعترضها، والتي قد تستدعي عقد مؤتمرات أخرى لتداركها.