الرئيسة \  مشاركات  \  الشعب السوري وحيدا في مواجهة مجتمع دولي بلا أخلاق !

الشعب السوري وحيدا في مواجهة مجتمع دولي بلا أخلاق !

11.09.2013
علي الرشيد




مرة أخرى تثبت الولايات المتحدة ومعها الغرب والمجتمع الدولي أنهم مازالوا مستمرين في تخليهم عن الشعب السوري، وأنهم غير جادين في وضع حدّ لمعاناته أو التخفيف منها على الأقل، رغم كثرة الجعجعة التي تصدر عنهم، ومرور أكثر من عامين ونصف العام على الأزمة.
كان العالم قد حبس أنفاسه في الآونة الأخيرة بسبب ما كان يعتقد عن عزم الولايات المتحدة  توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري تؤلمه أو تهدّ كيانه، لتجاوزه الخطوط الحمراء باستخدامه السلاح الكيماوي بالغوطة ، وفق محددات الرئيس الأمريكي أوباما، ومن ثم تفضي إلى أمل بحل سياسي يستبعد بالضرورة الأسد والقيادات العسكرية والأمنية التي تلطخت أيديها بالدماء معه، .. لكن سرعان ما تبخرت هذه الآمال التي تعلق بها السوريون ، ليحل محلها مبادرة روسية اختصرت الأزمة بوضع أسلحة سوريا الكيميائية تحت مراقبة دولية، سبقها تصريح لوزير الخارجية الأمريكي كيري مؤداه أن موافقة سوريا على تدمير مخزونها من السلاح الكيماوي قد يجنبها الضربة العسكرية، وتلاها موافقة وليد المعلم وزير الخارجية السوري وبسرعة على المبادرة  وكشف أوباما بنفسه بموازاة ذلك أنه بحث مع الرئيس الروسي احتمال طرح مبادرة من هذا النوع، وأكد في تصريحات له أنه يعطي الأولوية للحل الدبلوماسي بشأن الأسلحة الكيماوية. وهو ما يكشف أن ما تم عبر سلسلة الأيام الأخيرة دبّر بليل بين اللاعبين الكبار لتحقيق أكثر من غاية تخدم مصالحهم، متجاهلة مصلحة الشعب السوري المتضرر الأكبر من إجرام الأسد ونظامه.
كان قتل نظام الاسد بغير السلاح الكيماوي أكثر من مئة ألف سوري ، وشرد الملايين بين نازح ولاجئ ، وسيستمر على هذا المنوال بعد قبوله بالمبادرة الروسية. لقد رضخ للمطالب الأمريكية الغربية، وقبل بتدمير ما كان يعتبره سلاحا استراتيجيا، من أجل النجاة من ضربة تطيح به ، والبقاء في كرسي الحكم ، وسيبقى يمارس مسلسل قتل شعبه فيما يستمر الغرب والمجتمع الدولي مقابل ذلك بإغماض العين عن أفاعليه.  
للأسف هذا التحرك الأمريكي الدولي الذي كان يفترض أنّ في ظاهره الرحمة تبين أن في باطنه العذاب الكبير للشعب السوري لأكثر من سبب:
ـ منح النظام السوري تفويضا دوليا للأسد لمواصلة قتل الشعب السوري، وارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل بكافة الأسلحة المتاحة ، باستثناء الكيماوي، وربما بوتيره أكبر وأشرس، وغضّ الطرف عن مجازره وجرائمه السابقة.
ـ تدمير سلاح استراتيجي رادع، دفع السوريون ثمنه من جيوبهم، وكان يفترض أن يخلق نوعاً من التوازن مع التفوق العسكري الاسرائيلي.  يتم ذلك ارضاء للكيان الصهيوني.
ـ إطالة عمر النظام السوري، وإدخاله في منظومة الحل السياسي التي سيجري التحرك بها  بموازازة  المبادرة السورية  وتقوية موقفه وموقف حلفائه في منطقة وبخاصة روسيا وإيران وحلفائها في المنطقة ( منها حزب الله في لبنان)
ـ  إيجاد مخارج وحلول لجهات دولية على حساب عذابات السوريين، ونقصد بذلك حفظ ماء وجه الرئيس الأمريكي أوباما الذي كان في مأزق حرج ، وذلك بعد تخلي البريطانيين ودول أوربية أخرى عن الدخول في تحالف دولي معه لضرب سوريا، وطلبه من الكونجرس تفويضا في مسالة الضربة، مع صعوبة حصول ذلك ، وصعوبة موافقة الراي العام الأمريكي على ذلك. 
ـ ادخال الأزمة السورية ضمن مزاد التسويات والترتيبات الجديدة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في إطار لعبة المصالح وتقاسم النفوذ .
لكن بالرغم من ذلك فإن التطورات المتعلقة بالضربة الأمريكية ثم المبادرة الروسية كان لها إيجابيات على مبدأ " رب ضاة نافعة " لعل من أهمها:
ـ أكدت على حيازة النظام للأسلحة الكيمائية ، واستخدامها ضد شعبه ، وليس كوسيلة لحفظ أمنه القومي وردع أعدائه .
ـ أكدت على  القوة الهلامية لهذا النظام الذي سارع للتنازل عن أمور تدخل في إطار سيادة دولته مقابل مصالحه الشخصية ( الحفاظ على كرسي حكمه) .
ـ أن الشيء الوحيد الذي يصلح للتعامل مع هذا النظام هو لغة القوة.
ـ حجم التبعية التي يخصع لسلطانها النظام السوري وتحديدا ، للروس والإيرانيين . 
ـ أهمية عدم تعويل الشعب والمعارضة السورية على الغرب لحل مشكلتهم أو التخفيف من معاناتهم ، فقد أثبتت التجارب المتراكمة والشواهد المتكررة ، أن المصالح هي التي تحركه وليست القيم الأخلاقية أو الإنسانية أو حفظ حقوق الإنسان، أو الحرص على القوانين الدولية..
ـ ضمان استقلالية قرار الثورة السورية، بحيث لايكون لأحد منّة عليها، وتوفير حافز إضافي لتوحيد صفوف الثوار والمعارضة بشقيها السياسي والعسكري، واستشعار أهمية الاعتماد الرئيسي على الله ثم على الذات.
بعد عامين ونصف العام ، من المعاناة والتضحيات يجد الشعب السوري نفسه وحيدا، دون أي عون يذكر من المجتمع الدولي الذي تدّعي كثير من دوله أنها نصيرة له، بينما تبحث في حقيقة الأمر عن مصالحها الضيقة ، ولا تتحرك إلا بناء على ذلك ، وتتفاهم مع خصومه لأجل تسويات غالبا ما تكون على حسابه.