الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط والعزف خارج النوتة الأميركية

الشرق الأوسط والعزف خارج النوتة الأميركية

05.12.2013
عبير بشير


المستقبل
الاربعاء 4/12/2013
الموضوع ليس إعادة تشكيل أو هيكلة الشرق الأوسط القديم عبر العراب الأميركي وفقا لشروط اللحظة العالمية، بقدر ما هو إعادة انتشار- لخريطة المصالح الأميركية، وخروج من المشهد القيادي الصاخب الذي رافق أداء الإدارات الأميركية في الحقبة الماضية، إلى لحظة أكثر هدوء تعيد فيها أميركا تعريف وصياغة ماذا تريد من المنطقة بأقل تكلفة- هذا من وجهة نظر الإدارة الأوبامية -. وهنا تكون الكلمة الفصل في هذا التحول الاستراتيجي إلى السياق والتفسير التاريخي، لنشأة وتطور الإمبراطوريات ووصولها إلى القمة ومن ثم بداية ظهور أعراض التراجع. فبعد أن لعبت الولايات المتحدة دور الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وبعد سلسلة حروب استباقية استنزافية هائلة - في العراق وأفغانستان، وبعد عمليات توسعية إمبراطورية سواء في الشأن الاقتصادي أو السياسي أو العسكري العالمي. وبعد الوصاية القصرية على شعوب المعمورة. يأتي الآن دور مرحلة الوهن والتراجع.
صحيح بأنه من السذاجة تأبين- العملاق الأميركي، ولكن من السذاجة أيضا النظر إلى هذا التآكل في الدور الأميركي في المنطقة، على أنه تراجع تكتيكي من الإدارة الاوبامية، وراءه رؤية استراتيجية استثنائية، وقدرة أعمق على فهم عوامل ومداخل ومخارج الصراع في الشرق الأوسط.
فاستراتيجية - الأيدي المرتعشة- في سوريا الذي يتبعها الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته، لا يمكن قبولها وتفسيرها على أنها رؤية بالأشعة فوق الحمراء في ليل الأزمة السورية، ومن ثم، فإن اوباما يرى في الصراع في سوريا فرصة للتخلص واستنزاف كافة الأعداء دفعة واحدة من إيران، إلى حزب الله، إلى الجماعات الجهادية، إلى تنظيم القاعدة....
لأن التجارب الماضية اثبتت، بأنه مع دولة ايديولوجية بحتة مثل إيران، فإن مليارات الدولارات التي تنفقها للحفاظ على النظام الأسدي، لا تقيم لها وزنا كثيرا، في مقابل بقاء الأسد وإعلان انتصاره. أما روسيا فإنها كسبت كثيرا على الصعيد الإعلامي وعلى الصعيد السياسي من وراء إدارتها للملف السوري، واستعادت كثيرا من حيويتها، ومكانتها العالمية كقوة عظمى، يحسب لها حساب، وفي الوقت نفسه فإنها لم تخسر شيئا، لأن كل صفقات السلاح للنظام السوري كانت مدفوعة الثمن وليست مجانية كما كان عهد الاتحاد السوفياتي. وطبعا نوافق على ما ذهب إليه معظم المحللين، على أن الأصوليات سواء السنية أو الشيعية المشاركة في الصراع السوري، تجد في الدمار والخراب مرتعاً لها، لأن ذلك يقع في صلب مشروعها، وبالتالي لا يمكن المراهنة على توريط تلك المجموعات في الصراع والخلاص منها، لأنه كلما اشتدت الأزمة وارتفعت الضحايا، كان ذلك بيئة جاذبة وخصبة لتناسل كافة الاصوليات، وليس انقراضها.
بالتأكيد أميركا ليست بصدد التخلي عن الشرق الأوسط، أوالانسحاب منه في اتجاه - الباسفيك- لان كاريزمية الشرق الأوسط لا احد يستطيع أن يقاومها، أو يدخل في تنافس معها، وهو منطقة من يحكمها يحكم العالم. ولكن اميركا بدأت تميل إلى العقلية الباردة لإدارة ملفات الشرق الأوسط، وهي بدأت تفضل أن يدير وكلاء جدد لها المنطقة، في إطار صفقة مصالح مشتركة، او ما بات يعرف بالإسلام السياسي بدلا عنها.ولكن الإدارة الأميركية، لم تدرك بأنه في منطقة أكثر من استراتيجية واكثرمن حيوية كالشرق الاوسط، فإنه ممنوع الانسحاب أو شبه الانسحاب، او الانسحاب التكتيكي، لأن ذلك سيهز من مكانة الولايات المتحدة كدولة أكثر من عظمى، وإن كان من الضروري جدا مراجعة سياساتها في المنطقة في الحقبة الماضية، وأخذ العبر. ولكن ليس بالشكل الذي نراه الآن والذي يوحي بقصور في الرؤية الأميركية، وتردد وضعف فاضح.
