الرئيسة \  تقارير  \  الشرق الأوسط من طريق للمخدرات إلى مركز إنتاج وتصدير

الشرق الأوسط من طريق للمخدرات إلى مركز إنتاج وتصدير

26.12.2022
عبد الحميد صيام

الشرق الأوسط من طريق للمخدرات إلى مركز إنتاج وتصدير
عبد الحميد صيام
القدس العربي
السبت 25-12-2022
نيويورك-(الأمم المتحدة) ”القدس العربي”: بعد نهاية الحرب الباردة وانتشار الفوضى التي نتجت عن تفسخ العديد من الدول الكبرى وارتفاع عدد طالبي الهجرة والنزوح من بلادهم الأصلية باتجاه أوروبا، انتشرت في نفس الوقت عدة ظواهر خطيرة من بينها التوسع في تجارة المخدرات والإتجار بالبشر والجريمة المنظمة العابرة للحدود والتجارة بالأعضاء البشرية واستغلال الأطفال جنسيا وغسيل الأموال واستخدام التكنولوجيا الحديثة المتوفرة على شبكات الإنترنت لتسهيل ارتكاب الجرائم السيبريانية إضافة لصناعة الأسلحة والمتفجرات وتجنيد الإرهابيين وغير ذلك الكثير.
قامت الأمم المتحدة بجمع مكتبين معنيين في فيينا واحد معني بالجريمة والآخر بمكافحة المخدرات وأنشأت مكتبا جديدا عام 1997 تحت اسم “مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة” وترأس المكتب منذ عام 2020 المصرية غادة فتحي والي.
ولاية المكتب الأساسية تقوم على مراقبة وتنفيد الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمخدرات. وهناك ثلاث اتفاقيات دولية رئيسية تتعلق بمكافحة المخدرات هي: الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لعام 1961 بصيغتها المعدلة ببروتوكول عام 1972 واتفاقية المؤثرات العقلية لعام 1971 واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية لعام 1988. والأخيرة هي الأهم في توحيد الجهد الدولي لمكافحة المخدرات، وبلغ عدد الدول المنضمة لها 186 دولة تشمل كل الدول العربية، وكانت دولة فلسطين آخر الموقعين على الاتفاقية.
بموجب هذه الاتفاقية التي استغرق انجازها نحو ست سنوات، تلتزم الدول بعدم إنتاج أو بيع أو شراء أو الإتجار أو تسهيل مرور المخدرات داخل الأرض التي تسيطر عليها الدولة الوطنية، كما تتعهد بالتعاون في هذا المجال مع المنظمة الدولية المعنية بمكافحة المخدرات وتتبادل المعلومات معها وتلتزم بقراراتها. كما تضم الاتفاقية قائمة بكافة أنواع المخدرات الممنوع تداولها، وتتضمن عدة آليات للتعافي والعلاج والتأهيل.
ويقوم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتقديم تقرير سنوي حول كافة الأتشطة المتعلقة بالمخدرات.
التقرير السنوي
يصدر المكتب تقريرا سنويا حول المخدرات واستعمالاتها وطرق تهريبها ومداخيلها وآثارها على الشعوب وارتباطها بالجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية. وقد صدر آخر تقرير في حزيران/يونيو 2022 يغطي فترة 2020 -2021 ويضع مجموعة من التوصيات يجب العمل عليها.
يفصل التقرير الزيادات القياسية في تصنيع الكوكايين، والتوسع في استخدام العقاقير الاصطناعية وإيصالها إلى أسواق جديدة، واستمرار الفجوات في توافر العلاجات الدوائية، وخاصة للنساء.
ووفقًا للتقرير، تعاطى حوالي 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عامًا المخدرات في جميع أنحاء العالم في عام 2020 بزيادة قدرها 26 في المئة عن العقد السابق وخاصة لدى الشباب. في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، يمثل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا غالبية الأشخاص الذين يعالجون من اضطرابات تعاطي المخدرات.
