الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشرق الأوسط... ووقف التدخل الغربي

الشرق الأوسط... ووقف التدخل الغربي

28.09.2013
ويليام فاف


الاتحاد
الجمعة 27/9/2013
لقد دخلنا الآن فترة جديدة من الفكر السياسي، أو السياسي- الديني. وها نحن الآن بصدد عهد جديد بدأت فيه الشعوب الإسلامية تُؤكد إصرارها على استعادة قدراتها والاستفادة مما تتيحه ثرواتها الخاصة من مكانة دولية، واستعادة الهيبة التي فقدتها نتيجة الحرب العالمية الأولى وهزيمة الإمبراطورية العثمانية.
وقليل من السياسيين الغربيين هم يدركون أهمية الحقيقة التي تفيد بأن المسلمين أنفسهم يتكفلون الآن بمحاربة الإسلام الراديكالي المتطرف. ومن الواضح أن الغرب ليس هو من أشعل أوار الحرب في سوريا. وقبل ظهور مشكلة الأسلحة الكيماوية التي استخدمت في تلك الحرب، لم يكن الغرب قد تدخل فيها بشكل مباشر على رغم أنه تسبب في حدوث خلافات مريرة على هامشها بدلاً من مساعدة الضحايا. فهذه حرب السوريين وبقية العرب الذين اختاروا لأنفسهم المشاركة فيها، ولا علاقة مباشرة للغرب بها.
وقد انقسم المتحاربون في سوريا إلى فصائل طائفية، كالعلويين بقيادة الأسد، والمسلمين السُّنة المدعومين من المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج العربي، والشيعة المتطرفين الذين يلقون تأييد الإيرانيين و«حزب الله»، والأكراد، وبعض التجمعات والطوائف المسيحية التي تحاول النجاة بنفسها من هذه المعمعة الطاحنة.
وكان ساسة ومسؤولون غربيون كثيرون ومعهم جموع غفيرة من العامة قد عمدوا إلى توصيف هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة باعتبارها تمثل إعلاناً عالمياً لـ«الحرب الإسلامية» ضد الحضارة الغربية! وهو تصور مغلوط سرعان ما وجد طريقه إلى بعض عقول صناع القرار السياسي الغربيين بعد أن سمعوه يتردد في الأوساط الأكاديمية. كما لقي هذا التصور المزعوم القبول أيضاً لدى بعض رجال الفكر والناشطين المسلمين من ذوي الفكر الضيّق باعتباره يمثل تفسيراً معقولاً لنتائج العداء الغربي المستحكم ضد مجتمعاتهم.
ولا زالت نظرية صراع الحضارات تمثل التفسير الوحيد لهذه الأزمة، من وجهة نظرهم. وهي النظرية التي تأخذ بها الدوائر الرجعية أيضاً في الحكومات الغربية. وهو زعم تشجعه إسرائيل لأنه يخدم مصالحها وسياساتها، وتعتنقه أيضاً أعداد متزايدة من المنظمات الإسلامية المتشددة، وتروّج له مواقع الإنترنت ذات التوجّه العقائدي، ويؤمن به بعض المهاجرين المسلمين في أوروبا الذين تحولت أحياؤهم إلى «غيتوهات» تضم تجمعات ومعسكرات راديكالية داخل الدول الغربية.
وأنا أعتقد أن التفسير ذا البعد الحضاري لهذه الحرب هو زعم خاطئ وينطوي على خطر. ولابد من الانتباه إلى التغير الهائل الذي شهده العالم منذ هجمات عام 2001. ذلك أن الهجوم على الإسلاميين المتطرفين الذي أطلقه بوش الإبن عندما عمد إلى غزو العراق بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وقبل ذلك الدخول في حرب لا نهاية لها في أفغانستان، وتلك السلسلة من عمليات الاغتيال التي تفتقر إلى المعايير الأخلاقية وتتم بتوجيه من أوباما، والدعوة التي أطلقتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون» لتجنيد العالم ضد الإسلام الراديكالي، كل ذلك أدى إلى سلسلة لا نهاية لها من الهزائم العسكرية والإحباطات السياسية. وعلى رغم كل ما حدث فإن رقعة التحديات تتسع فيما ينشغل الجيش الأميركي في نسج شبكته العنكبوتية للتدخل في العنف والصراع القائم في أفريقيا.
وكان من المحتمل سلفاً لهذه السياسات أن تؤدي إلى ظهور ردود أفعال عنيفة من طرف سلسلة من الحركات المتطرفة القابلة للانقسام والتوالد الذاتي والحاملة للأطروحات الخالية من المنطق في الشرق الأوسط. وبعض هذه الحركات متواطئة مع الغرب، وبعضها الآخر مستقلة عنه، أو هي تابعة له ولكنها تحظى بدعم طفيف من أطراف أخرى مفوضة بإطلاق سلسلة من الحروب المدمّرة داخل الدول المستهدفة ذاتها. ويضم القسم الأكبر من الحضارة الإسلامية الشاسعة دولاً مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان وآسيا الوسطى وجزء من الصين، إلا أن من الواضح أن الأزمة الراهنة تمثل ظاهرة عربية الطابع بوجه خاص، وهي ذات تأثير قوي ولكنه غير مباشر على الغرب. وقد نشأت أصلاً لأن البحر الأبيض المتوسط هو المكان الذي شهد التصادم بين الاستعمار الأوروبي (وأخيراً الأميركي) مع الإسلام.
ويناضل العرب الآن بمن فيهم المصريون وشعوب الدول المغاربية حتى يثبتوا للعالم أنهم ليسوا أتباعاً للنظام المدني الغربي، ولا للرأسمالية العلمانية المُعسكَرة. ولقد تجسدت هذه الرؤية من خلال الثورات الدموية التي اندلعت في مصر وليبيا وسوريا واليمن.
ومن المهم الآن أن يوقف الغرب تدخله في المنطقة لأنه عاجز عن تسوية الخلاف المرير القائم بين السوريين أنفسهم، وغير قادر على وضع حدّ للشقاق المتأصل بين السُّنة والشيعة. وقد تحمل الغرب الكثير من المعاناة لمجرّد اعتقاده أن الحرب على هذه الشعوب يمكنها أن تؤدي إلى تكريس الاعتدال وتحقيق الديمقراطية. ولاشك أن الحرب هي سلوك مدمّر وتحصد من بين ضحاياها كثيرين بما في ذلك أولئك الذين أشعلوا أوارها أيضاً.
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»