الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشعب السوري يدفع ضريبة النزاع بين روسيا والغرب

الشعب السوري يدفع ضريبة النزاع بين روسيا والغرب

15.04.2014
سمير عواد


الراية
الاثنين 14/4/2014
المجتمع الدولي مسؤول أولاً وأخيرًا عن ضعف دور ونفوذ الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، والجيش السوري الحر، والسبب، هو عدم وجود حماس إقليمي ودولي لدعمهما، في المواجهة التاريخية بين نظام بشار الأسد وشعبه، والتي دخلت عامها الرابع، وأدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 140 ألف شخص، ونزوح ملايين السوريين داخل وخارج بلدهم، ودمار لا يوصف في البنية التحتية التاريخية والتي كان شعراء العالم، يتغنون بها ويستلهمون منها روائع كتاباتهم.
ورغم عدم أخذ المجتمع الدولي الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة على محمل من الجد، فقد اجتمع أعضاؤه مؤخرًا في أحد فنادق مدينة اسطنبول، وانتخبوا قيادة سياسية جديدة، كما عينوا وزراء في حكومة الظل، لشؤون الصحة والتعليم والداخلية.
وكانت هذه علامة، تشير إلى استعداد حكومة الائتلاف لتحمل المسؤوليات في حالة سقوط نظام الأسد، وتجنب حدوث فراغ سياسي وأمني يؤديان إلى انتشار الفوضى في أرجاء البلاد، على الرغم من تشاؤم المراقبين من سقوط النظام السوري قريبًا، والذين يعتقدون أن الحل السياسي فشل مؤقتًا، بعد انتهاء مؤتمر جنيف 2 في نهاية يناير دون نتائج تُذكر، وابتعد الحل خاصة بعد اندلاع خلاف بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بالذات، بسبب أوكرانيا وضم روسيا إقليم القرم لأراضيها، ومن وجهة نظرهم، تم تجميد المفاوضات السياسية بين الأطراف الدولية حول الأزمة في سوريا، رغم أن الشعب السوري يدفع غاليًا ضريبة الحرب الشرسة التي يشنها الأسد على شعبه.
ويتفق المراقبون على أن بشار الأسد، أبرز المستفيدين من اندلاع نزاع القرم، والذي يعتبر هزة قوية لمعارضيه داخل وخارج سوريا. ولم يعد سرًا في العواصم الغربية، مثل واشنطن ولندن وباريس وبرلين، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تخلت عن التزامها بتزويد الثوار السوريين بالسلاح، ويرون في ذلك علامة واضحة على أنها غيرت نهجها في التعامل مع الأزمة السورية، لتجنب زيادة التوتر الجديد بين الغرب وروسيا.
وبرأي جوناثان إيال، مدير قسم الدراسات الدولية في المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، أن الحديث حول تجميد واشنطن إرسال أسلحة للثوار السوريين، يكشف عن هدفها بفصل الأزمة السورية عن نزاعها الجديد مع روسيا، وأضاف أن آخر ما لا تريده واشنطن، هو صب الزيت على النار، من خلال تصعيدها الحرب الدائرة في سوريا، وتعرضها لانتقادات في وسائل الإعلام، بسبب دورها في سوريا.
والنتيجة أن الشعب السوري، تُرك وشأنه، يتعرض لما يصفه البعض بحرب إبادة على أيدي نظام الأسد، الذي لا يخشى على المدى القريب، أي عقاب دولي، بسبب الدعم اللا محدود الذي يحصل عليه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ويعلم الغرب خاصة واشنطن، أن عدم دعم الثوار السوريين، يؤجل سقوط نظام الأسد، ويزيد من قساوة الحرب ويشجع قوات وشبيحة الأسد وحليفهم حزب الله اللبناني وأطرافًا مسلحة إسلامية متطرفة من العراق، على مواصلة محاربة الثوار واستعادة المناطق التي حرروها من سلطة النظام السوري، والأهم من ذلك، عدم قلق بشار الأسد مهما ارتكب من جرائم بحق شعبه، من تدخل عسكري دولي لوضعه عند حده.
