الرئيسة \  واحة اللقاء  \  الشمال السوري أم سورية الأخرى؟

الشمال السوري أم سورية الأخرى؟

03.10.2017
شيرزاد اليزيدي


الحياة
الاثنين 2/10/2017
بالتزامن مع حملة غضب الفرات التي يمكن القول إنها تكاد تنجز هدفها عبر تحرير ثلاثة أرباع الرقة حتى الآن، انطلقت مؤخراً عملية عاصفة الجزيرة لتحرير الريف الشرقي لدير الزور وما تبقى من مناطق شرق نهر الفرات في إقليم الجزيرة. ولا تخفى هنا ومع هذا الإعلان دلالات مدى قوة وجاهزية قوات سورية الديموقراطية في مقارعتها الإرهاب: فجنباً الى جنب وعلى رغم عدم الفراغ من العملية الكبرى الخاصة بتحرير معقل داعش الأساسي في الرقة، تنطلق حملة موازية ورديفة لا تقل أهمية.
ولئن دل ذلك على شيء فإنما على شمولية إرادة تطهير المنطقة من الإرهاب وتكريس الانتصارات عليه وتجفيف بؤره والقواعد الخلفية له. وبلا شك فإن تتالي هذه الانتصارات مع انطلاق القطار الانتخابي بمحطاته الثلاث المؤسسة والناظمة لفيديرالية شمال سورية، يعطي زخماً وثقة ويوفر أجواء محفزة على المضي قدماً في تكريس النظام الفيديرالي الديموقراطي للشمال السوري، الذي بات يتولى دفّة قيادة دمقرطة سورية وبلورة وإنضاج الحل الديموقراطي الاتحادي، فضلاً عن قيادة المجهود الحربي ليس السوري فقط، بل أيضاً الدولي ضد الإرهاب، وفي مقدمه إرهاب داعش التي ليس سراً أن مناطق روج آفا - شمال سورية لطالما مثلت المستنقع الذي غاصت وتغوص فيه هي وأخواتها من جماعات إرهابية بعثو-إسلامية.
فليس تفصيلاً بسيطاً أن قوات سورية الديموقراطية باتت تسيطر على ربع مساحة سورية (25 في المئة)، مع ما يحمله ذلك من تبعات إستراتيجية وسياسية لجهة تعاظم الدور والوزن الذي تلعبه روج آفا كردستان وعموم شمال سورية في معادلات الحل والحرب. فهي غدت القوة الأولى المشهود لها دولياً بالكفاءة وقوة الشكيمة في هزم الإرهاب في عقر معاقله العصيّة على جيوش دول نظامية مدججة بالسلاح.
ومع نجاح المرحلة الأولى من ثلاثية انتخابات فيديرالية شمال سورية عبر انتخابات الرئاسات المشتركة للكومينات (مجالس الحواري والأحياء)، التي نظمت مؤخــــراً وفاقـــت نسبة المشاركة فيها 70 في المئـــــة، والتحضير للمرحلة الثانية المتمثلة في انتخابات مجالس المقاطعات في الثالث مـــن تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، تدلّ المــؤشرات العسكرية الميدانية إلى أن حملتَي غضب الفرات وعاصفة الجزيرة، ستكونان قد أنجزتا أهدافهما وتكللتا بالنجاح قبل حلول الموعد الانتخابي الثاني مطلع الشهر المقبل، كما سبقت الإشارة، بخاصة في تحرير الرقة.
هكذا فإن توازي النجاحات العسكرية والسياسية التي تراكمها تجربة شمال سورية الفيديرالية، لم يأت اعتباطاً بل هو نتاج إرادة ديموقراطية مجتمعية صلبة تستمد قوتها من التفاف كل مكونات وشعوب الشمال السوري حولها، وكذلك نتاج برنامج عمل وإستراتيجية حل ديموقراطي بنيوي وشامل قائم على التعدّد والتنوّع والتآخي، ليس اللفظي فقط بل المبنيّ على بلورة القواسم والمصالح المشتركة بين مختلف المكوّنات على قاعدة التشارك الحقيقي الملموس لا الشعاراتي التكتيكي. وهذا ما يفسّر مثلاً المشاركة الواسعة لمختلف تلك المكونات في انتخابات الكومينات، كالمكوَنين العربي والسرياني، ما يثبت أن وجهة البوصلة صحيحة، وأن النظام الفيديرالي الذي هو قيد التدشين شمال سورية، هو وحده الترياق للأزمة الوجودية السورية بل الإقليمية أيضاً.