ومع عجز الإدارة الأميركية التعامل مع الملف السوري، ومع خسارتها للورقة الإخوانية في مصر، ومع تسليمها بإيران كدولة نووية وفقا لاتفاق جنيف الأخير-، فإن بوادر تمرد بدأت تلوح بالأفق على الولايات المتحدة. فالمملكة السعودية، باتت لا تخفي سخطها على اداء الإدارة الأميركية في مختلف الملفات التي تخص المنطقة، وهي بدأت تتحدث عن وجود حاجة لمراجعة العلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. والأهم من ذلك التمرد المصري في وجه الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع القاهرة على لسان رئيس حكومتها حازم الببلاوي- إلى توجيه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس الأميركي باراك اوباما: بان مصير سفيره سيكون الطرد، على غرار السفير التركي، إذا استمرت بلاده في التدخل في شؤون مصر الداخلية.
القاهرة التي دشنت عهدا من التمرد على الولايات المتحدة، ردا على موقف الإدارة الاميركية من ثورة 30 يونيو، ودعمها للإخوان، ومن ثم تجميد جزء من المساعدات العسكرية المخصصة للجيش المصري، بدأت تبحث عن حلفاء جدد. ولم تضيع روسيا الفرصة، فقفزت لتملأ الحفرة الأميركية. وشكل وصول وزيري الدفاع والخارجية الروسي إلى مصر، نقطة تحول مهمة في العلاقات الاستراتيجية المصرية الروسية، الأمر الذي أفزع الولايات المتحدة، وجعلتها ترسل بوزير خارجيتها جون كيري - على وجه السرعة، ليعلن من القاهرة بأن ما حدث في مصر لم يكن انقلاباً بل ثورة تصحيحية.
مصر التقطت اللحظة التاريخية، والضعف الاميركي الواضح، للتحول بهدوء نحو الشرق، ولتنوع مصادر أسلحتها، وتكسر المحرمات. ولكن القاهرة التي وقعت عقودا بمليارات الدولات مع وكالة تصدير الأسلحة الحكومية الروسية روسوبورونإكسبورت، وصادق عليها الكرملين، وتشمل طائرات حربية متطورة، ونظم دفاع جوي وبحري. وضعت شروطا للتعاون العسكري مع موسكو: منها ألا يقتصر التعاون على بيع الأسلحة لمصر، وإنما يمتد إلى التصنيع المشترك، وعلى أن تساعد روسيا مصر في إقامة قاعدة لتصنيع أسلحتها محليا، وكذلك عدم تدخل الجانب الروسي فى المجالات السياسية المصرية، وألا يكون مقابل هذا التعاون أي مطالبات روسية بقطع علاقات مصر مع أي من دول العالم. كما تم الاتفاق على توثيق التعاون في المجال الاستخباراتي، بعدما شعرت السلطات المصرية، بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، بدأت بحجب معلومات استخباراتية عنها في ما يختص بدخول عناصر جهادية إلى سيناء.
وفي قلب هذه المشهد، فإن هناك من يتحدث عن أن هناك دعماً خلفياً من دول خليجية وازنة، قامت بتمويل الصفقة الروسية المصرية، ورعت التقارب بين البلدين. في إطار ما بات يعرف بالتمرد على الولايات المتحدة واستفزازها من جهة، ومحاولة لإغراء روسيا وقيصرها فلاديمير بوتين بتسهيل الحل في سوريا والتخلي عن الأسد من جهة أخرى، مقابل تعويضها بالانفتاح على مصر، وان تحظى سفنها بموانئ على الشواطئ المصرية ضمن اتفاق روسي مصري يقضي بإقامة قاعدة روسية بحرية في مصر ما زال ضمن البحث.