الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط.. وثقافة التسامح

الشرق الأوسط.. وثقافة التسامح

06.01.2015
برايان كاتلوس



الاتحاد
الاثنين 5-1-2015
من بين الجوانب المأساوية للتوسع الحالي لتنظيم "داعش" التطهير العرقي- الديني الذي يُرتكب حالياً، وهو ما يذكّر بالقمع الذي تعرض له الأقباط مؤخراً في مصر تحت حكم "الإخوان المسلمين"، والموقف الهش والضعيف بشكل متزايد للأقليات دينية في سوريا مثل المسيحيين والدروز وغيرهم.
ومع التقارير العديدة حول هذا العنف تأتي نعوت مثل "الوحشي" و"المنتمي للقرون الوسطى"، إلى جانب التلميح إلى أن هذا النوع من انعدام التسامح هو ميزة تميز المنطقة وتتنافى مع العلمانية العقلانية والمتنورة في الغرب. ولكن بغض النظر عن وحشية هذا العنف الطائفي، إلا أن حقيقة أن ثمة العديد من الأقليات الدينية في الشرق الأوسط إنما تمثل دليلًا على أن الكثير من المجموعات العرقية والدينية لم تصمد وتستمر فحسب، وإنما ازدهرت أيضاً في هذه المنطقة منذ أكثر من 1400 عام في ظل الإسلام.
ولا نقصد بذلك القول إن الشرق الأوسط المسلم كان دائماً فردوساً ونموذجاً للتسامح دون استثناء، ذلك أن تاريخه كانت تتخلله بين فترة وأخرى انفجارات للعنف العرقي- الديني. ولكن بشكل عام، كانت هذه الأخيرة نادرة الحدوث. كما أنها نادراً ما كانت تشكل خطراً بالنسبة للمجموعات المعنية. فالسّنة والشيعة تزاوجوا واختلطوا على مدى ألف عام، والعلويون والدروز، الذين يُتهمون من قبل السّنة بالهرطقة، نموا وازدهروا. وفي ما عدا موجات قمع محدودة وقصيرة، كانت اليهودية أيضاً موجودة في الشرق الأوسط المسلم حتى الأمس القريب، ومن جانبها، حظيت المسحية بتنوع لا نظير له في أماكن أخرى.
وفي الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، الواقع أنه لطالما كان التنوع الديني جزءاً من ثقافة المنطقة باعتباره ضرورة عملية، إن لم يكن باعتباره قيمة من القيم الراسخة. فالدولة هناك يُنظر إليها تقليدياً باعتبارها وعاء لعدد من المجموعات العرقية والدينية المتميزة حيث قد تُعتبر مجموعة واحدة فيها مهيمنة والأخرى تابعة. وتاريخياً، كانت لدى أهل الذمة حقوق منصوص عليها في القانون وأنظمة قضائية خاصة بهم. ولكن المجموعة العرقية- الدينية كانت هي المحمية والمستفيدة من الامتيازات، وليس الفرد، وإذا كانت الحريات الشخصية ربما قد تعرضت لبعض التقييد، فإن الاستقرار الاجتماعي كان هو الجائزة.
وعليه، فإن انهيار التسامح الديني والتعددية الدينية في الشرق الأوسط اليوم ليس مظهراً لوحشية تميز المنطقة أو دليلًا على عودة إلى العصور الوسطى. كما أن دوافعه ليست دينية، وإن كان التعبير عنه بمعنى ما دينياً. إنه أحد أعراض ما نسميه الحداثة وإطارها السياسي: القومية.
ولعل كل ما نستطيع أن نفعله الآن -في الغرب- هو تشجيع تطوير مؤسسات تقوم على إشراك واستيعاب الجميع واحترام ثقافات هذه البلدان، بدلًا من محاولة أن نفرض عليهم نماذج ناقصة ومعيبة من تجربتنا الخاصة لن يشعروا بأي تجاوب أو انجذاب تجاهها.
برايان كاتلوس: أستاذ الدراسات الدينية بجامعة كولورادو الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع "خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"