الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط وتوازن القوى الفاعلة فيه

الشرق الأوسط وتوازن القوى الفاعلة فيه

19.05.2016
مصطفى سعد


الحياة
الأربعاء 18-5-2016
مع انطلاق الثورات العربية عام 2011 لم تختلف ماهية القوى المؤثرة في إقليم الشرق الأوسط، عن ذي قبل. فلا تزال أكثر القوى تأثيراً هي مصر والسعودية وإيران وتركيا وإسرائيل، ويسعى كلٌ منها لتحقيق أهدافه والحفاظ على أمنه ووجوده القومي ومركزه الدولي والإقليمي.
ونظراً إلى اختلاف تلك الأهداف بل تعارضها في كثير من الأحيان، ظهر تنافس، بل صراع أحياناً، على اكتساب القوة وتحقيق توازن القوى بين كل منها ومنافسيها على الصعيد الإقليمي.
ومع حالة الحراك التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ انطلاق ثورات الربيع العربي، نشأ حراك في ميزان القوى الإقليمي بين القوى الفاعلة فيه. فمثلاً، ظهر التنافس السعودي - المصري في بدايات الفترة وحتى حزيران (يونيو) 2013 ارتباطاً باختلاف توجهات كلا النظامين. ثم اختلفت طبيعة التفاعل بين القاهرة والرياض، واتجهت إلى مزيد من التعاون والتنسيق بينهما كطرفين عربيين يواجهان القوى الفاعلة غير العربية.
في المقابل، حدث توافق مصري - تركي في رؤية كلا النظامين تجاه قضايا المنطقة حتى أواخر حزيران 2013، ثم ظهر التنافس بين الدولتين مع تغير النظام الحاكم في مصر بعد ذلك. أما إيران، فرسخت ثورات الربيع العربي وجودها في المنطقة وعظّمت دورها كفاعل إقليمي ناشط، فهي موجودة بقوة في سورية داعمة لنظام الأسد، كما أنها موجودة بقوة أيضاً داعمة للحوثيين في اليمن، إلى جانب وجودها في لبنان كداعم رئيس لحزب الله، فضلاً عن قدرتها على استخدام الأقليات الشيعية في دول الخليج العربي، خصوصاً البحرين، في خلق حالة من عدم الاستقرار الداخلي فيها.
وفي ضوء تعارض تلك السياسات الإيرانية مع أهداف ومصالح السعودية في المنطقة، سعت الأخيرة لمجابهة تلك السياسات في ميادينها كافة، ما أوجد حالة تنافس بين الدولتين على الانخراط في قضايا المنطقة.
ووفقاً لتغير موازين القوى في الشرق الأوسط منذ منتصف القرن الماضي، يمكن القول إن القيادة الإقليمية للمنطقة ظلت عربية خالصة نحو أربعين عاماً، حتى بداية العقد الأخير من القرن الماضي حيث برزت قوى إقليمية غير عربية، واتسع نطاق حركتها في الوقت الراهن.
غير أن متغيراً رئيساً حدث خلال 2015، وهو توقيع إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، الاتفاق النهائي الخاص بالملف النووي الإيراني، بعد مفاوضات استغرقت أكثر من عامين. وهو الاتفاق الذي بموجبه تُرفَع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على طهران، وبالتالي ينتعش الاقتصاد الإيراني، كما توسع إيران نتيجة لذلك شبكة علاقاتها الدولية.
ومن المحتمل أن يكون هناك تفاهم إيراني - أميركي حول قضايا منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد تطوير واشنطن استراتيجية الاستدارة شرقاً والتي تعني خفض الانخراط الأميركي في منطقة الشرق الأوسط مع التركيز على مناطق جنوب وجنوب شرق آسيا.
ذلك الاتفاق وما تحققه إيران من مكاسب نتيجة لتوقيعه، ستكون له انعكاسات مهمة على توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، التي تعد إيران إحدى أنشط القوى الفاعلة فيها، وهو ما سيتجلى خلال الأعوام المقبلة.