وفي كلمة ألقاها فرانك فالتر شتاينماير أمام البرلمان الألماني الاتحادي "بندستاغ" قبل أيام، وكان قد أجرى مؤخرًا محادثات في برلين مع سعادة د. خالد بن محمد العطية وزير الخارجية القطري، تم التطرق خلالها إلى الأزمة السورية وسبل حلها، حذر فيها من خطورة التركيز على حل نزاع القرم وأوكرانيا فقط، وتجاهل ضرورة حل نزاعات أخرى وفي مقدمتها الأزمة في سوريا والنزاع الفلسطيني/ الإسرائيلي.
لكن مارك بيريني سفير الاتحاد الأوروبي السابق في سوريا وتركيا، والأستاذ المحاضر في معهد البحوث السياسية "كارنيغي أوروبا" في بروكسل، يرى أن الغرب عاجز عن مواجهة سوريا في هذه المرحلة، وإثارة العديد من قضايا النزاع معها، ويوضح أن الغرب يركز على البحث عن حل لنزاع القرم، حيث يخشى أن يكون ضم شبه جزيرة القرم لأراضي روسيا، بداية إستراتيجية عسكرية لضم أراضٍ أخرى لها، في أوكرانيا وفي جمهوريات أخرى استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق بعد انهياره.
وما لا يصرح به المسؤول الأوروبي السابق في العلن، أن بوتين الذي غضب كثيرًا من ميخائيل غورباتشوف وإستراتيجية "البرسترويكا" في نهاية الثمانينيات وخلال التسعينيات، هي التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفييتي، وهو يريد الآن إعادة أمجاد بلاده والضغط على الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي، كي تعود إلى مظلته، وإن لم ينفع إقناعها، فهناك وسائل أخرى، حيث سيصبح ما حصل في القرم نموذجًا، بحيث يستغل بوتين دعوة أقليات روسية موالية له في هذه الجمهوريات، يشتريها بالمال والسلاح، لكي تهب روسيا "الأم" لتنقذ الروس أينما كانوا، وتتخذ منذ ذلك غطاء للتوسع في المنطقة التي كانت تابعة سابقًا للاتحاد السوفييتي.
ويثير ذلك مخاوف حقيقية في الغرب، الذي يخشى أن أي نزاع مع روسيا، يصب الزيت على النار، وقد يؤدي إلى حرب باردة جديدة بين الشرق والغرب. ويأمل الغرب بأن تتراجع روسيا عن نهجها الحالي.
ويخاف الغرب من أن تعرقل روسيا المفاوضات الدائرة بينه وبين إيران، بسبب النزاع حول برنامجها النووي، حيث تعلم إيران أن أي نزاع بين واشنطن وموسكو، سيكون له انعكاسات على دور القوتين العظميين تجاه الأزمة السورية والنزاع القائم معها.
ولا يبدو حتى الآن، أن واشنطن لديها إستراتيجية محددة تجاه سوريا، وأن أوباما، ضحى بدور بلاده في سوريا في العام الماضي، عندما تراجع فجأة عن معاقبة نظام الأسد في العام الماضي، وتراجع عن كلامه حينما هدد بشار الأسد إذا استخدم أسلحة كيماوية ضد شعبه، وقال إن هذا خط أحمر.
ولكن الاتفاق الذي تم بين المجتمع الدولي وبشار الأسد برعاية موسكو، دفع الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة ضريبته، حيث ضغط عليه الغرب للذهاب إلى "مونترو" وجنيف"رغم أن الجميع لم يكونوا يتوقعون نتيجة من التفاوض العبثي مع وفد نظام دمشق، وأن التفاوض كان يدور على حساب آلام ومعاناة الشعب السوري، وأنه في الحقيقة إضاعة للوقت.
الموقف الرسمي للإدارة الأمريكية هو الإطاحة بنظام الأسد وتشكيل حكومة انتقالية بمشاركة ائتلاف المعارضة السورية.
ولكن الآمال بنجاح هذا الهدف، باتت أضعف من السابق بعد نشوء النزاع الجديد بين الغرب وروسيا.
وفي هذه الأثناء يستغل الأسد ضعف ائتلاف المعارضة السورية، بالسعي إلى تعزيز نفوذه من خلال الدعوة إلى انتخابه، والعالم يعرف أنه إذا استمر بشار الأسد في منصبه، معنى ذلك أن الشعب السوري سيظل يعاني ويدفع الثمن غاليًا.
ومع مشاركة حزب الله اللبناني حرب نظام الأسد، زاد الاحتمال بانتقال نارها إلى أراضي لبنان، وهكذا فإن عدم اتفاق القوتين العظميين على حل الأزمة السورية، يصب في مصلحة بشار الأسد، وبالتأكيد لا يخدم طموحات الشعب السوري.