على الصعيد العالمي، يقدر التقرير أن 11.2 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتعاطون المخدرات، والتقرير فيه تفاصيل مذهلة حول تجارة المخدرات وطرق تصديرها وآثارها ومداخيلها. لكننا سنركز هنا على منطقة بلاد الشام التي أصبحت منتجة ومصدرة في العشر سنوات الأخيرة بعد أن كانت مناطق عبور فقط. وجاء في التقرير أن صناعة الكوكايين قد سجلت رقماً قياسياً في عام 2020 حيث نمت بنسبة 11 في المئة من عام 2019 إلى 1.982 طن. كما زادت مضبوطات الكوكايين على الرغم من جائحة كوفيد -19 إلى مستوى قياسي بلغ 1424 طنًا في عام 2020. وتم الإتجار بما يقرب من 90 في المئة من الكوكايين المضبوط على مستوى العالم في عام 2021 في حاويات و/أو عن طريق البحر. تشير بيانات المضبوطات إلى أن الإتجار بالكوكايين آخذ في التوسع ليشمل مناطق أخرى خارج الأسواق الرئيسية لأمريكا الشمالية وأوروبا، مع زيادة مستويات الإتجار إلى أفريقيا وآسيا.
كما يستمر الإتجار بالميثامفيتامين في التوسع جغرافيًا، حيث أبلغت 117 دولة عن مضبوطات من الميثامفيتامين بين 2016 و 2020 مقابل 84 دولة بين عامي 2006 و 2020. وفي الوقت نفسه، زادت كميات الميثامفيتامين المضبوطة خمسة أضعاف بين عامي 2010 و 2020.
ويقول التقرير إن إنتاج الأفيون في جميع أنحاء العالم ارتفع بنسبة 7 في المئة بين عامي 2020 و 2021 إلى 7930 طنًا – ويرجع ذلك في الغالب إلى زيادة الإنتاج في أفغانستان. غير أن المساحة العالمية المزروعة بخشخاش الأفيون انخفضت بنسبة 16 في المئة لتصل إلى 800 246 هكتار في نفس الفترة.
تقول الرئيسة التنفيذية للمكتب، غادة والي، تعليقا على التقرير: “إن أرقام تصنيع وضبط العديد من المخدرات غير المشروعة وصلت إلى مستويات قياسية. في الوقت نفسه، تؤدي المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بحجم المشكلة والأضرار المرتبطة بها إلى حرمان الناس من الرعاية والعلاج ودفع الشباب نحو سلوكيات ضارة. نحن بحاجة إلى تكريس الموارد اللازمة والاهتمام لمعالجة كل جانب من جوانب مشكلة المخدرات العالمية، بما في ذلك توفير الرعاية القائمة على الأدلة لجميع من يحتاجون إليها، ونحن بحاجة إلى تحسين قاعدة المعرفة حول كيفية ارتباط المخدرات غير المشروعة بالتحديات الملحة الأخرى، مثل النزاعات والتدهور البيئي”.
ويؤكد التقرير كذلك على أهمية تحفيز المجتمع الدولي والحكومات والمجتمع المدني وجميع أصحاب المصلحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الناس، بما في ذلك عن طريق تعزيز الوقاية من تعاطي المخدرات وعلاجها والتصدي لتوريد المخدرات غير المشروعة.
سوريا ولبنان
لقد كانت منطقة الشرق الأوسط عادة منطقة عبور للمخدرات القادمة وسط وجنوب آسيا وخاصة من أفغانستان إلى أوروبا. لكن بعد انتشار الفوضى والنزاعات المحلية والدولية وانتشار الجماعات الإرهابية والميليشيات والأنظمة الفاشلة ازدهرت زراعة وتصنيع وتصدير المخدرات.
في تشرين الأول/أكتوبر 2021 صوت الكونغرس الأمريكي على ضرورة وضع خطة استراتيجية لمكافحة شبكات المخدرات التي قالوا إن مصدرها سوريا ولبنان بعد رزمة العقوبات التي تعرض لها النظام السوري. وقد تفتحت العيون على هذه التجارة الواسعة المنطلقة من سوريا ولبنان بعد أن ضبطت اليونان في كانون الأول/ديسمبر عام 2018 سفينة فيها أكثر من ثلاثة ملايين حبة “كبتاغون” مصدرها ميناء اللاذقية في طريقها إلى بنغازي وضبط فيها كذلك ستة أطنان من القنب الهندي (الحشيش) بقيمة مئة مليون دولار. كما ضبطت إيطاليا من جهتها في منتصف عام 2020 أكبر شحنة مخدرات تحمل 45 مليون حبة كبتاغون تزن 14 طنا مصدرها سوريا وذكر في التقرير اسم سامر كمال الأسد، الذي يملك معملا لتصنيع المخدرات في قرية البصة جنوب مدينة اللاذقية، حسب ما جاء في تقرير مفصل نشرته مجلة “دير شبيغل” الألمانية قبل تصويت الكونغرس الأمريكي. وكشفت الصحيفة الألمانية عن نقل المخدرات عن طريق رجل أعمال سوري يدعى عبد اللطيف حميدة، وهو شخصٌ غير مدرج على قائمة العقوبات الأمريكية والأوروبية. وتؤكد الصحيفة أن طرق التهريب تشمل البحر ولبنان والأردن والعراق. ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يضبط حرس الحدود الأردني كميات من الشحنات المعدة للتصدير إلى دول الخليج العربي.
ويبدو، كما ترى الصحيفة أن إحجام النظام في سوريا عن ضبط انتشار المخدرات منذ سنوات في البلاد ووصولها إلى خارج الحدود، يخفي خلفه عملا منظما يسير ضمن إطار مدروس ترعاه شخصيات كبيرة على ارتباط مباشر بالنظام. وتستفيد هذه الشخصيات من ميليشيات متنوعة تنشط على الأراضي السورية لتنظيم تجارة الكبتاغون.
عائد تجارة المخدرات في المنطقة يتجاوز بمراحل العائدات من عمليات التجارة الشرعية، فحبة الكبتاغون ذات الجودة المنخفضة بدولار واحد داخل سوريا، فيما يبلغ سعر الحبة ذات الجودة العالية في الأسواق الخارجية 14 دولاراً أو أكثر.
وعليه، فإن معادلة النظام من هذه التجارة قائمة على خلق اقتصاد بديل لاقتصاده المنهك في ظل العقوبات الغربية والأمريكية المشددة، ولذلك يعتمد على هذه التجارة لسد جزء من التزاماته في مؤسساته التي يستخدمها للاستمرار في حربه ضد مناهضيه منذ أكثر من عقد. وقدرت “دير شبيغل” مداخيل المخدرات لسوريا بـ 5.7 مليار دولار عام 2021.
وكشفت دراسة مفصلة لـ”مركز جسور للدراسات” نشرها في كانون الثاني/يناير 2022 أن هناك على أرض سوريا نحو 50 معملا لإنتاج المخدرات، 4 تحت سيطرة الميليشيات المسلحة والباقي موزعة بين المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الكردية قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والميليشيات التابعة أو المرضي عنها من قبل النظام.
وجاء في الدراسة أن أبرز خطوط التهريب تلك التي تمر عبر الحدود اللبنانية – السورية بينما يعد معبر الأردن، خط تهريب رئيسيا، بالإضافة إلى ميناء اللاذقية.
ليس صدفة انتشار المخدرات في منطقة بلاد الشام والخليج العربي وبعض دول شمال أفريقيا. يبدو أن الدول المعادية للعرب والعروبة بعد أن نجحوا في زرع بذور الفتن الطائفية والعرقية فأصبحت مكونات الشعب الواحد تدخل في نزاعات شرسة مع بعضها بعضا، لم تكتف بذلك بل تريد أن تغرق المنطقة عن طريق أدواتها لتسهيل الحصول على المخدرات ونشرها وتوزيعها وزراعتها وتصنيعها كي تنتج مواد لتدمير الأجيال الشابة كي تبقى منطقتنا متخلفة لسنوات يدير شؤونها حكام فاسدون ليس لهم من هم سوى البقاء في السلطة.